من المعروف أن فيكتور هوغو تحول عبر العقود، من داعم للملكية إلى رمز للجمهورية، وتأييده لنظام حكمها، هو الذي اشتهر بنشاطه السياسي والاجتماعي، وبنشره أعمالاً أدبية مست أهم القضايا الاجتماعية والسياسية في عصره، كإلغاء عقوبة الإعدام والعبودية ومعارضة الاستبداد، على رغم التزامه بالملكية في شبابه. هذا التغير السياسي الذي جعل من فيكتور هوغو (1802-1885) بطلاً قومياً مؤيداً لليبرالية في ظل ملكية يوليو (تموز)، وللجمهورية التي اختارته واحداً من نوابها وعضواً في مجلس شيوخها، سابحاً عكس التيار الذي يقضي بأن يكون الإنسان ثورياً في شبابه ومحافظاً في شيخوخته، شكل استثناءً لكل المسارات التقليدية في أوساط المثقفين الفرنسيين، ولعل هوغو قد أصبح أقرب إلى الاشتراكية في أواخر حياته.
في هذا الكتاب يستعرض فيليب راينو إذاً المسار السياسي لأديب يتوافق عليه اليمين واليسار الفرنسيين، محاولاً الإجابة عن سؤال الأسباب والدوافع التي حملت مفكراً وشاعراً وروائياً عظيماً على الانتقال من تيار سياسي إلى تيار آخر. فهل انقاد هوغو مع التيار الجمهوري بدافع الانتهازية؟ أم أنه تحرر من ثقل ماضيه الملكي مختاراً بحرية وعقلانية قيم الليبرالية والديمقراطية الجمهورية؟
يجيبنا راينو أن فيكتور هوغو صور بنفسه تطوره السياسي، حين كتب قائلاً "من بين جميع السلالم التي ترتقي من الظل إلى النور، فإن الأكثر استحقاقاً والأصعب تسلقاً هي هذه: أن تولد أرستقراطياً وملكياً لتصبح ديمقراطياً. الصعود من كوخ إلى قصر أمر نادر وجميل، ولكن الصعود من الخطأ إلى الحقيقة أكثر ندرة وجمالاً".
الكتاب الفرنسي عن فيكتور هوغو (دار غالميار)
يعكس هذا القول بحسب الباحث ميل الأديب الواضح لقيم اليسار. ولعله يقدم لنا مفتاحاً لفهم إيمانه الثابت بالتقدم، أكان هذا التقدم في مجال السياسة أو في مجال الآداب والفنون. فالتقدم، بعرف هوغو هو انتقال من العفوية البدائية إلى الإبداع البشري الحر في ربط بين الطليعة السياسية والطليعة الأدبية.
السياق التاريخي
حتى نفهم هذا التحول السياسي في مسرى الأديب، يجدر بنا العودة قليلاً إلى حياته، منذ ولادته في كنف عائلة ميسورة ووضع الأحداث في سياقها التاريخي. فقبل سنوات قليلة من ولادة هوغو أطاحت الثورة الفرنسية بأسرة بوربون، وأعلن عن قيام الجمهورية الأولى التي سقطت بعد تنصيب نابليون بونابرت نفسه إمبراطوراً على فرنسا. كان فيكتور هوغو في الـ17 من عمره عندما استعاد نظام الملكية سلطته على البلاد، علماً أن والده كان ضابطاً رفيعاً في جيش نابليون الذي عينه أولاً حاكم مقاطعة قرب نابولي، ثم حاكم ثلاث مقاطعات إسبانية، بينما كانت والدته ملكية كاثوليكية تكره بونابرت. وبسبب عمل والده واضطراره إلى السفر، تنقلت العائلة كثيراً من مكان إلى آخر، لكن هذه الرحلات علمت هوغو كثيراً. فبعد استقراره مع والدته في باريس، تأثر الشاب بتدينها وولائها للملكية، وهذا بين في أعماله الشعرية المبكرة.
وإلى فيكتور هوغو في شبابه ملك فرنسا نابليون الثالث، وكان يتلقى منه راتباً شهرياً متمتعاً بحظوة في البلاط، وبين الأعوام 1819 و1822، كان كاثوليكياً رومانسياً مدافعاً عن الكنيسة والملكية، كاتباً في "الأناشيد والقصائد" إن "تاريخ البشر لا يحوي شعر إلا إذا نظر إليه من أعلى الأفكار الملكية والمعتقدات الدينية"، ناشراً عديداً من النصوص التي تعكس أفكاره السياسية المحافظة والموالية للنظام الملكي. غير أن هوغو فضل فيما بعد الانضمام إلى صفوف الجمهوريين المعادين للملك وطبقة النبلاء، صائراً من أنصار النظام الجمهوري الذي يدعو إلى المساواة بين المواطنين.
هوغو الثوري بريشة يانيك سينوالت (صفحة الرسام - فيسبوك)
يفكك كتاب فيليب راينو الأسطورة التي صنعها هوغو عن أصوله العائلية، فيقول لنا إن هوغو لم ينل سر المعمودية، وإن نشأته كانت في بيئة بورجوازية تتغذى بروح فولتيرية. فقد رفض هوغو الإيمان بوجود الجحيم والخطيئة الأصلية، معتقداً أن الإنسان يولد صالحاً، وكانت فلسفته التاريخية بعيدة كل البعد من الكاثوليكية التقليدية. ففي عهد ملكية يوليو، كان الأديب الفرنسي ليبرالياً معتدلاً، على رغم محاولاته في أواخر حياته الإيحاء بأنه ميوله الاشتراكية مبكرة. فقد كانت ثورة 1848 الشرارة التي حملته على التمرد على تعليمه الملكي الكاثوليكي، مفضلاً التفكير الحر وقيم الجمهورية. سمحت هذه الثورة لهوغو اكتشاف أحوال العمال.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية