قانون المسئولية الطبية وحماية المريض المقترح - إذا تم إقراره بصورته الأولية - سيكون المسمار الأخير فى نعش المنظومة الطبية فى مصر ونهاية ما تبقى من الخدمة الطبية ذات الجودة .
من المهم لمن لا يعمل فى الطب أن يفهم أن الطب مهنة لم ولن تصنع ثروة، وأن الاستثمار فى مستشفى أو مركز طبى أو التجارة فى الأدوات الطبية، كانت دائما أكثر ربحا من مهنة الطب نفسها، وأنها مع ذلك كانت بحسابات اليوم بيزنس صغير الحجم لم يكبر إلا بعد أن دخلت فيه البنوك وصناديق الاستثمار والمستثمرون الكبار وأضافوا إليها الخبرات الإدارية والملاءة المالية، أى إن الجزء الأكبر من الأرباح لا تئول إلى ممارسى مهنة الطب ممن يعملون فى هذه الأماكن وإنما إلى من استثمروا فى إدارتها كخدمة يحتاجها المجتمع.
كان وما زال القطاع الطبى الخاص يسد عجزا حقيقيا فى عدد أسرّة المستشفيات والعناية المركزة والحضانات والعيادات والخدمات التشخيصية للمريض المصرى بدونها لن يجد مئات الآلاف من المرضى مكانا يخدمهم.
على من هو جاد فى حماية المريض المصرى أن يواجه السبب الأول والحقيقى فى عدم حصوله على خدمة جيدة وإلى فقد عشرات الآلاف من المرضى سنويا و«عدم الإتاحة». فلا وجه للمقارنة بين أعداد المرضى الذين يموتون من أخطاء مهنية على أيدى الطبيب وبين من يموتون لأنهم لا يجدون سرير مستشفى أو عناية مركزة أو حضانة لطفل مبتسر، هذا ينطبق على القطاع الحكومى والجامعى وأيضا على قطاع المستشفيات الخاصة. ومن يخشى على المريض المصرى ويرغب فى حمايته لابد أن يتعامل مع هذه الحقيقة أولا.
الخطر الثانى لمن هو جاد فى حماية المريض المصرى هو فقدانه للطبيبة أو الطبيب المصرى الشغوف النابه المجتهد الطموح ذى العلم والمهارة، فقد أصبحت هذه المهنة غير جاذبة لهؤلاء، وقد بدأت المشكلة بسياسات أدت إلى انهيار مستوى تعليم الطب فى مصر على مدار العقود الستة الأخيرة عندما قررت الدولة رغبة فى كسب شعبوية سريعة زيادة أعداد دفعة كلية الطب فى الجامعة الواحدة من ٢٠٠ طالب إلى ٢٠٠٠ طالب بنفس الإمكانيات، وذلك بدلاً من الاستثمار فى بناء جامعات ومستشفيات تستوعب أعداد الطلبة المطلوبة. فضلت الحكومات فى حينها الكم على الكيف، وكانت النتيجة فقدان شهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراه الطب المصرية مصداقيتها بين جامعات العالم، وأصبحت شهادتنا التى نفنى فيها كأطباء شبابنا وطاقتنا ونُحرم لأجلها من الاستمتاع بسنوات شبابنا وحياتنا الأسرية وأجمل سنوات عمر أطفالنا.
فى النهاية تحتاج كل هذه الشهادات إلى امتحان معادلة وسنوات مذاكرة وتدريب أخرى لأنها لا تُقبل لا فى الغرب ولا فى الشرق وهذا بالرغم من أن طلبتنا وأطبائنا ينبغون أينما ذهبوا سواء فى امتحانات أو فى أدائهم فى العمل. لم يكن هذا الوضع من ستين عاما فشهادة الجامعة المصرية كانت كافية لعملك كطبيب فى أى مكان فى العالم.
هذه مسئولية الدولة التى استولت على إدارة الجامعة المصرية وألغت استقلاليتها وفرضت عليها هذه الأعداد من الطلبة، ومسئولية نقابة الأطباء التى نسيت أنها حامى المهنة وركزت فى رفع المعاناة عن الطبيب الفرد بحلول اجتماعية مثل مشروع علاج الطبيب وتوفير شقق ومصايف بعيدا عن الحفاظ على قيمته سواء داخل مصر أو خارجها. فمصر قد فقدت أكثر من ثلث أطبائها بحثا عن هذا العلم الذى لم توفره لهم بلدهم فى السبعينيات والثمانينيات، والآن تفقد أكثر من النصف بحثا عن العلم والحياة الكريمة والاحترام والأمان.
هؤلاء الأطباء الآن يخدمون مرضى غير مصريين فى منظومة طبية يتمناها المريض المصرى، ويستحق الطبيب المصرى أن يعمل فيها فى بلده بدون أن يضطر إلى الاغتراب.
أضيف إلى ذلك أنه منذ بداية التسعينيات مع دخول التوك شوز والإعلام الشعبوى (Tabloid) وجد الطبيب المصرى نفسه مسئولا فى نظر المجتمع والإعلام والقانون عن ارتفاع سعر الخدمة الطبية للمريض وجودة هذه الخدمة. فكل يوم يسمع ويقرأ الطبيب عن «جشع الأطباء، عن إهمالهم، عن فقدانهم للرحمة، عن خيبتهم وسوء نتائجهم فى مصر..»، وهم أنبه طلبة مصر وأكثرهم طموحا واختاروا دونا عن ثلث زملاء دفعتهم.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق