يترقب المصريون موجة جديدة من زيادات أسعار الوقود اعتباراً من العام المقبل، وذلك في إطار تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي والتي تستهدف رفع الدعم تدريجياً عن المحروقات حتى نهاية ديسمبر 2025.
وتوقع خبراء طاقة واقتصاد خلال حديثهم مع «إرم بزنس» أن يشهد العام 2025 زيادات جديدة في أسعار الوقود، وذلك بدءاً من الاجتماع القادم للجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المقرر في مارس المقبل.
وفي 25 يوليو الماضي، صرح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأن أسعار المنتجات البترولية سترتفع تدريجياً حتى نهاية عام 2025، ثم أعلن في 19 أكتوبر، أنه لن يتم زيادة أسعار الوقود لمدة 6 أشهر، من أجل تخفيف العبء على المواطنين.
ويؤكد مدبولي، خلال تصريحات نقلها إعلام محلي، أن زيادة أسعار المحروقات نتيجة ما تتحمله الدولة من أعباء، معلناً أنه سيتم الانتهاء من دعم الوقود بنهاية 2025، وذلك بهدف تخفيف العبء عن الموازنة العامة وتحقيق التوازن المالي.
أسباب الزيادة
ووفق أستاذ هندسة الطاقة بجامعة القاهرة سامح نعمان، فإن هذه الزيادات هي جزء من خطة الإصلاح الاقتصادي التي وافق عليها صندوق النقد الدولي في 2016، من أجل قرض بـ8 مليارات دولار، وبموجبها تلتزم الحكومة برفع الدعم تدريجياً عن الوقود وبعض الخدمات الأخرى، لتقليص العجز في الموازنة العامة للدولة وتحقيق الاستدامة المالية.
ويرى نعمان، خلال حديثه لـ«إرم بزنس»، أن الحكومة تستهدف من وراء هذه الزيادة تقليص العجز في الموازنة العامة للحد من الاعتماد على القروض الخارجية وتعزيز قدرة الدولة على تمويل مشاريعها الإنمائية.
ويشير إلى أن ذلك يساعد في مواجهة ارتفاع تكاليف استيراد المواد البترولية، والحد من تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية، مما يستدعي زيادة الأسعار محلياً لتغطية هذا الفارق والحد من عجز الموازنة.
وتدعم الحكومة المصرية منذ فترة طويلة أسعار الوقود، بهدف بيعه في الأسواق بسعر أدنى مما يباع في الأسواق العالمية، وذلك مع تكبد وزارة المالية فارق السعر، ومنذ بدء الإصلاح في نوفمبر 2016 تعمل الحكومة على إعادة هيكلة منظومة الدعم.
وبحسب بيانات وزارة المالية المصري، فإن تكلفة دعم الوقود خلال الربع الأول من السنة المالية الجارية 2024-2025 التي بدأت في يوليو الماضي وتنتهي في 30 يونيو 2025، بلغت 39.3 مليار جنيه (770 مليون دولار).
ورصدت الوزارة في موازنة العام المالي الجاري، دعماً للمواد البترولية بنحو 154 مليار جنيه (3.02 مليار دولار)، بالمقارنة بـ165 مليار جنيه (3.24 مليار دولار) في السنة المالية 2023-2024.
ارتفاعات جديدة
وفي تصريحات، لـ«إرم بزنس»، يتوقع رئيس شعبة المواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية حسن نصر، أن تستمر لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في إقرار زيادات جديدة في أسعار الوقود خلال اجتماعاتها القادمة في 2025.
ومن المقرر أن تجتمع اللجنة في مارس ويوليو وأكتوبر لتحديد الأسعار الجديدة بعدما تم تعليق اجتماع شهر يناير، وفقاً لما أعلنته في آخر بيان لها في أكتوبر الماضي.
وتجتمع اللجنة كل 3 أشهر، لتعديل أسعار بيع بعض المنتجات البترولية في السوق المحلية ارتفاعاً وانخفاضاً وفقاً للتطور الذي يحدث لأهم مؤثرين ومحددين لتكلفة إتاحة وبيع المنتجات البترولية في السوق المحلية وهما السعر العالمي لبرميل خام برنت، وتغير سعر الدولار أمام الجنيه.
وشهد سعر الدولار في مصر ارتفاعاً غير مسبوق في السوق الرسمية إذ سجل خلال الأيام الماضية 51 جنيهاً، قبل أن يتراجع بشكل طفيف ويستقر عند مستوى 59.92 جنيه في تداولات اليوم الجمعة.
ورجّح نصر، خلال حديثه مع «إرم بزنس»، أن يتم زيادة أسعار الوقود بنسب متفاوتة لا تتجاوز 10%، وذلك استكمالاً لخطة الدولة في رفع الدعم عن الوقود تدريجياً بنهاية العام المقبل، على غرار الزيادات التي أقرتها اللجنة خلال اجتماعاتها الثلاثة السابقة في العام 2024.
3 زيادات في 2024
ورفعت اللجنة خلال هذا العام، أسعار الوقود 3 مرات بنسب تتراوح بين 10 إلى 17% في كل مرة، وجاءت الزيادة الأولى في 22 مارس، والثانية في 25 يوليو، في حين كانت الزيادة الثالثة والأخيرة في 18 أكتوبر الماضي.
ووفق الزيادة الأخيرة التي أقرت في 18 أكتوبر الماضي، ارتفع سعر لتر بنزين 80 (الأقل جودة) بنسبة 12.2% ليصل إلى 13.75 جنيهاً (0.221 دولار)، بينما زاد سعر لتر بنزين 92 بنسبة 10.9% ليبلغ 15.25 جنيهاً (0.25 دولار)، وسجل سعر لتر بنزين 95 (الأعلى جودة) 17 جنيهاً (0.28 دولار) بعد الزيادة.
كما شملت الزيادات سعر لتر السولار الذي ارتفع بنسبة 17.4% ليصل إلى 13.50 جنيهاً (0.22 دولار)، بالإضافة إلى زيادة مماثلة في سعر لتر الكيروسين. أما المازوت الموجه للمصانع، فقد ارتفع بنسبة 11.8% ليبلغ 9500 جنيه (158.5 دولار) للطن، مع الإبقاء على سعر المازوت المورد لمحطات الكهرباء والصناعات الغذائية دون تغيير.
الرابعة عربياً في أسعار الوقود
على الرغم من الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين، لا تزال مصر تحتل المرتبة الرابعة بين أرخص الدول العربية في أسعار البنزين، وفقاً لبيانات موقع "جلوبال بترول برايسز (GlobalPetrolPrices)، تسبقها كل من ليبيا والجزائر والكويت.
ومنذ بدء تنفيذ مصر الإصلاح الاقتصادي، في عام 2016، رفعت الحكومة المصرية الدعم تدريجياً عن المحروقات، وهو ما نتج عنه زيادات متتالية في أسعار البنزين والديزل.
وخلال الفترة من عام 2020 وحتى يوليو 2024، رفعت الحكومة أسعار البنزين بنسبة تتراوح بين 76% و96%. فيما ارتفعت أسعار الديزل بنسبة 70%.
انعكاسات سلبية
وينوه رئيس مركز مصر للدراسات الاقتصادية مصطفى أبوزيد أن تكون لهذه الزيادات تداعيات مباشرة على الاقتصاد المصري، خاصة فيما يتعلق بمعدلات التضخم، مما سيؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين، وبالأخص الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود والمتوسط.
ويرى أبوزيد، في حديثه مع «إرم بزنس»، أن أي زيادة في أسعار الوقود ترفع معدلات التضخم بنحو 2 إلى 3%، كما أنها تزيد من تكاليف الإنتاج والنقل، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ويخفض من القدرة الشرائية للمواطنين الذين سيضطرون لمواجهة تحديات كبيرة في مواجهة تكلفة المعيشة المرتفعة.
وسجل معدل التضخم في مصر خلال شهر نوفمبر الماضي 25.5%، مقابل 26.5% في الشهر السابق، بحسب ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في العاشر من الشهر الجاري.
وباعتقاد رئيس مركز مصر للدراسات الاقتصادية، فإن الطبقات المتوسطة والمنخفضة من المواطنين ستكون الأكثر تأثراً من أي زيادة جديدة في أسعار الوقود، إذ ستقل قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، ما سيؤدي إلى مزيد من الضغط على حياتهم اليومية.
واعتبر أبوزيد أن رفع أسعار الوقود يعد خطوة مهمة نحو تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي، ولكنه يشير إلى ضرورة توفير بدائل طاقة متجددة ومستدامة للمواطنين، حتى لا يصبح لزيادة الأسعار تأثيرات سلبية على قطاع الطاقة.
وفي أبريل الماضي، قدّر صندوق النقد الدولي الخفض المطلوب بخصوص دعم الوقود في مصر من 331 مليار جنيه مصري (6.8 مليار دولار) خلال العام المالي 2023-2024 إلى نحو 245 مليار جنيه (5.1 مليار دولار) خلال العام المالي 2024-2025.
مواجهة التضخم
لمواجهة هذه الضغوط، يقترح خالد الشافعي رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، ضرورة تعزيز برامج الدعم الاجتماعي لمواجهة آثار التضخم المرتقب واتخاذ الحكومة إجراءات موازية لدعم الفئات المتضررة من الزيادة في الأسعار، مثل زيادة المعاشات أو تقديم دعم نقدي مباشر.
وبحسب حديث الشافعي مع «إرم بزنس»، يمكن للحكومة أن تتبع عدة آليات للتقليل من تأثير الزيادات على التضخم، مثل زيادة الأجور والمعاشات، وتوجيه الدعم لبعض السلع الأساسية، مثل المواد الغذائية والدواء، وتحفيز الإنتاج المحلي لتقليل تكاليف الإنتاج ورفع القدرة التنافسية للسلع المصرية في الأسواق المحلية.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس