ماذا يفعل الإنسانُ حين يجد شبيهًا لمحبوبه أو لشيءٍ يُحبه؟ هل يَقلّ الحبُّ لأنه تَوزَّع على اثنين؟ أم أنَّ الحب له دهاليزه الغامضة التي لا تكتفي بالشَبه؟ والشبه قد يكون بالشَّكل والسلوك والأفكار، ومع ذلك يُصِرّ الإنسانُ على أن لا شبيه لمحبوبه. أتذكّر -هنا- محمد عبده وهو يُنهي أغنيته (يا شبيه صويحبي)، بأمنيةٍ مرتبكة: «ليتهم سَمّوك باسمه وَاسْتريح». هذه الأمنية المرتبكة تقع في دواخلنا بأساليب كثيرة، قد نشعر بها بقوة، وقد تَمرّ عابرة، وربما ما يُحدِّد الأسلوبَ هو اندفاع الشعور بلحظةِ تَشابُهٍ غامضة، فأنا -مثلًا- أُحبُّ (الأرشيف) حبًّا أظنّه يتعلّق بحبي للتاريخِ المدفون أو السري أو المنسي أو المختلق بخبث، أو غير ذلك مما يُشبه معنى هذه الألفاظ. وإذا وجدتُ شيئا يُشبه الأرشيفَ كالمكتبات العامة الكبرى بأقسامها الشهيّة، أتعلق به تعلق الطفل بأمه، لكنَّ المقلق إذا صار التشابه غير واضح المعالم، مثلًا: هل بين الأرشيف ومصارعة الثيران تشابه؟
السّؤال مضحك، لكن ماذا نفعل حين تُلحّ الذاتُ أنَّ بينهما تشابهًا؟ بمعنى حين ترى الأول تتذكّر الآخر؛ كقول محمد عبده: «كل شيء فيك يطري به عليّ»، وحكايتي مع هذا التشابه كالتَّالي: تعرفتُ -في زمن بعيد- على زميلٍ يعمل في قسم الأرشيف -أعترف ابتداءً أني تعرفتُّ عليه لأنه يعمل في الأرشيف، وليس مصادفة، فمن أجل عين تكرم مدينة- وكلما أدخل عليه في مكتبه المنزوي بين دواليب لا تَسرّ الناظرين، أتذكّر مصارعةَ الثيران في كتاب (موت في الظهيرة) لهمنغواي. وقد ذكرتُ حالتي النفسية هذه للزميل؛ فضحكَ وقال: لو كان مكتبي مدرسةَ تعليمِ الرقص الشرقي؛ لكان التشابه وجيهًا، فكلاهما حركاته قليلة، ولكنَّ النتائج مبهرة، أما مصارعة الثيران وهذه الأوراق والأكياس والدواليب فأمرك غريب.
مَرَّت الأيام وأنا أحاول أن أطردَ هذه التشابه، لكنَّه يُلِحّ عليّ كما لو أنَّ الأرشيفَ يترجّاني أن أصرخَ بشيءٍ ما، فحتى أنا لم أرتض هذه العلاقة بين حبيبي الأرشيف ورياضةٍ أكرهها، أو أظنُّ أني أكرهها، لم أتمنَّ حينها إلا أن يأتيني (الأرشيف) بهيئةِ إنسانٍ في المنام ليُوحي إليَّ الأمرَ كله.
أتذكّر أني ذهبتُ لمكتبةِ جامعة الملك سعود، لأقرأ في تاريخِ الأرشيف لعلَّه يَنطِق بشكواه ولكن عبثًا أحاول. ثم نسيتُ الموضوع كله، فالزميل تقاعد -إجباريًا- بعد هذه الحادثة بخمس سنوات، وأنا انتقلتُ إلى مقر عمل آخر، حتى جاء يومٌ فتحتُ فيه الكمبيوتر لأنقل مقالتي المخطوطة إلى أروقتِه؛ وعلى غير عادتي تجوّلتُ -عشوائيًا- في ملفاتِ الجهاز القديمة، فإذا بي أجد مقالةً منسيّة كتبتُها عام 2006 وأذكر أني نشرتُها في المنتديات التي لم يبقَ منها إلا أطلال، وأشباح كلمات، كأنَّ هذا الملف تحوّل إلى أرشيفٍ يعلوه الغبار، فعادت حكايةُ الأرشيفِ ومصارعة الثيران إلى الذاكرة بقوة، وتذكّرتُ ذلك الزميل الذي لم أره من سنين، وقفزَت إلى ذهني فكرةُ.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية