أكراد سوريا... معركة التاريخ والمخاض الجديد

مساء الإثنين الماضي أعلن عضو القيادة المركزية لحزب العمال الكردستاني مراد قره يلان بصورة رسمية عدم وجود أي من قواته أو أعضائه في مناطق روجآفا (شمال شرقي سوريا) أو ارتباط أي تنظيم سياسي في هذه المنطقة بحزبه.

جاء ذلك عقب تحضير تركيا والجيش الوطني السوري المعارض الموالي لها لهجوم واسع على مناطق شرق الفرات انطلاقاً من منبج التي دخلها مسلحو المعارضة بعد أيام من المعارك مع قوات سوريا الديمقراطية، وتوجهت صوت سد تشرين وجسر قره قوزاق الاستراتيجيين على نهر الفرات شرق مدينة منبج.

كوباني الرمز مهددة

لكن تركيا تستمر في تهديدها بالقضاء على قوات سوريا الديمقراطية وإبعادها من جنوبها القلق بالوجود الكردي منذ تأسيسها على يد أتاتورك في عشرينيات القرن الماضي، فبعدما نجحت تركيا والفصائل التابعة للجيش الوطني السوري في إخراج المسلحين الأكراد من تل رفعت المتاخمة لعفرين التي سيطرت عليها في 2018، تشد أنظارها الآن إلى مناطق شرق الفرات، إذ سبق لها أن سيطرت على المنطقة الواقعة بين سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وبذلك حاصرت كوباني وريفيها الغربي والشرقي بمناطق نفوذها من جرابلس غرباً وتل أبيض شرقاً، وهي (تركيا) تهدد الآن بشن عملية عسكرية عليها وإخراج مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية منها، لكن كوباني تحمل طابعاً رمزياً لدى الأكراد في سوريا وحلفائهم من الدول الذين قارعوا معاً تنظيم "داعش"، وكانت أولى الساحات التي تحالفت فيها وحدات "حماية الشعب" التي تعد عماد قوات سوريا الديمقراطية، في معركة كوباني مع التحالف الدولي ضد "داعش" خريف 2014.

خلال الأيام القليلة الماضية وعلى أثر فشل جهود الوساطة التي قادتها قوات التحالف الدولي، وفي مقدمها الأميركية لوضع هدنة دائمة ووقف إطلاق النار بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا التي ترعى الجيش الوطني السوري، زادت التحشيدات العسكرية التركية في الجهة المقابلة لكوباني داخل الأراضي السورية، وهو ما يشي بعمل عسكري وشيك قد تشنه تركيا على هذه المنطقة المتاخمة للضفة اليسرى لنهر الفرات في نقطة دخولها من الجانب التركي إلى سوريا، وبحسب المعلومات الميدانية فإن تركيا جلبت إلى منطقتها الحدودية مع كوباني قرب سروج الدبابات والمدرعات، وكذلك داخل الأراضي السورية قرب جسر قره قوزاق.

قرب هذا الجسر وعلى ضفته اليسرى كان يقع ضريح "سليمان شاه" أحد مؤسسي السلطة العثمانية الأوائل، إذ توفي غرقاً في النهر ودفن هناك وفق مصادر تاريخية، وعلى أثر وجود الضريح في هذا المكان الذي يبلغ بضعة مئات من الأمتار المربعة اعتبر أرضاً تركية وفق اتفاقية عام 1920، أي مع تشكل سوريا بخريطتها السياسية الحالية، وفي فبراير (شباط) 2015 نقل الضريح من قبل قوة عسكرية تركية مدججة من قرب الجسر إلى قرية آشمة القريبة من مدينة كوباني، إذ سيطر عليها الجيش التركي بغرض وضع الرفاة هناك، بينما كان سبب نقله، بحسب مسؤولين أتراك وقتها، هو "توتر الوضع الأمني بمحيط الضريح"، إذ كان خاضعاً لسيطرة "داعش" وقتها.

معادلة صفرية

قبل أيام قليلة فشلت محاولة وقف إطلاق النار بين "قسد" والفصائل الموالية لتركيا والجيش التركي الذي كان ينص أحد بنوده على إعادة رفات "سليمان شاه" إلى مكانه السابق قرب جسر قره قوزاق وفق ما أعلن مظلوم عبدي قائد قوات "قسد"، إذ تريد تركيا مساحة كيلومتر مربع مع وجود أسلحة ثقيلة في المكان، وهو ما عدته "قسد" بمثابة حصار فعلي لمنطقة كوباني.

نقطة الخلاف الرئيسة بين تركيا وأكراد سوريا لا تتوقف عند إعادة الرفات إلى مكانه السابق، بل تهدف إلى احتلال كامل الشريط الحدودي بعمق نحو 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وصرح بذلك علناً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحمل خريطة تحدد المناطق التي سيسيطر عليها في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2019 تحت مسمى "المنطقة الآمنة"، ويبلغ طولها 480 كيلومتراً بدءاً من عفرين في أقصى شمال غربي سوريا، وصولاً إلى ديريك في أقصى شمال شرقي البلاد مع الحدود العراقية.

نفذت تركيا عمليتها العسكرية "غصن الزيتون" وسيطرت بها على عفرين فأصبحت المنطقة من جرابلس على الضفة اليمنى للفرات في شمال البلاد وكامل الشمال السوري باتجاه الغرب تحت سيطرة فصائل سورية موالية لتركيا، لتعود مرة أخرى وتجري عملية عسكرية باسم "نبع السلام" في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وهذه المرة تحتل تركيا مسافة نحو 130 كيلومتراً من طول حدودها بالريف الشرقي لمدينة سري كانيه حتى الريف الغربي لتل أبيض، وبذاك أصبحت كوباني محاصرة من جهة جرابلس وتل أبيض.

اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المرحلة الحالية وبعد سقوط النظام تطمح التوجهات التركية إلى نزع السلاح كلياً من يد الأكراد، إذ صرح وزير خارجيتها هاكان فيديان الأسبوع الماضي بأن "على مقاتلي حزب العمال الكردستاني مغادرة سوريا، والعناصر السوريين في قوات سوريا الديمقراطية عليهم إلقاء السلاح والعيش كمواطنين عاديين"، وأمام هذه المعادلة الصفرية يحاول قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي التواصل مع الحلفاء، خصوصاً الأميركان، للخروج من الاستعصاء باقتراح مدينة كوباني منطقة منزوعة السلاح وضمان إقامة الضريح في مكانه السابق.

وسبق أن سلطت تركيا مواليها من السوريين على المسلحين الأكراد وحاولت منذ عام 2012 السيطرة على المناطق الكردية من خلالهم، لكن وقتها تمكنت وحدات حماية الشعب من إخراج فصائل الجيش السوري الحر ومعها "جبهة النصرة" التي أصبحت فيما بعد "هيئة تحرير الشام" وآخرون شكلوا تنظيم "داعش" من مدينة سري كانيه (رأس العين)، إذ كانت هذه الفصائل تتخذ من الأراضي التركية إلى جانب المجلس الوطني السوري كمظلة سياسية مقراً ونقطة انطلاق، ثم استمرت المواجهات بعدها إلى أن تحولت السيطرة غير الكردية من الجيش الحر إلى تنظيم "داعش" وأعلنت الخلافة وهوجمت كوباني بعد الرقة ودير الزور وغيرهما من المناطق.

أول تشكيل عسكري كردي

لم يكن للكرد السوريين أي تنظيم عسكري قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في وجه النظام السابق عام 2011، فمنذ تأسيس أول جمعية سياسية كردية في 1927 التي عرفت باسم خويبون (الاستقلال)، وكانت تضم نخبة من الشخصيات الكردية، وبعدها عام 1957 أي مع تشكل أول تنظيم سياسي (الحزب الديمقراطي الكردي) كان الكرد في سوريا يطالبون بحقوقهم وفق أشكال وأطر سلمية سياسية حزبية تركزت على إظهار الهوية في اللغة والثقافة، والمطالبة الدائمة بالمشاركة في الحياة العامة، إلى جانب إظهار ما يترتب على نزع الجنسية السورية من نحو 120 ألف شخص عام 1962 بدعوى أنهم مهاجرون من دولة أجنبية في حين أن الكرد كانوا يصرون على وطنيتهم السورية وانتمائهم التاريخي للجغرافية السياسية التي تشكلت بها سوريا بعد الحرب العالمية الأولى مع إظهار خصوصيتهم القومية.

في مارس (آذار) 2004 حضر فريق لكرة القدم من مدينة دير الزور معروف باسم "الفتوة" لملاقاة فريق غالبيته كردية في مدينة القامشلي وهو فريق "الجهاد"، وفي تلك المباراة حمل مشجعو الفريق الضيف صور الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وكان قد مر على سقوطه أقل من سنة، وألقوا بهتافات مناوئة للأكراد، خصوصاً في كردستان العراق، وتشاحنوا مع مشجعي الفريق المستضيف، مما أدى إلى حال شغب في الملعب فضتها قوات الأمن بالقوة، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الكرد في عقر دارهم. وفي اليوم التالي اندلعت تظاهرات عارمة في جميع المدن الكردية ومناطق سكنها تزامناً مع تشييع الشبان الكرد، واتهم الحركة السياسية النظام السوري وقتها بتدبير الأحداث بغية إخافتهم وعدم التطلع لحقوقهم القومية أسوة بما يحدث في إقليم كردستان العراق المجاور.

قمعت التظاهرات بصورة عنيفة وقتل نحو 30 شاباً.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 7 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ ساعتين
منذ 9 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 9 ساعات
قناة العربية منذ 19 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 19 ساعة
صحيفة الشرق الأوسط منذ 19 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ ساعة
صحيفة الشرق الأوسط منذ 15 ساعة
قناة العربية منذ 12 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 19 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 10 ساعات