أُدْعَى أحيانا لحضور ندوات في جامعة صباح السالم بالشدادية، وكل مرة أدخل أحد مبانيها، أنبهر بجمال التصميم العمراني لمباني الجامعة. فهو انجاز هندسي عظيم صرفت عليه بلايين الدولارات. لكن كل مرة أدخل الحرم الجامعي في الشدادية أتـذكر زيارتي لمعهد طوكيو للتكنولوجيا الذي زرته في مهمة رسمية عام 2016. فمباني هذا المعهد الجامعي قديمة وبسيطة وليس فيه مبنى حديث إلا مكتبة الجامعة. لكن ترتيب هذا المعهد الجامعي على جامعات العالم يبلغ 23. أما جامعة الكويت أو جامعة صباح السالم فترتيبها يبلغ أكثر من 1000. وخلال زيارتي لمعهد طوكيو للتكنولوجيا عرفت أنهم مهمومون ومنهمكون بوضع استراتيجية لرفع ترتيب المعهد من 23 إلى 10 على مستوى جامعات العالم. وعندما نتحدث عن مستوى التعليم الجامعي في الكويت مع أساتذة ومن جامعات مختلفة: خاصة وحكومية، فإنهم يشتكون من مستوى الطلاب المستجدين على التعليم الجامعي. فهناك شبه إجماع لدى أساتذة الجامعة بأن مخرجات الثانوية العامة في الكويت تساهم كثيرا في تدهور مستوى التعليم الجامعي. وأخبرني أستاذ في جامعة خاصة أن إدارة الجامعة تتدخل أحيانا لزيادة نسبة الناجحين في بعض المواد للمحافظة على عدد أكبر من الطلاب في الجامعة. لذا فإن إصلاح التعليم في الكويت يجب أن يبدأ بإصلاح التعليم الابتدائي. والوزير سيد جلال الطبطبائي يعرف ذلك، ويبدو أنه متحمس وراغب في الارتقاء بمستوى التعليم. فقد صرح مؤخرا أنه يسعى لوضع استراتيجية شاملة تهدف لتحقيق نقلة نوعية في جودة التعليم، مشيرا إلى الخطط المستقبلية التي تعتزم الوزارة تنفيذها ومنها تحسين البنية التحتية للمدارس وتوفير الأدوات التعليمية الحديثة. مما يعني مزيدا من الصرف على المباني مع إغفال ما هو أهم وأصعب تحقيقا، وهو رفع مستوى المعلم وتطوير المنهج. والاهتمام بالمباني ونسيان تطوير المعلمين، يذكرني بتعليق الخبيرة في البنك الدولي والتي عاشت في الكويت سنتين، فقد علقت مرة بأن مستوى التعليم في الكويت هو بمثل مستواه في دول فقيرة، لكن المباني في الكويت أفضل. فلكي ننهض في مستوى التعليم يجب أن نعرف مستوانا بالنسبة لدول العالم، ثم نضع استراتيجية تعلن أن مستوانا بعد عشر سنين سيرتقي إلى هذا المستوى الأفضل. فنحن نعرف مثلا أن دولة البحرين تتفوق على الكويت بمستوى طلابها في الامتحانات الدولية بحوالي مئة نقطة من إجمالي 600 نقطة. فنتائج الطلبة البحرينيين في امتحانات التيمز في العلوم والرياضيات تبلغ حوالي 460 نقطة، بينما نتائج الطلبة الكويتيين تقل عن 370 نقطة. أما السنغافوريون والكوريون فتبلغ نتائجهم حوالي 570 نقطة. والأرقام والفوارق متشابهة في امتحانات البيرلز في القراءة. وفي هذا المجال، أقتبس من مقال بعنوان «تطوير التعليم يحتاج إلى قرار لا إلى مال» نشرته في 16 10 2019، فقد ذكرت:
«أن مادتي القرآن والتربية الإسلامية تشكلان %29 من المجموع الكلي، بينما لا تشكل مواد مثل العلوم أو الرياضيات أو اللغة العربية إلا %14.5 من المجموع الكلي. هذا في الوقت الذي نعرف أن القبول في الجامعة والإنجاز فيها يتعلق بأداء الطالب في الرياضيات والعلوم واللغات. فهناك تناقض بين أولويات الجامعة في القبول والتفوق وبين أولويات المنهج في وزارة التربية. أولويات الجامعات هي أن يكون للطالب خلفية جيدة في اللغات والرياضيات والعلوم، أما أولويات الوزارة فهي تجنب اعتراضات على تطوير المناهج قد تأتي من نواب لا يفقهون في التربية».
فعندما يعلن السيد وزير التربية أنه بصدد وضع استراتيجية لإحداث نقلة نوعية بمستوى التعليم هو يعلن ضمنيا أن الوزارة ستضع استراتيجية لرفع مستوى المعلمين ولتطوير المناهج. ونتساءل: من سيضع الاستراتيجية؟ وهل الوزارة قادرة على ذلك؟ فتطوير التعليم استراتيجية دولة وليس استراتيجية وزارة. هذا ما أدركته البحرين وأكثر من دولة خليجية. ففي البحرين أنيطت مسؤولية وضع استراتيجية تطوير التعليم إلى مكتب ولي العهد. وهذا ما نادت به أكثر من جمعية مهتمة بالتعليم في الكويت. وأن يكون ذلك بإحياء المجلس الأعلى للتعليم وأن تناط رئاسته إلى رئيس مجلس الوزراء أو جهة أعلى وأن تتحول مرجعية المركز الوطني لتطوير التعليم من وزير التربية الى المجلس الأعلى للتعليم. وأن يتحمل المجلس مسؤولية وضع استراتيجية تطوير التعليم وأن تكون الوزارة الجهة المنفذة لتطبيق الاستراتيجية. وبهذا تتفرغ الوزارة للتنفيذ ويكفل لها المجلس الأعلى للتعليم التخلص من بيروقراطية الدولة التي تعيق تطوير التعليم.
وسأعطي مثالا على ما حصل في البحرين منذ عشر سنين عندما دفع مكتب ولي العهد بإنشاء كلية المعلمين بخبرة سنغافورية. فقد سنحت لي الفرصة مؤخرا أن أتعرف على مديرة كلية المعلمين.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة القبس