الزيارات المتعاقبة لمسؤولين إيرانيين إلى سوريا، تحمل رسالة مبطنة عن طبيعة العلاقة الجديدة بين سوريا وإيران. فبعد يومين من زيارة لاريجاني إلى دمشق، زار وزير الدفاع الإيراني دمشق للقاء نظيره السوري ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد، بهدف بحث سبل التعاون العسكري والأمني بين البلدين، بناء على دعوة تلقاها من دمشق.
طرحت الزيارة ومضمونها تساؤلات كثيرة عن ما إذا كان الهدف منها محاولة السيطرة على الفصائل الموالية لإيران، بعد الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سوريا. وهل هذا مؤشر على أن دمشق ستغير من توجهاتها وتخرج من العباءة الإيرانية؟
من جانبه، قال مدير مركز الاستشراف للمعلومات عباس ضاهر، لقناة "المشهد"، عن دلالات زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى دمشق في هذا التوقيت تحديدا خصوصا مع اشتعال الموقف على عدة جبهات داخل سوريا: "سوريا وإيران حليفتان وثيقتان، في كل المرحلة الماضية وفي معموديات الميدان والسياسة والتنسيق والإستراتيجية والمعطيات، وحتى مع المحاور الدولية".
وأضاف ضاهر: "عادة لا يوجد أي شيء غريب في الزيارات الإيرانية إلى سوريا، ولكن توقيت الزيارة طرح علامات استفهام عدة عن ماذا يجري، وهل سيحصل تغيير في السياسة السورية.. كل هذه الأسئلة تستحق النقاش، بمعنى عن أي سوريا سنتكلم في المرحلة المقبلة، وهل تريد سوريا اليوم من الإيرانيين تخفيف الإجراءات العسكرية أو تخفيف التواجد على أراضيها؟.. أعتقد أن النقطة المهمة من هذه الزيارة، هو ما يجري في شمال غرب سوريا، ومستقبل الشمال والشرق السوري في المرحلة المقبلة، خصوصا في ظل الضغط التركي على دمشق من أجل حصول لقاءات سوريا - تركية رئاسية، وهو ما يطلبه الأتراك".
وأردف بالقول: "وهناك دون شك مسألة مهمة جدا، وهي ماذا ستفعل دمشق في ملف الكرد، وإذا أراد اليوم المسلحون المتطرفون أو حتى تركيا خلفهم أن تشن عمليات في هذه المنطقة، هل ستقدر إيران وحلفاءها على مؤازرة الجيش السوري في هذا الإطار، خصوصًا بعد انشغال "حزب الله" تحديدا بالحرب الإسرائيلية، هذا أيضا عنوان أساسي قيد البحث، إضافة إلى ماذا سيقرر ترامب بالنسبة للبقاء أو الانسحاب الأميركي بعد تعزيز القوات الأميركية في شرق سوريا، بالتالي لا بد من تنسيق إيراني سوري على مختلف المستويات بفعل التواجد العسكري الإيراني، والتنسيق السياسي المستمر بين الحليفتين".
"مأزق حقيقي" من جهته، قال السياسي السوري والعضو السابق في هيئة التفاوض السورية الدكتور يحيى العريضي، لقناة "المشهد": "زيارة وزير الدفاع الإيراني تأتي ضمن سلسلة من الزيارات الإيرانية لسوريا، وهي واحدة من 4 زيارات بدأها وزير الخارجية الإيراني، ثم مجلس الشورى الإيراني، بعدها أتت زيارة علي لاريجاني مستشار خامنئي، ثم أتت زيارة وزير الدفاع، وتكرر هذه الزيارات ليس بغريب أبدا، بالعادة يأتي الإيرانيون حلفاء نظام الأسد بشكل طبيعي إلى دمشق، لكن الوضع بالنسبة لسوريا بالذات مختلف بعض الشيء الآن، خصوصا بعد كل الأحداث التي وقعت في غزة ولبنان ومقتل أمين عام "حزب الله" وقيادات الصف الأول والثاني من الحزب، والوصول إلى أذرع إيران بهذا الشكل، وتمدد نتانياهو في حربه باتجاه الأرض السورية من خلال غارات شبه يومية، واستهداف نقاط عسكرية سورية وقواعد إيرانية في إيران".
وتابع قائلا: "هناك مساع حثيثة من قبل إسرائيل وأميركا وحتى روسيا. بأن يبقى نظام الأسد محايدا تجاه هذه المستجدات، رغم أنه محسوب على ما يسمى محور المقاومة والممانعة، ومجيء وزير الدفاع أتى للتأكد بشكل أساسي للوقوف على حقيقة الموقف السوري، وتحديدا موقف الرئيس الأسد خصوصا مع قدوم إدارة ترامب الذي تخشى منه إيران، بحيث أنه هل سيستمر الأسد ضمن المحور أم سيسعى إلى التنصل منه، فبشار الأسد حقيقة في مأزق كبير، فإن استمر بالانضمام إلى هذا المحور، سيكون مستهدفا من قبل نتانياهو، وإن تنصل منه عمليا فهو سيكون مستهدفا من قبل إيران".
بدوره، علّق عضو مجلس الشعب السوري الدكتور محمد خير عكام، قائلا: "لا أعتقد أن الزيارات الأخيرة المتكررة للمسؤولين الإيرانيين إلى سوريا، تعني أي تغيير في موقف سوريا تجاه التحالف مع إيران، بالعكس هذه الزيارة تؤكد أن هذا الحلف الذي يبدأ من طهران وينتهي في بيروت، هو حلف استراتيجي ولا يمكن تفكيك هذا الحلف عن بعضه، وبالنسبة لتزايد الوجود الإيراني في سوريا، لم يبدأ هذا التزايد إلا مع الحرب التي شنت على سوريا ونشر الإرهابيين الذين أوتي بهم من كل بقاع العالم ومن قبل الدول الداعمة للحرب في سوريا، إذن نعم الحضور الإيراني تزايد في سنوات الحرب على سوريا وهذا وضع طبيعي لأن إيران حليفة لسوريا".
وتابع قائلا: "بالنسبة لتموضع القوات الأميركية في الشرق السوري اليوم، هناك حديث على أنه يمكن أن يكون هناك مقايضة بين خروج القوات الأميركية من سوريا مقابل تخفيف الحضور الإيراني فيها، ولكن لا يمكن الحديث عن فك الارتباط والتحالف بين سوريا وإيران، لأن هذا التحالف استراتيجي وحتى قبل الحرب التي شنت على سوريا، كانت هناك بعض الدول العربية التي تريد أن تقايض علاقتها مع سوريا بقطع العلاقات السورية-الإيرانية، وسوريا أكدت في أكثر من مناسبة أن هذا الأمر هو مسألة سيادية سورية ولا يمكن أن يندرج تحت رغبة أو طلبات أي دولة أخرى".
(المشهد)
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد