أثار سقوط نظام بشار الأسد مخاوف من إمكانية تقسيم سوريا بين جيرانها مع استيلاء القوات الإسرائيلية على أراض في جنوب غربي البلاد بينما تتقدم الفصائل المدعومة من تركيا إلى مناطق يسيطر عليها الأكراد في الشمال الشرقي، لكن بينما تبرر كل من إسرائيل وتركيا أفعالهما على أساس حماية الأمن القومي، يظهر المجتمع الدولي القليل من الرغبة في التدخل، وفي ظل الأجندات المتناقضة بين تركيا وإسرائيل يبرز التساؤل حول التوجه الأميركي حيال هذا التنافس، وإلى أي جانب سترجح أميركا كفته؟ هل ستساند إسرائيل حليفتها الاستراتيجية ذات النفوذ الهائل في واشنطن ضد تركيا حليفها القوي في حلف الـ"ناتو"؟ أم إن المشهد الجيوسياسي المتطور يمكن أن يعزز العلاقات الوثيقة بين البلدين مدفوعة بالمصالح المشتركة في استقرار المنطقة؟
آليات عسكرية إسرائيلية قرب الشباك الفاصل بين الجولان والمنطقة المنزوعة السلاح مع سوريا (أ ف ب)
واقع جديد ومعقد
خلق سقوط نظام الأسد واقعاً جديداً ومعقداً في الحسابات الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، مما تطلب تحولاً في التأثير المحتمل على دول الجوار وخصوصاً تركيا وإسرائيل، اللتين كانتا أكبر الفائزتين من سقوط نظام الأسد، إذ إن تفكك "محور المقاومة" الذي قادته إيران مع انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا وقطع خطوط الإمداد العسكري من طهران إلى "حزب الله" عبر الأراضي السورية، مثل نعمة أمنية فورية ومهمة لإسرائيل.
كما أن سيطرة "هيئة تحرير الشام" التي دعمتها أنقرة، منذ سنوات، على قيادة سوريا حتى الآن، ترافقت مع بروز تركيا باعتبارها القوة المهيمنة في دمشق، مما يجعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أرسل جنوده، قبل أعوام، إلى ليبيا والصومال وقطر، أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق طموحه ببسط نفوذ بلاده عبر أراضي الإمبراطورية العثمانية السابقة حتى حدود إسرائيل، وهو نهج ينطوي في جزء منه على التنافس مع إيران في الدفاع عن القضية الفلسطينية كذريعة مقبولة جماهيرياً لتحقيق مكاسب استراتيجية.
غير أن هذين الحليفين المهمين للولايات المتحدة، اللذين توترت علاقاتهما نسبياً منذ بدأت الحرب في غزة العام الماضي، أصبحا على مسار تصادمي داخل سوريا وخارجها، ومن المرجح أن تشكل إدارة هذا التنافس أولوية لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما يزيد من الضغوط على شبكة تحالفات أميركا في أوروبا والشرق الأوسط.
رجب طيب أردوغان أقرب من أي وقت مضى لتحقيق طموحه ببسط نفوذ بلاده عبر أراضي الإمبراطورية العثمانية السابقة حتى حدود إسرائيل (أ ف ب)
تركيا الفائز الأكبر
تركيا وإسرائيل هما المستفيدتان الاستراتيجيتان الرئيستان من انهيار النظام السوري الذي توج الانحدار السريع للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ومع ذلك تبدو تركيا أنها الفائز الأكبر من حيث إنها أصبحت الآن، وبحكم الأمر الواقع، صاحبة النفوذ السياسي الصارخ في سوريا، وفي طريقها لأن تكون أيضاً الأكثر نفوذاً اقتصادياً وعسكرياً، بل يعد كثر أن الرئيس التركي لا يضيع الوقت من أجل تحويل سوريا إلى دولة حماية تركية، وهو في سلوكه هذا يذكر بالطريقة التي فرضت فيها إيران حمايتها على العراق بعد فترة قصيرة على إسقاط صدام حسين على رغم أنف الإدارة الأميركية.
وتعتمد استراتيجية أردوغان على نقطتي ارتكاز، الأولى هي إقامة غلاف حماية خارجي يؤيد ويساعد النظام السوري على الصعيد السياسي والاقتصادي والدولي، والثانية تعزيز إبقاء مراكز القوة المحلية في سوريا معتمدة على أنقرة، وكما تقول غونول تول مديرة برنامج تركيا في معهد "الشرق الأوسط" في واشنطن، فإن ما يريده المسؤولون الأتراك هو أن تكون سوريا الجديدة ناجحة حتى تتمكن تركيا من امتلاكها في وقت يشعرون فيه أن الإسرائيليين قد يدمرون كل شيء.
فوائد اقتصادية
ويتضح النفوذ التركي من المقابلة التي أجراها أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام مع صحيفة "يني شفق" التركية المؤيدة للحكومة، التي رسم من خلالها شبكة العلاقات التي يتوقع نسجها بين سوريا وتركيا، إذ عد أن تركيا التي قدمت المأوى لملايين اللاجئين السوريين أثناء الحرب الأهلية، ستكون لها الأولوية في إعادة إعمار سوريا، مشيراً إلى أن هذا النصر ليس فقط من أجل الشعب السوري، بل أيضاً من أجل الشعب التركي.
ولعل المزايا الاقتصادية التي يتوقع أن تجنيها تركيا تفوق ما عداها، فإضافة إلى عودة أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري إلى بلدهم، ونصيب الأسد الذي تتوقعه أنقرة من مشاريع إعادة الإعمار في بلد خربته الحرب على مدى 13 عاماً، يتجدد الحديث عن مشاريع استراتيجية أخرى طرحت منذ عام 2009 لمد أنبوب للغاز من قطر إلى تركيا عبر الأراضي السورية ومنها إلى أوروبا، مما يعني أن أردوغان لا ينوي التنازل عن هذه الفرصة الاقتصادية التي يمكن أن تجسد حلم تركيا في التحول إلى مركز لتسويق الغاز إلى أوروبا.
أنقرة تنتظر المقابل
ولا تنوي تركيا على ما يبدو الاكتفاء بالاحتضان السياسي الذي تقدمه للشرع، إذ أوضح وزير الدفاع التركي يشار غولر أن بلاده مستعدة لتقديم مساعدات عسكرية لسوريا إذا طلب منها ذلك، إذ من المتوقع أن تكون أنقرة هي المزود الرئيس للمعدات القتالية المختلفة لسوريا من الإنتاج التركي، كما يمكن لها إرسال مدربين، وبناء نظرية قتالية تناسب الجيش الجديد، وأن تعطي الاعتماد المالي لتمويل هذه النشاطات، ربما في مقابل إقامة حلف عسكري واستراتيجي مع النظام الجديد في سوريا، يضمن مكانتها وتأثيرها في كل العمليات العسكرية والسياسية لسوريا.
وإذا كانت إسرائيل قد أدركت مدى النفوذ التركي مع بدء موسكو مفاوضات مع الأتراك (وليس السوريين في دمشق) حول مستقبل القاعدة الروسية الجوية "حميميم" وقاعدتها البحرية في طرطوس، فإنها تتوقع على ما يبدو أنه لن يمر وقت طويل حتى تبدأ تركيا في اتخاذ خطوات دولية لإبعاد الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلها في هضبة الجولان.
أهداف إسرائيل في سوريا
ومنذ أن سيطرت هيئة تحرير الشام على دمشق، يشعر المسؤولون الإسرائيليون بالقلق من أن يصبح المحور الإسلامي السني الجديد بقيادة تركيا خطراً بالغاً بمرور الوقت، وخصوصاً في ضوء الدعم العلني الذي يقدمه أردوغان لحركة "حماس" الفلسطينية.
وعلى رغم أن الزعيم الفعلي لسوريا الجديدة، أحمد الشرع، يقول إنه غير مهتم بالصراع ويريد التركيز على إعادة بناء البلاد، فإنه وعدداً من الشخصيات البارزة الأخرى في دمشق كانوا يشغلون في الماضي أدواراً رئيسة في جماعة "النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" الذي تصنفه الولايات المتحدة جماعة إرهابية، مما اتخذت منه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذريعة للاستيلاء على الأراضي في جنوب.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية