أدت تعليقات الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، حول اعتزامه إنشاء احتياطي استراتيجي أميركي للبيتكوين على غرار احتياطيات النفط الاستراتيجية إلى دفع سعر البيتكوين قرب 107 آلاف دولار، عند مستويات قياسية جديدة، فماذا تعني هذه الخطوة؟
كشف ترامب النقاب عن خطته لبناء احتياطي استراتيجي من البيتكوين لأول مرة في خطاب ألقاه في شهر يوليو تموز 2024، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ستكون نقطة البداية، لكن لا يزال من غير الواضح ما هي العملية القانونية التي ستعتمدها إدارته لتنفيذ ذلك.
ماذا يعني الاحتياطي الاستراتيجي للبيتكوين؟
عادة يكون الاحتياطي الاستراتيجي للدول عبارة عن مخزون من الموارد الحيوية بما في ذلك السلع والمعادن والعملات التي يمكن إطلاقها في أوقات الأزمات أو انقطاع الإمدادات.
المثال الأكثر شهرة هو احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي، وهو أكبر إمدادات العالم من النفط الخام في حالات الطوارئ، كما تمتلك كندا الاحتياطي الاستراتيجي الوحيد في العالم من شراب القيقب، في حين تمتلك الصين احتياطيات استراتيجية من المعادن والحبوب وحتى منتجات لحم الخنزير.
ويقول محمد عبد المطلب، المدير الشريك في شركة «إكس باي» Xpay، عن هذا القرار، «هذه خطوة جريئة، لأنه لا يوجد احتياطي استراتيجي رسمي من العملات المشفرة لدى أي دولة غير السلفادور، أما بقية الدول الأخرى فلا يزال عليها تساؤلات حول طبيعة امتلاكها العملات المشفرة، وتصنيفه كاحتياطي».
ورغم أن بعض المؤسسات المالية -بما في ذلك ستاندرد تشارترد- تعتقد أن بناء احتياطي البيتكوين الأميركي حدثٌ منخفض الاحتمال، فإنها ترى أن تنفيذ هذه الخطوة قد يكون له تأثير كبير على سوق الأصول الرقمية، والاقتصاد العالمي بأكمله.
كيف يمكن بناء احتياطي استراتيجي للبيتكوين؟
أوضح عبد المطلب في تعليقه الخاص لـ«CNN الاقتصادية» أن عملية بناء هذا الاحتياطي يمكن أن تأخذ أكثر من شكل، أولاً عن طريق شراء الولايات المتحدة عملة البيتكوين من الأسواق العالمية عن طريق المنصات المختلفة.
ثانياً من خلال استحواذها على العملات المشفرة التي صادرتها الحكومة من الجهات الإجرامية، ويبلغ ذلك نحو 200 ألف رمز؛ تبلغ قيمتها نحو 21 مليار دولار بالسعر الحالي، وفقاً لموقع bitcointreasuries.net.
ولم يوضح ترامب أية تفاصيل حول كيفية بناء هذا المخزون، والأموال المستخدمة لشراء البيتكوين، سواء كان عن طريق إصدار الديون أو بيع الولايات المتحدة لبعض احتياطياتها من الذهب واستخدام العائدات لشراء البيتكوين.
لكن في كل الأحوال قد تحتاج إدارة ترامب إلى خطة لضمان تأمين هذا الاحتياطي، ويقول عبد المطلب، الخبير الاقتصادي، «من المؤكد أن الحكومة الأميركية ستضع هذا الاحتياطي في ما يسمى بالكود ستورج، وهو عبارة عن خزينة إلكترونية غير متصلة بالإنترنت، لتخزين الأرقام التسلسلية للعملات المشفرة، باعتبارها أكثر الوسائل أماناً».
خطة ترامب في مواجهة الكونغرس
ينقسم المحللون والخبراء القانونيون حول ما إذا كان بإمكان ترامب استخدام سلطاته التنفيذية لبناء الاحتياطي، أو ما إذا كان من الضروري إصدار قانون من الكونغرس، فيما يجادل البعض بأن ترامب يمكن أن ينشئ الاحتياطي من خلال أمر تنفيذي يوجه صندوق استقرار الصرف التابع لوزارة الخزانة الأميركية، الذي يمكن استخدامه لشراء أو بيع العملات الأجنبية، وكذلك للاحتفاظ بالبيتكوين.
وفي الوقت الحالي، يأتي الاقتراح الأكثر وضوحاً لمشروع إنشاء الاحتياطي الاستراتيجي من قبل السيناتورة الجمهورية المؤيدة للعملة المشفرة سينثيا لوميس، التي قدمت مشروع قانون من شأنه إنشاء احتياطي تديره وزارة الخزانة.
وينص مشروع القانون على أن تقوم وزارة الخزانة بإنشاء برنامج لشراء 200 ألف عملة بيتكوين سنوياً لمدة خمس سنوات حتى يصل المخزون إلى مليون رمز، ثم الاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن 20 عاماً، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
سيمثل هذا نحو خمسة في المئة من إجمالي المعروض العالمي من البيتكوين البالغ نحو 21 مليوناً، كما ستعمل وزارة الخزانة على تمويل المشتريات من الأرباح على ودائع البنوك الاحتياطية الفيدرالية وممتلكات الذهب.
لماذا تحتاج الولايات المتحدة لاحتياطي البيتكوين؟
حدَّثنا محمد عبد المطلب عن عدد من الأسباب التي تدعم هذه الفكرة، أولها أن إضافة العملات المشفرة للاحتياطي الاستراتيجي ستسمح بتنويع المخاطر بين العملات والسلع والأصول الأخرى، فضلاً عن تنويع مصادر التمويل.
كما أشار إلى أنه على غرار أصول الملاذ الآمن أصبحت البيتكوين تستخدم للتحوط ضد التضخم، ما قد يدعم استقرار الاقتصاد ومرونته، فضلاً عن دعم نمو السوق الأميركية.
علاوة على ذلك، يرى عبد المطلب أن هذه الخطوة ستسمح للولايات المتحدة بأن تصبح عاصمة العملات المشفرة، ما يحفّز تسريع وتيرة تطوير هذه التكنولوجيا في مناطق مختلفة، ومن ثم تحقيق قفزات في سوق التكنولوجيا المالية.
وتقدر دراسة لـMordor Intelligence، سوق التكنولوجيا المالية العالمية بنحو 228.2 مليار دولار لعام 2024، مرجحة وصوله إلى 397.24 مليار دولار بحلول 2029، ما يسلِّط الضوء على حجم السوق وإمكانات توسعه.
الاحتياطي الاستراتيجي.. سلاح ذو حدين
يعتقد ترامب أن احتياطي البيتكوين سيساعد الولايات المتحدة على السيطرة على سوق البيتكوين العالمية في مواجهة المنافسة المتزايدة من الصين.
ويرى مؤيدون آخرون أنه من خلال الاحتفاظ بمخزون من البيتكوين، الذي يقولون إنه من المرجح أن تستمر قيمته في الارتفاع على المدى الطويل، يمكن للولايات المتحدة خفض عجزها دون زيادة الضرائب، ما يعزز قيمة الدولار الأميركي.
وفي نوفمبر تشرين الثاني 2024، قالت لوميس لشبكة فوكس بيزنس إن خطتها ستسمح للولايات المتحدة بخفض ديونها إلى النصف خلال 20 عاماً، مشيرة إلى منافع تتضمن حماية البلاد من التضخم العالمي ودعم قيمة الدولار.
على جانب آخر، حذّر عبد المطلب، في تعليقه لـ«CNN الاقتصادية»، من مخاطر ترتبط بخطوة بناء الاحتياطي، قائلاً، «إن هناك بعض الدول لا تزال تحظر التعامل بالعملات المشفرة أو تفرض عليها قيود، ما قد يضغط على الولايات المتحدة للتوقف عن بناء الاحتياطي الاستراتيجي»، مشيراً إلى مخاوف من أن الولايات المتحدة سيمكنها التحكم في السوق العالمية في حال امتلاكها مخزوناً ضخماً.
كما لفت عبد المطلب إلى أنه رغم أن العملات المشفرة هي من أكثر وسائل الدفع الآمنة فإن محافظ العملات المشفرة تظل عرضة للهجمات السيبرانية، وهو خطر آخر يلوح في الأفق، بجانب تقلبات أسعار العملات المشفرة، وبالتالي فإن أي عمليات شراء أو مبيعات حكومية يمكن أن يكون لها تأثير كبير على سعر البيتكوين، ومن ثم على الاقتصاد وقيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى.
في غضون ذلك، يعتقد المتشككون في العملات المشفرة أنه -على عكس معظم السلع الأخرى- ليس للبيتكوين أي استخدام جوهري، وليست ضرورية لعمل الاقتصاد الأميركي، ويجادلون أيضاً بأن عملة البيتكوين، التي تأسست في عام 2008، لا تزال صغيرة جداً ومتقلبة بحيث لا يمكن افتراض أن قيمتها ستستمر في الارتفاع على المدى الطويل.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية