ما إن تسلم "حزب البعث" السلطة في سوريا في الثامن من مارس (آذار) عام 1963 إثر انقلاب عسكري حتى بات يتغلغل في مفاصل المجتمع السوري، وبإضفاء صبغته الأيديولوجية والقومية في بلد يعج بالأعراق والطوائف والمذاهب وحتى التيارات والأفكار السياسية والثقافية، فأصبح الحزب قائداً للدولة والمجتمع وفق مادة دستورية تتيح له حكم البلاد بصورة مطلقة، والحزب نفسه تقوده هيئة تدعى "القيادة القطرية"، ويترأسها رئيس الدولة "الأمين العام".
آلية حكم الحزب الواحد ترسخت مع وصول حافظ الأسد بعدما أطاح زملاءه في قيادة الجيش إذ كان وزيراً للدفاع في حرب عام 1967 عندما انكسر جيشه وانسحب لمصلحة احتلال إسرائيل من مرتفعات الجولان، إلى أن أصبح رئيساً للبلاد بعد انقلابه على جميع قيادات السلطة في البلاد سماه بـ"الحركة التصحيحية" في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 ليصبح بعدها صاحب الصلاحيات المطلقة في الحزب والدولة والجيش، إذ جمع صلاحيات السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) في منصبه.
عنصر من قوات المعارضة السورية يزيل صورة لرئيس النظام السوري السابق بشار الأسد في دمشق (غيتي)
الرغبة في الارتقاء
حافظ الأسد الذي كان منحدراً من ريف اللاذقية ومن عائلة لا تعد من سادة الطائفة العلوية، حمل في شخصيته رغبة الارتقاء بمستواه الاجتماعي، بحسب باحثين، مثل الكاتب البريطاني باتريك سيل، فكان هذا أحد دوافع زواجه بأنيسة مخلوف التي كانت تجد نفسها أرقى منه اعتماداً على نسب عائلتها المعروف في المنطقة، كما أنه جاء في زمن "الشخصيات الرمز" لا سيما في الاتحاد السوفياتي التي عززت سوريا علاقتها بها، مثل جوزيف ستالين ونيكيتا خورتشوف، وعربياً مثل جمال عبدالناصر، فأصبح الأمر متاحاً أكثر أمام حافظ الأسد لنشر صوره في البداية في جميع مرافق الدولة والساحات العامة، ليتحول لاحقاً إلى تشييد التماثيل ونصبها في الساحات العامة وداخل المدارس والجامعات ومختلف الأماكن كالطرقات الرئيسة أيضاً.
لكن حب إظهار الشخصية وصبغ المرافق والمؤسسات الرسمية والعامة بأسماء الأسد وحزبه وعناوين أخرى كإنجازات نظامه باتت ظاهرة اعتيادية خلال 30 عاماً من حكم الأسد الأب، وانسحب الأمر خلال 24 عاماً من حكم الابن بشار الأسد، حتى باتت بعض العبارات التمجيدية لهذه البلاد تسمي البلاد بـ"سوريا الأسد"، وهذه العبارة تجاوزت حدود سوريا وأصبحت عبارة لمخاطبة البلاد كنوع من الإطراء والتزلف حتى من قبل بعض الساسة أو من يودون علاقات جيدة مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.
معارضون سوريون، وعلى قلتهم في إظهار مواقفهم زمن الأسد الأب بسبب التنكيل والقمع، وصفوا حال البلاد بأنها "مزرعة الأسد"، في إشارة إلى استغلال الأسد وعائلته والمقربين منه وأتباعه من الحزبيين والمتنفذين مختلف موارد البلاد، حتى إن قطاع النفط لم يعرف أحد مداخيله إلى خزانة الدولة، وكيف يجري التعامل معها في حين كشف لاحقاً عن أنها كانت تذهب إلى حساب بنكي خاص بالرئيس السوري، كما أن انتحار، أو اغتيال رئيس الوزراء الراحل محمود الزعبي كان بسبب سرقته ملايين الدولارات من حساب الرئيس في الخارج، إذ كان يعلم أرقام وبيانات الحساب، مما دفع الأسد الأب في نهايات حكمه إلى معاقبة رئيس وزرائه بسبب تلك السرقة وفق مذكرات نائب الرئيس الأسبق عبدالحليم خدام.
يربط جسر الرئيس حيي أبو رمانة والبرامكة وسط دمشق ومن فوق نهر بردى الذي يمر وسط العاصمة (اندبندنت عربية)
صور وأسماء وشعارات
إن جبروت الأسد الأب في البلاد كان يتجلى في شعارات يومية تطلق صباح كل يوم في المدارس بمختلف مراحلها حيث كان التلاميذ يرددون "قائدنا إلى الأبد... الأمين حافظ الأسد"، إلى جانب شعارات "حزب البعث"، وأيضاً أقواله وصوره في المنهاج المدرسي، وحتى دفاتر الأطفال كانت صور الأسد مطبوعة عليها.
وفي دمشق أنشأت الدولة عدداً كبيراً من المرافق والمؤسسات وجميعها كانت تحمل اسم الأسد، وامتازت عن غيرها من المؤسسات الشبيهة بجودة الخدمة ونطاقها الواسع، أبرزها "مستشفى الأسد الجامعي"، إذ كان دخول المستشفى وقبول المرضى فيه يحتاج إلى إجراءات أدق من غيرها إلى جانب المحسوبيات أو دفع رشى للمعالجة فيه، وكان أمهر الأطباء وأشهرهم وأقدرهم يعملون في هذا المستشفى.
كذلك خلف قيادة الأركان العسكرية، وفي إطلالة على ساحة الأمويين المقابلة لمبنى الإذاعة والتلفزيون، بدأ بناء مكتبة ضخمة جداً في مساحة 22 ألف متر مربع في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وأصبحت مرجعاً للباحثين والدارسين وطلاب الدراسات العليا في الجامعات السورية، وسميت هذه المكتبة الضخمة بـ"مكتبة الأسد الوطنية".
وعلى بعد مئات الأمتار شرق المكتبة، في بداية تسعينيات القرن الماضي، أنشئ جسر يربط حي أبو رمانة والبرامكة من فوق نهر الفرات والطريق المحاذي له وسط دمشق، وسمي عقب انتهائه بـ"جسر الرئيس حافظ الأسد"، لكن المفارقة أن الجسر بات مكاناً مزدحماً للركاب.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية