في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2013، تعرّضت المحامية والناشطة الحقوقية السورية رزان زيتونة للخطف من مقر "مركز توثيق الانتهاكات" ومكتب دعم التنمية المحلية والمشروعات الصغيرة في مدينة دوما في محافظة ريف دمشق في سوريا، مع كل من زوجها وائل حمادة والمحامي ناظم الحمادي والناشطة سميرة الخليل.
اتهمت جهات عدة فصيل "جيش الإسلام" الذي كان يسيطر على المنطقة حينها باختطافهم، بينما نفى "جيش الإسلام" مسؤوليته عن ذلك، ولا يزال مصير المخطوفين الأربعة مجهولاً حتى الآن.
وعُرفت زيتونة بدورها البارز في الثورة السورية منذ اندلاعها، لا سيما في توثيق الجرائم والمطالبة بالعدالة الانتقالية ودعم حقوق الإنسان في سوريا.
ومع سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، عاد الحديث عن العدالة الانتقالية ليتصدّر النقاشات المتطلّعة إلى بناء "سوريا الجديدة".
فما هي العدالة الانتقالية وما هي التجارب التي يمكن اعتبارها مرجعاً في هذا المجال؟
ما هي العدالة الانتقالية؟ بحسب تعريف الأمم المتحدة، تغطّي العدالة الانتقالية "كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لفهم تركة تجاوزات الماضي الواسعة النطاق، بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة".
وتهدف العدالة الانتقالية إلى الاعتراف بضحايا تجاوزات الماضي على أنهم أصحاب حقوق، وتعزيز الثقة بين الأفراد في المجتمع الواحد، وثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون، وبالتالي، تسعى العدالة الانتقالية إلى المساهمة في المصالحة ومنع الانتهاكات الجديدة.
وتشمل عمليات العدالة الانتقالية تقصّي الحقائق ومبادرات الملاحقات القضائية وأنواع مختلفة من التعويضات، ومجموعة واسعة من التدابير لمنع تكرار الانتهاكات من جديد، بما في ذلك الإصلاح الدستوري والقانوني والمؤسسي، وتقوية المجتمع المدني، وجهود إحياء ذكرى الضحايا، والمبادرات الثقافية، وصون المحفوظات، وتعليم التاريخ، بحسب اقتضاء واحتياجات كلّ سياق.
وتقول اللجنة الدولية للعدالة الانتقالية إن العدالة الانتقالية تشير إلى "الطرق التي تعالج بها البلدان الخارجة من فترات الصراع والقمع، انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق أو المنهجية التي تكون عديدة وخطيرة للغاية بحيث لا يتمكن نظام العدالة العادي من تقديم استجابة مناسبة".
وتشمل التدابير المستخدمة الملاحقات الجنائية، ولجان الحقيقة، وبرامج التعويضات وإعادة الحقوق، والكشف عن المقابر الجماعية، والاعتذارات، والعفو، والنصب التذكارية، والأفلام، والأدب، والبحث العلمي، وإعادة كتابة الكتب المدرسية، والتدقيق، وأنواع مختلفة من الإصلاحات المؤسسية لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان.
واليوم لا تقتصر العدالة الانتقالية على المسار القضائي للتعامل مع الماضي فحسب، بل تشمل أيضاً المناقشات والمداولات على مستوى المجتمع بأكمله.
كما تُنتقد العدالة الانتقالية أحياناً بسبب أشكالها الجامدة إلى حدٍّ ما، ومؤسساتها ومحتواها المعياري الذي يستهدف نموذج "الديمقراطية الليبرالية" فقط.
كيف نشأ هذا المفهوم؟ تعود أصول مفهوم العدالة الانتقالية إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا مع إنشاء المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ وبرامج اجتثاث النازية المختلفة في ألمانيا، ومحاكمة الجنود اليابانيين في محكمة طوكيو.
وارتبطت نشأة العدالة الانتقالية بمحاكمات نورمبرغ بشكل خاص، عندما وسعت قوات الحلفاء المنتصرة العدالة الجنائية لتشمل الجنود اليابانيين والألمان وقادتهم بسبب جرائم الحرب التي ارتكبوها خلال الحرب.
وبدأ ترسيخ المفهوم خلال الثمانينيات وما بعدها، بدءاً من محاكمات الأعضاء السابقين في المجالس العسكرية في اليونان (1975)، حتى الأرجنتين (محاكمة المجالس العسكرية عام 1983)، وكان تركيز العدالة الانتقالية في السبعينيات والثمانينيات على العدالة الجنائية مع التركيز على تعزيز حقوق الإنسان.
ما هي أبرز الأمثلة على تطبيق العدالة الانتقالية؟ طبقت العديد من البلدان العدالة الانتقالية عبر التاريخ، لا سيما بعد النزاعات أو سقوط الأنظمة الاستبدادية أو انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع، وفي ما يلي أمثلة بارزة:
جنوب أفريقيا:
بعد سقوط نظام الفصل العنصري في عام 1990، سعت.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي