في أوطاننا الخليجية قصص كثيرة تعكس اجتهاد ودأب أبنائها في سبيل التحصيل العلمي والأكاديمي، بناء لذواتهم من الصفر، وخدمة لمجتمعاتهم ودولهم. وقصة الدبلوماسي الكويتي محمد زيد الحربش، الذي شق طريقه بنجاح مشهود وسط ظروف اليتم والحرمان من الحنان الأسري، هي إحدى القصص التي يجب أن تروى.
فهذا الذي فقد والده وهو لم يتجاوز سن الحادية عشرة، ثم فقد والدته بعد ذلك بسنتين، فحرم من رعايتهما وحنانهما وتوجيههما في مراحل التكوين الحرجة الأولى التي أشد ما يكون فيها المرء بحاجة للرعاية والتوجيه، فدفعته ظروفه وأقداره إلى أن يكون صاحب الملف الأول في «دائرة الأيتام الكويتية»، المعروفة حاليا باسم «الهيئة العامة لشؤون القاصرين». حيث ترك له والداه بعد وفاتهما بعض الممتلكات، فتم حفظها له تحت إشراف الدائرة المذكورة، التي كانت قد تأسست في تلك الفترة لمثل هذه الأغراض وعهد برئاستها إلى الشيخ عبدالله الجابر الصباح (1900 ــ 1996) رحمه الله.
أخبرنا الزميل باسم اللوغاني، في مقال نشره عنه بجريدة «الجريدة» الكويتية في عددها ليوم 5 يوليو 2003، أن الحربش، واسمه الكامل «محمد زيد ثامر الحربش البرازي»، ولد في فريج المطران بمدينة الكويت عام 1930. وفريج المطران لمن لا يعرفه هو أحد فرجان منطقة المرقاب، إحدى أهم وأشهر مناطق الكويت القديمة داخل السور، والتي أخذت اسمها من «المراقبة»، بسبب وجودها على أرض مرتفعة نسبياً ما جعل منها عيناً ترصد الغزاة وتراقب القوافل القادمة إلى البلاد، طبقاً لما ذكره الأديب والسفير الكويتي المرحوم عبدالله السريع في كتابه «الكويت قبل نصف قرن».
كان ميلاده لأب من عائلة الحربش من البرزان. وتعود أصول الحربش إلى شمال الحجاز، حيث كانت قبيلتهم بني صخر تستوطن منطقة العلا، ومن ثم هاجر قسم منهم إلى الأردن في أواخر القرن الرابع الهجري، ونزح قسم آخر منهم إلى مصر، بينما بقي قسم ثالث في شبه الجزيرة العربية، وتحديداً في المملكة العربية السعودية والكويت، طبقاً لما ورد في موقع «ويكي كويت» الإلكتروني. ومن أشهر رجالات الحربش في الكويت، عدا المترجَم له، الملا زايد بن ابداح الحربش صاحب الختم المعتمد لشهادة الجنسية قبل الاستقلال، وابنه عسكر زايد بن ابداح الحربش، والنائب جمعان ظاهر الحربش وغيرهم.
تلقى الحربش تعليمه ما قبل الثانوي في المدرسة المباركية (أولى مدارس الكويت النظامية والتي تأسست في ديسمبر 1911، وسميت بالمباركية نسبة إلى الشيخ مبارك بن صباح بن جابر الصباح حاكم الكويت السابع من عام 1896 إلى تاريخ وفاته سنة 1915)، وعلى إثر تخرجه من المباركية سنة 1944 سافر مع مجموعة من الطلبة الكويتيين (منهم: فيصل الصالح المطوع، وسليمان العبدالجليل، وحمد يوسف العيسى، وداود مساعد الصالح) إلى مصر للحصول على شهادة الثانوية العامة، حيث التحق هناك في شارع الجيش بالعباسية بمدرسة خليل آغا الثانوية التي عرفت بتخريجها العديد من مشاهير الفن والأدب المصريين من أمثال الزعيم السياسي والحقوقي محمد فريد (1868 ــ 1919) والملحن زكريا أحمد (1896 ــ 1961) والأديب إحسان عبدالقدوس (1919 ــ 1990) وغيرهم، علماً بأن هذه المدرسة تأسست في القرن الثامن عشر كتكيّة فمدرسة ابتدائية، ثم انتقلت إلى مبناها ذي الطراز السلطاني الفخم في العباسية كمدرسة ثانوية في عام 1929، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى كبير أغوات زوجة إبراهيم باشا وناظر السرايات في عهد الخديوي إسماعيل.
بعد تخرجه من مدرسة خليل آغا، واصل الحربش تعليمه بمصر فالتحق بكلية الآداب التابعة لجامعة الإسكندرية التي منحته ليسانس الآداب في عام 1956، ليصبح بذلك أول طالب كويتي يتخرج من جامعة الإسكندرية.
عاد صاحبنا إلى وطنه مكللاً بشهادته الجامعية، ومعها سنوات من التجارب الغنية في الاعتماد على الذات تخللتها علاقات وأنشطة ثقافية واجتماعية وقراءات في أمهات الكتب من تلك التي صقلت شخصيته وفتحت مداركه ومنحته آفاقاً فكرية أوسع، خصوصاً أن تواجده في مصر كان في حقبة مليئة بالمخاضات والأحداث والأنشطة الثقافية والأدبية المتنوعة والأفكار النهضوية. وكانت عودته قبل بضع سنوات من استقلال الكويت حينما كانت البلاد تعيش فترة من الازدهار الاقتصادي بفضل مداخيل النفط العالية والإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية والخدمية، فالتحق في بداية مشواره الوظيفي بدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل التي كان يترأسها منذ عام 1955 الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (أمير دولة الكويت لاحقاً ما بين 2006 ــ 2020)، أي قبل أن تتحول تلك الدائرة إلى وزارة.
وقتها كانت الدائرة جديدة، وكان من مهامها تدشين المشاريع الاجتماعية والإشراف عليها، ووضع القواعد التنظيمية الخاصة بتوفير فرص العمل الملائم للمواطنين، واستقرار العلاقة بين العمال وأرباب العمل، وتنظيم تدفق الوافدين العرب والأجانب، واستحداث مراكز التدريب المهني ورعاية الأمومة والطفولة والشباب والمسنين، ومنح التراخيص للجمعيات والأندية النسائية والأدبية والرياضية. ولذا ضم الحربش جهوده إلى جهود رئيس الدائرة الشيخ صباح وجهود زملائه في تلك الفترة من أمثال حمد عيسى الرجيب (1922 ــ 1998) وعبدالعزيز عبدالله الصرعاوي (1928 ــ 2003)، اللذين كانا.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة عكاظ