ربما يعاني بعض المغتربين العرب في الدول الناطقة بلغة غير عربية من بعض التحديات أبرزها ذلك التحدّي الذي يبدو جليّا لدى كثيرين وهو "التخوّف من عدم قدرة أبنائهم على التحدّث باللغة العربية" جرّاء اندماجهم في بيئات غربية تُجبرهم إلى حد ما على الابتعاد عن تعلّم العربية.
ويكاد السؤال الذي يطرحه العديد من المغتربين العرب: كيف يمكنني تعليم أبنائي اللغة العربية في بلاد المهجر؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن نذكر أن هناك يوماً عالمياً للغة العربية يحتفل بها العالم والذي يصادف 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، وفق ما أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 والذي يوصف بالقرار التاريخي بأن تكون اللغة العربية اللغة الرسمية السادسة التي تعمل بها المنظمة إلى جانب اللغات الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية.
ويأتي الهدف من تخصيص يوم عالمي لزيادة الوعي بتاريخ اللغة العربية وثقافاتها وتطورها بإعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة بها، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة.
"اللغة الحقيقية هي التي تتعلمها في البيوت والتي تُكتسب بالسماع" بما عندما تقرر بعض العائلات العربية الهجرة إلى دول غربية وتحاول الاندماج في المجتمعات الجديدة، فإن أول من يتأثر في ذلك القرار هم الأطفال، إذ سرعان ما يتقن كثيرون منهم لغة البلد الذي هاجروا إليه أسرع من ذويهم، إلا أن "تخوفاً" قد يتغلغل إلى قلوب ذويهم نتيجة خشيتهم من "فقدان أبنائهم للغة العربية".
وفي هذا الصدد، يُجيب المتخصص في علوم اللغة، الدكتور رشيد الجراح، خلال حديثه لبي بي سي عن سؤال: كيف يمكن للمغتربين تعليم أبنائهم اللغة العربية والمحافظة عليها، قائلاً: "إن الأصل في تعلم اللغة العربية يتمثل بوجود المجتمع، إذ يكتسبها الفرد اكتساباً بالسماع وضمن مجتمع يتخاطب بهذه اللغة ويمارسها بشكل يومي، فاللغة الحقيقية هي التي تتعلمها في البيوت".
وأضاف الجرّاح: "إن المحظور الأكثر خطورة الموجود في المجتمعات الغربية يتمثل في تعليم اللغة العربية الفصيحة الرسمية ثم الانتقال إلى المحكيّة والتي تعد من أصعب المهام وتُحدث انعكاسات سلبية إذ إن الخلط بين الفصيحة والمحكيّة أو العامية تتسبب في حال تطبيقها في المجتمع العربي لدى عودته بردة فعل مغايرة تدفع المجتمع للشخص الذي يتحدث باللغة الفصيحة التي تعلّمها بنظرة استغراب وتندّر نتيجة حديثه بالفصحى، لذلك على المغتربين تعليم أبنائهم اللغة المحكية لا الفصيحة ولا يكون هذا همّهم الوحيد".
وللمحافظة على اللغة العربية ولحمايتها من الاندثار بين أبناء المغتربين، يوضح الجرّاح بقوله: "على الأب والأم الحديث بالعامية مع أبنائهم داخل المنزل وبشكل مستمر ودائم، ومن الجدير ذكره أن الطفل يتعلم نغمة اللغة أي ذلك الصوت عندما يتحدث إليه والدّيه ويبدأ بتخزينه تدريجياً حتى يصل إلى عمر يتمكن من خلاله تمييز الكلمات عن بعضها البعض".
"كأُم أواجه صعوبة والموضوع ليس سهلاً" في محاولة لمعرفة فيما إذا كان بعض الأهالي المغتربين يرغبون بتعليم أبنائهم اللغة العربية من عدمها، وأسباب ذلك، والتحديات التي يواجهونها، تواصلت بي بي سي مع عدد من العرب المغتربين في عدة دول حول العالم.
تقول أم سارة وهي فلسطينية مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية لبي بي سي: "إنني أواجه كأُم صعوبة في تعليم أبنائي اللغة العربية والمحافظة عليها ليس فقط على سبيل المحادثة، بل أيضاً في تطبيقها لقراءة القرآن والقصص العربية. إن الموضوع ليس سهلاً، إذ مهما حاولتُ تنويع أساليب التعليم يبقى الملل سيد الموقف لديهم، خاصة وأنني أحاول متابعتهم باستمرار بعد انتهائهم من تعلّم اللغة في إحدى المدارس المتخصصة باللغة العربية لمدة يوم واحد أسبوعياً".
وتضيف: "نلجأ إلى طرق متنوعة ما بين الألعاب التفاعلية وبين البطاقات الملونة، إلى جانب حرصنا على متابعة بعض البرامج والأفلام العربية التي تُسهم في الاستمرار بتعليم أبنائنا العربية وتذكيرهم بها".
وتتفق أم حسن وهي أردنية مقيمة في أمريكا كذلك مع ما ذهبت إليه أم سارة، قائلة خلال حديثها لبي بي سي: "بالفعل، قد نواجه صعوبة في تعليم أطفالنا اللغة العربية لأننا نعيش في بلد لا يتحدث سكانه العربية، وغالباً ما يتعرض أطفالنا أكثر للغة البلد الذي نعيش فيه، مما يجعل من الصعب عليهم استخدام العربية بشكل مستمر. وعليه نلجأ إلى عدة طرق لتعليمهم اللغة كالتحدث معهم بالعربية داخل المنزل قدر الإمكان سواء في الحياة اليومية أو أثناء اللعب، ونلجأ أيضاً إلى تطبيقات إلكترونية مخصصة لتعليم اللغة العربية للأطفال، وبالطبع نستمع مع أطفالنا إلى أشعار وأغانٍ تساعدهم على تحسين لغتهم".
هل هناك خصوصية في الاغتراب؟ "لا شك أن هناك خصوصية في الاغتراب لأن دوافع تعلم اللغة العربية مختلفة"، هكذا قال المتخصص في علوم اللغة، الدكتور رشيد الجراح، لبي بي سي موضحاً عوامل تعلم العربية في دول المهجر: "إن دوافع تعلم اللغة العربية يختلف تبعاً لعدة أمور منها: المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، والرغبة لديه في تعلم اللغة، وكذلك البيئة المحيطة بالفرد، وأيضاً تكوين العائلة فيما إذا كان كلا الزوجين عربيين أو أحدهما فيصبح التحدّي أكبر، إلى جانب خصوصية الموقع الجغرافي والذي يُقصد به مكان تركّز التجمعات العربية عامة والإسلامية خاصة، فنجد في بريطانيا مثلاً التجمعات العربية متقاربة بشكل واضح مما يسهم بتعلم العربية بصورة أكبر إذا ما قارنها في أمريكا إذ نجد في بعض المناطق تجمعات كبيرة وبكثافة وتركز واضحين وفي أماكن أخرى تكاد تكون قليلة ومتناثرة ويصبح الوصول إليها صعباً".
ويضيف: "نوع عمل الأب أو الأم يشكل تحدياً بتعليم أبنائهم اللغة العربية والوقت المتاح لقضائه مع الأبناء، والتحدي يتضاعف عندما تعمل الأم كذلك إذ لا تكون متفرغة لتعليم أبنائها العربية رغم رغبتها ورغبة الأب بذلك حيث لا تتاح لهم الفرصة ولا الوسائل لتحقيق هدفهم".
وهو ما أشارت إليه أم شريف المقيمة في بريطانيا منذ نحو 10 أعوام خلال حديثها لبي بي سي: "نواجه صعوبة كبيرة في تعليم أبنائنا اللغة العربية وخاصة إذا كان كلا الوالدين يعملان لساعات طويلة فأغلب وقت الأطفال يكون في المدرسة، وهو ما واجهناه بالفعل إذ ألحقنا طفلنا بعمر الثلاثة أشهر في الحضانة حيث كان الجميع يتحدثون لغة غير العربية".
وقالت أيضاً: "حاولنا أن نتحدث فقط باللغة العربية في البيت، إلا أن ذلك كان يؤثر على التحصيل العلمي للطفل مع تقدّمه في العمر بسبب عدم فهم اللغة لذلك اقتصرنا على الحديث باللغة الإنجليزية. وحتى عند إرسال الطفل إلى المسجد كان يُشكّل تحدياً كبيراً حيث إنه ليس كل المسلمين في المسجد يتحدثون العربية بل هناك مسلمون من الأكراد والباكستان والهند وفي نهاية المطاف طريقة التواصل معهم هي اللغة الإنجليزية. وبناء على ذلك قررنا اللجوء إلى.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي