كيف سيكون شكل الحوار الوطني في سوريا؟

في ظل التحوّلات المتسارعة التي تشهدها سوريا، ووصول "هيئة تحرير الشام" إلى الحكم، باتت المطالب بضرورة عقد مؤتمر شامل يضم ممثلين عن شرائح المجتمع المختلفة، أكثر الحاحاً من قبل المتخوّفين من خلفية الجهة المسيطرة على الأرض.

بالمقابل، وفي سعيها لمواصلة أجواء الهدوء والتطمين، أكدت "هيئة تحرير الشام" رغبتها بتوجيه دعوات إلى ممثلي القوى السياسية، والمجتمع المدني، والكفاءات العلمية، والمستقلين، لضمان تمثيل شامل في الحوار، الذي سيمهّد لبناء سوريا ما بعد الأسد.

يُعتبر إطلاق حوار وطني شامل خطوة محورية وأساسية لضمان استقرار سوريا في هذه المرحلة، وذلك للتوصل إلى توافق حول القضايا الجوهرية المتعلقة بمستقبل البلاد، متضمنة شكل الدولة، وآليات الحكم، وإدارة المرحلة الانتقالية.

حوار وطني يأتي ذلك بالتزامن مع حراك دولي مكثف بشأن الملف السوري، حيث تشهد دمشق توافد وفود دولية، من بينها وفد أميركي وبريطاني وتركي وأردني وغيرهم.

إلا أن تصريحات أحمد الشرع أثارت جدلاً لدى بعض الأطراف، إذ اعتبرها البعض غامضة في جوانب معينة، حيث لم يحدد بشكل واضح القوى السياسية والمدنية التي ستُشارك في العملية. كما لا تزال هناك تساؤلات حول آلية اختيار أعضاء مؤتمر الحوار الوطني المرتقب ومدى ضمان تمثيله الشامل لجميع السوريين من دون استثناء.

مواضيع ذات صلة يطالب "الائتلاف الوطني" و"هيئة التفاوض" بتمثيل يقوم على أسس سياسية، وليس فقط على أساس القوميات أو الأديان أو الانتماءات العشائرية، كما رفضا تصريحات الإدارة الجديدة التي تفيد بأن الدعوات ستُوجه لأعضاء الائتلاف بشكل فردي، وليس كمجموعة سياسية متكاملة.

كذلك تطالب "الإدارة الذاتية" بتوجيه الدعوة إليها كممثل عن المشاركين في هيكليتها والمؤيدين لمشروعها، وأرسل المجلس الوطني الكردي وفدا إلى الحسكة للتفاوض مع "الإدارة الذاتية" بهدف تشكيل وفد كردي موحد للتفاوض مع الإدارة في دمشق، ومن ثم اختيار ممثلين عن الأكراد وغيرهم.

يؤكد المتحدّث الرسمي باسم مكتب العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية"، كمال عاكف، في حديثه إلى منصّة "المشهد" على عدم تسلّم أي دعوة للحوار وعدم وجود أي تواصل مباشر مع دمشق حتى الساعة.

يقول عاكف "في حال توجيه دعوة للإدارة الذاتية، فإنها ستمثل الكيانات والهياكل الإدارية الممثلة أصلاً داخل مشروع الإدارة، مع التأكيد على وجود أحزاب وكيانات وشخصيات هي ليست جزءاً من الإدارة الذاتية، وبالتالي يجب إشراكهم أيضاً في عملية الحوار المأمولة".

من جهته، يشير المحامي والناشط والسوري في المجتمع المدني، أنس جودة إلى غياب "تصور واضح لشكل الحوار المقبل، وما نعرفه عن شكله هو مجرد تسريبات، يعني أنه سيكون هناك حوار وطني، ولكن ليس من المعروف محاوره ولا من هم أشخاصه ولا أين سيتم، هل هو اجتماع واحد أو عدة لقاءات محلية؟ ليس هناك أي تصور واضح عن هذا الأمر، عدا عن الجو العام الذي ربما لا يكون مناسبًا لعقد إطار الحوار الوطني".

تثبيت الواقع الأمني وأضاف "هناك حاجة أولاً إلى هيئة حكومة انتقالية وتثبيت الواقع الأمني حتى نستطيع القول بأننا نذهب إلى حوار طويل المدى. الحوار الوطني لا يمكن أن ينتج في أسبوع أو يتم التحضير له في فترة قصيرة. هو بحاجة لوقت طويل للتحضير".

من جانبه، يؤكد رئيس "منصة موسكو" للمعارضة السورية قدري جميل أن "الحوار الوطني يجب أن يشمل أوسع طيف من المجتمع السوري؛ و يضم ممثلين عن القوميات والأديان والطوائف والعشائر، ولكنه ينبغي أن يضم بالدرجة الأولى التمثيلات السياسية في سورية، لأن عملية إعادة توحيد البلد تحتاج إلى قوى سياسية عابرة للانتماءات القومية والدينية والطائفية، ولأن سورية الجديدة ينبغي أن يتم بناؤها على مبدأ المواطنة المتساوية لكل السوريين بغض النظر عن أي انتماءات أخرى".

ويقول جميل إن "الشعب السوري عانى الكثير من محاولات تقسيمه إلى انتماءات متعارضة ومتقاتلة فيما بينها، ومن دفع الثمن هم 90% من السوريين، المفقرين والمضطهدين، والذين ينتمون إلى كل القوميات والأديان والطوائف، ومن تاجر بدمائهم هم 10% وأقل، من تجار الحرب والفاسدين الكبار، الذين ينتمون أيضاً لكل القوميات والأديان والطوائف، بل والاصطفافات السياسية المسماة "موالاة" و"معارضة"، ولذلك فإن الشعب السوري يريد قطع الطريق على الانتقال من استبداد يمارسه مركز واحد، إلى استبداد أكثر تعقيداً تمارسه عدة مراكز باسم القومية والدين والطائفة".

ويضيف "قطع الطريق على المحاصصة يكون بحوار وطني حقيقي يستند بالدرجة الأولى إلى التعددية السياسية في سورية، والتي تمثل في جوهرها فكرة المواطنة المتساوية لكل السوريين".

وحسب جميل "خارطة الطريق الواضحة لعملية الانتقال السياسي نحو التعددية السياسية والديمقراطية، هي الخارطة الموجودة في القرار 2254، والذي ما يزال صحيحاً وقابلاً للتطبيق من حيث جوهره، وخاصة مبدؤه الأساسي القائل بحق الشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه على أساس عملية سياسية بملكية سورية وبقيادة سورية ودون تدخل خارجي".

شكل الحوار المتصوّر ويقول المحامي أنس جودة، وهو نائب رئيس تيار بناء الدولة السوية، في حديثه إلى منصّة "المشهد" إن "الحوار الوطني يعني على الأقل وجود خريطة طريق تم رسمها من الأمم المتحدة عبر القرار 2254. وبغض النظر عن القرار بحد ذاته، سواء كان موجودًا أو غير موجود، واختلاف أطرافه، فإن خريطة الطريق التي تم وضعها منذ البداية ما زالت فعالة وأساسية".

ووفق جودة "هذه الخريطة تنص بشكل أساسي على عملية سورية سياسية بقيادة سورية مشتركة، تكون محطتها الأولى تشكيل هيئة حكومة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية. إطار حكم مشترك وجامع يمكن أن يكون متوازناً بطريقة أو بأخرى لتحديد مواضيع الحوار، واختيار أشخاصه، وشكله، ومدته، ومخرجاته المتوقعة. كل هذه الأمور ليست واضحة اليوم".

مضيفاً "على الأقل إذا لم نتحدث عن هيئة حكومة انتقالية يجب أن نتحدث كخطوة أولى عن تسمية لجنة مشتركة من الوجهاء السوريين من الشخصيات التكنو سياسية لها بعد سياسي تمثيلي مع تعبيري عن تنوع المجتمع السوري".

من جهته يرى عاكف أن "كل المؤسسات والهيكيليات في منطقة الإدارة الذاتية عليها عقد اجتماعات ولقاءات لاختيار ممثليها لحضور مؤتمر الحوار، وهذا يشمل مؤسسات الإدارة الذاتية، والهيكليات الموجودة خارجها أيضاً. يجب أن يشعر الجميع بأنهم جزء من عملية بناء سوريا الجديدة".

مخاوف من المحاصصة في ظل المرحلة الانتقالية وسلطتها المتمثلة بلون بتيار واحد، تسود مخاوف من استبعاد أطراف سياسية أو مدنية من الحوار الوطني، أو إذا جرى اختيار ممثلي الشعب بناءً على اعتبارات محاصصاتية، بدلاً من تمثيل الإرادة الشعبية الحقيقية، الأمر الذي قد يضع سوريا أمام سيناريو مكرر في دول الجوار (لبنان، العراق) ويهدد بتأجيج الأزمات بدلاً من معالجتها.

ويؤكد السوريون على أن تبنّي طروحات المحاصصة الطائفية قد تدخل سوريا في مرحلة جديدة من اللااستقرار بعد الحرب الطويلة التي عصفت بها، ضمن دوامة نزاعات عرقية وطائفية، ولا سيما في ظل وجود بيئة خصبة لهذه النزاعات في البلاد، نظراً للتنوع الكبير في المجتمع وقوة الفاعلين الإقليميين والوضع المعيشي والاقتصادي المتدهور.

مواضيع ذات صلة يقول جودة "الوضع في سوريا ليس مثل لبنان، حيث الطوائف لها كيانات ومرجعيات وحتى أحزاب. يمكن أن نتحدث عن محاصصة حتى في العراق بوجود الكتل الكبيرة، لكن في ظل الوضع القائم على الأرض في سوريا ليس هناك تمثيل لأحد. لهذا علينا أن نتمسك أو نحاول قدر الإمكان دعم الانتقال ليكون متوازنا لأن البديل اليوم ليس المحاصصة بل فوضى كاملة".

مضيفاً "هناك مجموعة من الفصائل المسلحة التي تسيطر على الوضع في سوريا بالإضافة إلى الأكراد وغيرهم. نحن بحاجة جدية إلى إطار تشاركي تعبيري هذا طبعا إذا بقينا نتحدث عن أن الإطار الإقليمي والدولي الذي بني على بيان العقبة ما زال يتحدث عن حماية أو عدم التدخل عسكريا وسياسيا في الشأن السوري ونعرف أن هناك الكثير من الدول متربصة ولم توافق على الشكل الجديد".

ويؤكد جودة على استحالة "قيادة فصيل لوحده أو جهة لوحدها سوريا في المرحلة الانتقالية. النظام السابق رغم أنه كان له 50 أو 54 عاما في الحكم ومتجذر في مؤسساته ولديه حزب البعث ولديه الأجهزة الأمنية ولديه الحكومة ولديه والأدوات كنا نقول له بأنك لا تستطيع أن تحكم سوريا بمفردك ولا تستطيع الانتقال بسوريا بمفردك عليك مشاركة السلطة مع آخرين فما بالك بفصيل كان حتى شهر سابق غير متوافق عليه من أغلب السوريين حتى من الفصائل المعارضة التي كانت موجودة في شمال حلب ومناطق أخرى؟".

(المشهد)


هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة المشهد

منذ ساعة
منذ ساعة
منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعتين
قناة روسيا اليوم منذ 9 ساعات
قناة العربية منذ 18 ساعة
قناة العربية منذ 15 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 9 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 5 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 9 ساعات