الطقس الطفيلي #مقالات

كان الرافعي قبل أن يكتب، يقرأ جزءًا من كتاب الأغاني، وجزءًا من كتب الجاحظ؛ ليتطهر بهما من دَرن الأساليب الكتابيّة الحديثة، فيضمن ألَّا تتسرّب هُجنة التراكيب إلى سطور أوراقه. إنه يصنع طقسًا يَذهب به إلى أزمان بعيدة وكتاباتٍ أصيلة، وهذا الفعل -بالعموم- يُطرِب الذاتَ المبدعة في الصنعةِ الكتابية، لكنَّ ذاكرتي تأبى إلا أن تستحضر موقِفًا قديمًا لأستاذٍ لم يستسغ أسلوبَ الرافعي، كان هذا الأستاذ -الذي أعرفه جيدًا- يُثني ركبَتيه أوقاتًا طويلةً أمام كتبِ اللغةِ وفلسفتها، والأدب وجذوره، والبلاغةِ ومجازاتها، والنحو وصروفِه، ثم النقد العربي القديم وتمنطقه، وكان متوقّد الذهن، قارئًا مُجيدًا، وشاعرًا رقيقًا، ومحاربًا شرسًا، هذا الأستاذ لمَّا قرأ أول مقالات كتابِ وحي القلم للرافعي، أغلقَ الكتابَ، وألقاه بعيدًا ثم تمعّر وجهه؛ كأنّه التقم ليمونةً دفعةً واحدة. فإذا كان هذا الأستاذ لم يرَ كتابات الرافعي إلا هرطقات أساليب حديثة، فماذا كان يفعل الطقسُ بالرافعي؟ إذا لم يُبهج أسلوبُ الرافعي أستاذًا عاشَ على كتب الجاحظ والمبرد والقالي وابن قتيبة وغيرهم فماذا فعل الطقس إذن؟ هل الرافعي تَميّز بأسلوبٍ نتجَ عن صراعٍ ذهني جدلي بين القديم والحديث، فصارت كتبه هكذا، لا قديمة ولا حديثة؟

بين هذين الحدثَين -نفي الأستاذ وإثبات الرافعي- تقع مفارقة الطقس في الحالةِ الإبداعية، فهي لم تُنتِج ما أراده الرافعي من أساليب العرب القدماء، وفي الوقت نفسه أنتجت شيئًا أراده الرافعي مختلفًا عن هُجنة التراكيب؛ لهذا نُلاحِظ أنَّ الطقسَ (المحايث) يُنتِج ما لا يعلمه الكاتبُ أو الفنان، وأما الادّعاء بأنَّ الطَّقسَ (مستقل) عن الكاتب؛ لتحضير شيءٍ معلوم فهذا سينقلنا إلى مجالِ الشَعوذة، التي تُلبّي رغبةَ النَّاسِ في البَحثِ عن الشَّخصِ الذي يعلم ابتداءً، فيُخبرها بمستقبلها، أو يُعالج داءها، والشعوذة تلتقي مع مخترعي الطقس المستقل الذي يستحضر شيئًا معلومًا؛ فيَظنُّ الناسُ أنهم نُخبة نادرة، منتقاة من قوى فوق الطبيعة. إذن الطقسُ طقسان، طقسٌ محايث يستحضر ما لا يُعرف وهذا ما جرى للرافعي فعليًا، وطقس مستقل يستحضر المعلوم وهذا ما كان يعتقده الرافعي وأخفق بالوصول إليه.

هذا التَنظير يُمكِن أن أقاربه بلوحةٍ طَرحها ياسر العظمة في مرايا، عنوانها (كيف تكتب)، بطلها روائي اسمه رضوان الدهشة، يدّعي أنه مذ كانَ طفلًا وهو مختلف عن أقرانه، فإذا كانَ الأطفالُ يتعلَّقونَ على الأشجارِ شقاوةً، فهو يصعد إلى أعلاها ليتأمَّل المغزى العميق للحياة، وهذه الطُفولة أنتجت شخصيتَه التي تستلهم بالطَّقسِ مصادرَ الإبداع، فهو مثلًا إذا أراد أن يستحضر عوالمَ الفلَّاحين، فإنه يَربط نفسَه في زريبةِ بقر لمدةِ ساعة كاملة، حتى تعلق بأنفه الروائح، ثم يَخرج ويَضع طاولةً مجاورة لخمِّ الدجاج ويبدأ بالكتابة. وبما أنَّ رضوان لا يستطيع أن يكتب ما لم يسلك هذا الطريقة كما يقول، فإنَّ الموهبة تختلف عن الشعوذة، والموهوب لا يحتاج لطقسِ مشعوذ، بل.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الوطن السعودية

منذ ساعتين
منذ 7 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 8 ساعات
صحيفة الوطن السعودية منذ 19 ساعة
صحيفة سبق منذ 7 ساعات
قناة الإخبارية السعودية منذ 23 ساعة
صحيفة الوطن السعودية منذ 7 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 8 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ ساعتين
صحيفة سبق منذ 5 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 11 ساعة