وزير المالية الأميركي هو من حيث المبدأ المدير المالي للبلاد، وبصفته المستشار الاقتصادي الأول للرئيس، فهو مسؤول عن تقديم التوصيات بشأن السياسات المالية والإشراف على تنفيذها، وليس أقلها أهمية إداراة الدين العام.
يمكن اعتبار هذه المهمة الأكبر، مع وصول عجز الموازنة إلى تريليون دولار، وارتفاع إجمالي الدين العام إلى 26 تريليون دولار. لكن من وجهة نظري، المهمة الأعظم لوزير الخزانة اليوم هي ألا يدع مجالاً للشك بأن الحفاظ على قوة الدولار يخدم مصلحة الولايات المتحدة.
لن تكون هذه مهمةً سهلةً أمام سكوت بيسنت الآتي من خلفية تنفيذية في إدارة صناديق التحوط، والذي رشّحه الرئيس المنتخب دونالد ترمب لمنصب وزير الخزانة الأميركية، خاصة في ظل الأفكار غير التقليدية التي يعبّر عنها ترمب بشأن العملة الأميركية.
خفض قيمة الدولار
في مقابلة مع "بلومبرغ بيزنس ويك" في يونيو، صرح ترمب بأن الولايات المتحدة لديها "مشكلة عملة كبيرة"، مشيراً إلى أنه كثيراً ما يسمع من المصنّعين شكاوى من أن "لا أحد يرغب بشراء منتجاتنا بسبب ارتفاع أسعارها"، في حين تعمل الدول الأخرى على إبقاء عملاتها "ضعيفة دائماً" لتعزيز قدرتها التنافسية في التصدير.
كان ترمب محقاً بأن الدولار قوي. فمؤشر الدولار الحقيقي الواسع المعدّل، الذي يصدر عن الاحتياطي الفيدرالي، يفوق بكثير المعدلات التي كانت سائدة منذ أنهى الرئيس ريتشارد نيكسون معيار الذهب قبل خمسين عاماً. لكن المفارقة أن سياسات ترمب نفسها قد تؤدي إلى تعاظم قوة الدولار، عبر إجبار الاحتياطي الفيدرالي لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، وذلك من قبيل الاستجابة لاحتمالات تسارع التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية التي يقترحها ترمب.
كتب الخبراء الاستراتيجيون لدى مجموعة "غولدمان ساكس" في مذكرة قبل فترة قصيرة: "لم نعد نتوقع انخفاضاً عاماً في قيمة الدولار، حتى خلال ستة أو 12 شهراً... سيبقى الدولار أقوى لفترة أطول".
ولكن ترمب مخطئ بشأن الصادرات، لأن قيمة ما يخرج من الولايات المتحدة من سلع وخدمات ارتفعت برغم قوة الدولار. بعد ثبات قيمتها عند نحو 212 مليار دولار شهرياً خلال إدارة ترمب في 2018 و2019، زادت الرغبة في المنتجات الأميركية مع بدء انقشاع جائحة كورونا في منتصف 2022، إذ بلغ متوسط قيمة الصادرات نحو 259 مليار دولار شهرياً.
ليس هذا جديداً على ترمب، فقد صرح خلال ولايته الرئاسية الأولى بأن ضعف الدولار قد يخدم مصالح الولايات المتحدة من خلال تعزيز الصادرات وتقليص العجز التجاري. ومع ذلك، فإن قوة الدولار تتجاوز مسألة سعر صرفه مقابل العملات الأخرى، فهي مرتبطة أيضاً بالثقة بأن الأموال الأجنبية في الولايات المتحدة في أمان، إذ إن الدولار يُعتبر مخزناً موثوقاً للقيمة تدعمه أسس النظام الديمقراطي وسيادة القانون.
كما قال وزير الخزانة الأسبق في عهد كلينتون، روبرت روبين: "هذا يعني أن شروط التجارة أفضل لدينا، ما يتيح للمستهلكين الأميركيين الشراء بتكلفة أقل".
الثقة بالعملة الأميركية
علاوة على ذلك، تُعد سياسة الدولار القوي إحدى الركائز التي تمكّن الولايات المتحدة من خدمة دينها الهائل وعجزها المالي. وفقاً لبيانات وزارة الخزانة، وصلت الحيازات الأجنبية من سندات الخزينة الأميركية والأوراق المالية المرتبطة بها إلى 8 تريليونات دولار في أغسطس للمرة الأولى، مسجلة زيادة قدرها 40% مقارنة مع مستواها في 2016. يعني ذلك أن ارتفاع العجز لم يثن المشترين الأجانب عن الاستثمار.
لكن هؤلاء المستثمرين قد يترددون في الاستمرار بضخ مثل هذه الأموال الطائلة إذا شعروا بأن الولايات المتحدة تسعى لإضعاف الدولار. فبمجرد أن تفقد العملة الخضراء مكانتها كمخزن للقيمة، قد تتراجع الحيازات الأجنبية بمليارات إن لم يكن تريليونات الدولارات.
وفيما قد تبدو الديمقراطية.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg