تزايد الإقبال على المقاعد الأكثر راحة في الطائرات يعكس رغبة الركاب في التمتع بمزيد من الرفاهية، ورغم تردد شركات الطيران، إلا أن الركاب على استعداد لدفع المزيد مقابل الراحة، مما دفع الشركات لإعادة التفكير في خيارات المقاعد المميزة. #اقتصاد_الشرق

لا شيء على متن طائرة يفوق أهمية استغلال المساحة، وذلك لأسباب حسابية. لو سبق أن قضيت ساعات محشوراً في مقعد أوسط، أو رضّ الراكب أمامك ركبتيك وهو يدفع مسند مقعده إلى الخلف كي ينعم بقسط من النوم، فأنت على الأرجح تدرك هذا الواقع جيداً.

إن كل شبر من مساحة مقصورة الطائرة محسوب بدقة لا تترك حيزاً للحركة. حتى أن السنتيمترات القليلة التي تفصل بين مقعدك ومجاوره، باتت أشبه بملكية مشتركة لك ولجارك، وغالباً ما يكون حق استخدام مسند الذراع لمن يميل لاستعداء الناس.

نظراً إلى كل ذلك، لا عجب أن كثيراً من الناس على استعداد لدفع مبالغ إضافية ليحظوا بالراحة في المقاعد، لكن حتى

على مدى أكثر من عقد قبل جائحة كورونا، اختبرت شركات الطيران الأميركية فئات جديدة من المقاعد، بخلاف الدرجة الأولى والدرجة الاقتصادية. وتضمنت هذه الخيارات، على سبيل المثال، صفوفاً من المقاعد توفر مساحة أوسع للأرجل ووجبات خفيفة أفضل.

لكن لم تحظ هذه المقاعد المميزة برواج كبير بين الركاب في البداية. على سبيل المثال، في عام 2011، باعت شركة الطيران "دلتا" 14% فقط من مقاعد الدرجة الأولى. على الرغم من أن هذه النسبة سجلت ارتفاعاً تدريجياً عبر القطاع وصولاً إلى عام 2020، لكن معظم هذه المقاعد المميزة لم تكن تجني مدفوعات مالية، بل كانت تُمنح مقابل الأميال التي يجمعها الزبائن، أو تُخصص كترقيات لكثيري الأسفار الذين يبنون بمقتضى ذلك علاقات طيبة مع موظفي شركات الطيران.

إقبال على المقاعد المميزة

مع استئناف السفر السياحي بعد الوباء، ما عاد الأميركيون يعتمدون على الحظ فقط من أجل الحصول على مقاعد أفضل. بحلول 2023، أصبحت "دلتا" تبيع 75% من مقاعد الدرجة الأولى، في ارتفاع يحاكي الاتجاهات السائدة في السوق.

بيّن مركز "سي أي بي أي" للطيران أن حجم تذاكر السفر المميزة على الرحلات بين الوجهات الأكثر رواجاً في أميركا الشمالية زاد خلال الربع الأخير من 2023 بأكثر من 36% مقارنة بالفترة نفسها من 2019، على الرغم من أن إجمالي عدد التذاكر لكافة الفئات ظل على حاله.

لكن لا يمكن أن يستمر نمو كهذا إلى الأبد، مع أنه كان كافياً لدفع شركات الطيران إلى تسريع جهود اعتماد مقصورات أحدث أو زيادة صفوف المقاعد المميزة ضمن أساطيلها.

على سبيل المثال، تعمل "يونايتد إيرلاينز" (United Airlines) على زيادة مقاعدها المميزة بنسبة 75% لكل رحلة في إطار برنامج أعلنته في 2021. وفي أكتوبر، كشفت "دلتا" عن خطة إعادة تصميم شامل لمقصوراتها خلال السنوات المقبلة. ولا تقتصر هذه التحسينات على زيادة عدد مقاعد الدرجة الأولى، بل تشمل مقصورات مميزة تضم نطاقات سعرية متعددة، تقدم مزيجاً مختلفاً قليلاً من المساحة والراحة والمزايا.

في غضون ذلك، تسعى شركات الطيران إلى زيادة جاذبية التذاكر المميزة الحالية، من خلال تقديم طعام ومشروبات أفضل، ورزم مستلزمات العناية الشخصية الفاخرة والجوارب والأخفاف.

لكن الحديث عن تحسين مستويات الراحة قد يبدو استفزازياً لركاب الدرجة الاقتصادية الذين يضطرون لدفع رسوم إضافية على خدمات كانت مجانيةً في ما مضى، يُضاف إلى ذلك تقلص مساحة المقاعد، واكتظاظ صناديق الأمتعة العلوية، وندرة أن يكون المقعد المجاور شاغراً. فهل أصبحت تجربة الطيران أفضل حقاً أم أنها تزداد سوءاً؟

تقسيم المقاعد إلى فئات

كانت شركة "ترانس وورد إيرلاينز" (TWA) أوّل من فرز المقاعد في عالم الطيران المعاصر، فكانت سبّاقة للاستفادة من التغيير التنظيمي الذي أتاح لشركات الطيران الأميركية فصل الركاب ضمن مقصورات متعددة، واعتمدت مقاعد من فئة مميزة لأول مرة في 1955.

حينذاك كان هنالك مجلس اتحادي يحدد أسعار التذاكر لمختلف شركات الطيران، وكان الركاب في شتى أقسام الطائرة يجلسون في مقاعد متشابهة، ويحظون بنفس المساحة.

وبما أن أسعار التذاكر كانت متساوية، تنافست شركات الطيران على المميزات التي تقدمها للمسافرين في رحلات العمل، وكانت نسبتهم آنذاك نحو نصف ركاب الطيران التجاري.

حتى أن شركة طيران "بان آم" (Pan Am) اشتهرت بوجود طاولات لتقديم اللحوم وصالات كوكتيل على متن طائرات الرحلات الطويلة. ومع تحرير قطاع السفر في 1979، تم تثبيت تقسيم فئات المقاعد بين درجة أولى ودرجة اقتصادية لدى كافة شركات الطيران.

لكن ما إن سُمح لشركات الطيران بالتنافس على الأسعار، حتى بدأت الميزات والمقاعد الواسعة تختفي. واليوم، تقلصت المسافة بين ظهري مقعدين في رتل واحد بواقع سبعة إلى عشرة سنتيمترات.

مع دخول شركات طيران جديدة إلى السوق، منها شركات محلية لم تعمّر طويلاً، مثل "إير فيرمونت" (Air Vermont) و"غولدن غايت إيرلاين" (Golden Gate Airlines)، انخفضت الأسعار، فيما راحت شركات الطيران تبحث عن طرق كي تملأ الطائرات بمزيد من الركاب من أجل الحفاظ على إيراداتها وتلبية الطلب.

وطالما كانت أسعار التذاكر مقبولة، يمكن جذب الركاب الجدد من دون حاجةٍ إلى كثير من وسائل الراحة، فبكل الأحوال، السفر من كليفلاند إلى ميرتل بيتش في جنوب كارولاينا، خيار أفضل من قيادة سيارة بينهما.

مع ذلك، ظل مسافرو رحلات العمل يشكلون الجزء الأكبر من الركاب، وهم أهم لدى شركات الطيران من فتاة تسافر لقضاء العطلة مع صديقاتها في ميامي على سبيل المثال. للحفاظ على هذه الفئة من الركاب في ظل المنافسة مع شركات أخرى، ابتكرت شركات الطيران برامج الوفاء والمكافآت، وكان أبرزها الأميال المجانية لكثيري الأسفار، وحين كانت المقاعد المميزة تُباع لقاء المال فقط، كان المسافرون في رحلات العمل أكثر من يشتريها.

تحولات ما بعد الجائحة

هذا لا يعني أن المسافرين الآخرين لا يرغبون بهذه المقاعد، إلا أن شركات الطيران هي التي كانت مترددة، ولا تدرك حجم سوق السفر السياحي، ولا كيفية جذب أولئك المسافرين. قال غاري ليف، الخبير في القطاع ومالك موقع "فيو فروم ذا وينغ" (View From the Wing)، إنه حتى قبل فترة قصيرة، لم يكن من يحجزون تذاكرهم للسفر السياحي يتلقون أي عرض لترقية مقاعدهم. وأضاف: "لم يُسوق لهذا جيداً في السابق".

لكن المسافرين الذين كانت تعوّل عليهم شركات الطيران تلاشوا فجأةً مع تحول المؤتمرات والاجتماعات وزيارات العملاء إلى منصات مثل "زوم" في 2020، واضطرت شركات الطيران إلى خفض أسعار التذاكر وابتكار استراتيجيات جديدة لجذب الركاب إلى مقاعد الدرجات المميزة في مقدمة الطائرة.

أظهرت بيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي أن ركاب هذه المقاعد عادةً ما يشكلون 3% فقط من إجمالي المسافرين، لكنهم يسهمون بنسبة 15% من إيرادات الركاب. في ظل تراجع الإيرادات، بدا أن خفض أسعار هذه التذاكر إلى النصف أو أكثر أفضل لاستقطاب المسافرين الذين يجرّبون ترقيات المقاعد لأول مرة، بدلاً من تركهم يعتادون مقاعد الدرجة الاقتصادية.

اليوم، بعدما اختبر كثير من الركاب تجربة السفر الفاخرة -إذ أفادت "دلتا" أن هذه الفئة باتت تضم نساءً وشباباً أكثر مقارنةً مع ما قبل الجائحة- استمر كثير منهم بالإقبال على التذاكر المميزة حتى مع انقضاء زمن الخصومات. في غضون ذلك، جمعت شركات الطيران كماً هائلاً من البيانات حول العروض والمزايا والأسعار التي تدفع الركاب إلى ترقية مقاعدهم.

وجدت شركات عدة أن أنجح طريقة هي الترويج الحثيث لفئات مقاعد "شبه مميزة" تقدم تجربة محسنة بتكاليف معقولة. على سبيل المثال، بدل محاولة بيع تذكرة درجة أولى بسعر 700 دولار، يمكن جذب ركاب الدرجة الاقتصادية الذين يدفعون 250 دولاراً للتذكرة من خلال ترقية المقعد مقابل 100 دولار إضافية فقط، فيمنحهم ذلك مساحة إضافية للأرجل ومشروباً مجانياً وخدمة شحن الأمتعة مجاناً.

المقاعد المميزة مصدر للإيرادات

على مدى العقد الماضي، ركزت شركات الطيران جهودها على جذب ملايين المسافرين الميسورين عبر بطاقات ائتمان مدرّة للربح تصدرها شركات البطاقات بالشراكة مع شركة طيران، وساعد هذا على تغيير في حسابات شراء التذكرة على الصعيد النفسي إلى حدّ ما على الأقل.

فالدفع مقابل ترقية المقعد يضمن تجربة سفر أفضل، بالإضافة إلى منح المسافر أميالاً إضافية يمكنه استخدامها لاحقاً للحصول على تذاكر مجانية أو الترقّية في برامج المكافآت، ما يزيد من فرص استفادته من ترقيات للمقاعد لاحقاً.

مع تزايد الإقبال على المقاعد المميزة، بدأت الأعداد المتاحة للتوزيع المجاني تتناقص. ومع ذلك، لا يبدو أن هذا ينفر المسافرين، أو أنه.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اقتصاد الشرق مع Bloomberg

منذ ساعتين
منذ 10 دقائق
منذ 39 دقيقة
منذ 6 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 3 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 19 ساعة
صحيفة الاقتصادية منذ 13 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 15 ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 3 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 9 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 9 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 16 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 22 ساعة