ماذا نتعلم من بلاد الليل القطبي بشأن النوم؟

إن الظلام الذي يستمر 24 ساعة خلال فصل الشتاء بالقرب من القطبين يمكن أن يعوق النوم، ونتعرف في هذا الموضوع على الطريقة التي يتغلب بها من يعيشون هناك على صعوبة النوم.

تخيل ألا تشهد ضوء الشمس لأسابيع أو حتى لأشهر! حينها تصبح الأجواء مظلمة، والهواء بارداً للغاية، ويكتسي كل شيء بالثلوج الكثيفة.

ومع ذلك، فحتى في قلب الليل القطبي، لا يحل الظلام تماماً. في بعض الأحيان تتسرب أشعة الشمس بشكل طفيف عبر الطبقات العليا من الغلاف الجوي، ما يخلق الشفق الذي يمتزج فيه اللون الأزرق والوردي والأرجواني.

وهناك أيضاً ضوء القمر والنجوم.

تظهر أضواء الشفق القطبي بشكل متكرر، ويعكس الثلج ذلك الضوء الاصطناعي المُحيط بالمنطقة، ما يخلق "توهجاً ثلجياً" يجعل كل شيء يبدو أكثر إشراقاً.

إنها فترة في غاية الجمال لمن يعيشون في القطب الشمالي. وبالنسبة للسكان المحليين، فإن الليل القطبي جزء لا يتجزأ من حياتهم، ويشكل موسم انتعاش لهم، بل إن بعضهم يقول إنه ينام بشكل أفضل مقارنة بباقي أوقات السنة.

تقول إستر بيريلوفيتش، 42 عاماً، التي تعيش في إيناري بفنلندا، حيث يستمر الليل القطبي لستة أسابيع: "الليل القطبي قصير جداً. أود لو استمر لشهرين. تُظهر الطبيعة نفسها حتى في عدم وجود ضوء شمس. أذهب إلى الفراش مبكراً وأنام بشكل أفضل. لا أريد أن يأتي الربيع".

ومع ذلك، تُظهر الأبحاث أن هناك من يشعر بالحزن والخمول مع حلول الشتاء، وتسوء حالتهم المزاجية بسبب الحرمان من ضوء الشمس، وقد يصابون بالاكتئاب.

وربما يشكل النوم في القطب الشمالي تحدياً من نوع خاص؛ حيث يمكن أن تلعب شمس منتصف الليل خلال أشهر الصيف دوراً مدمراً في الإيقاع اليومي البشري، والساعة البيولوجية التي تحكم العديد من وظائف أجسادنا. ويمكن أن يؤدي الظلام شبه الدائم بالليل القطبي أيضاً إلى تأخير الدورة الطبيعية للنوم والاستيقاظ، لاسيما لدى من يقضون الكثير من الوقت في الأماكن المغلقة. وقد يعاني البعض من الأرق لاسيما في أشهر الشتاء.

ومع ذلك، فإن من يعيشون ويعملون في القطب الشمالي، تعلموا أيضاً كيفية التعامل مع التحديات التي قد يعكسها التباين الكبير بين الفصول على نومهم.

وهناك بالتأكيد بعض الأدلة على أن أهل المنطقة يتأقلمون بشكل أفضل مع مشكلات النوم التي قد يواجهونها أثناء الليل القطبي، مقارنة بالزائرين من مناطق غير قطبية.

إذن، ماذا يمكننا أن نتعلمه من سكان القطب الشمالي في سياق النوم؟

فكر بإيجابية! في أقصى شمال النرويج والسويد وفنلندا وغرينلاند وروسيا وكندا وألاسكا، تظل الشمس تحت الأفق معظم فصل الشتاء.

ويعتمد طول هذه المدة بالتحديد على الموقع: في روفانيمي، عاصمة لابلاند الفنلندية، الواقعة مباشرة في الدائرة القطبية الشمالية، يستمر الليل القطبي لمدة يومين فقط خلال الانقلاب الشتوي.

وفي ترومسو، أكبر مدينة في شمال النرويج، على بعد 350 كيلومتراً شمال الدائرة القطبية الشمالية، يستمر الليل القطبي لمدة ستة أسابيع تقريباً، من أواخر نوفمبر/تشرين الثاني إلى منتصف يناير/كانون الثاني.

وفي أقصى المواقع القطبية، يعيش الجنود في الظلام لمدة أربعة أشهر تقريباً في السنة، في منشأة عسكرية كندية في أليرت، في نونافوت، أقصى مكان مأهول بالسكان بشكل دائم في العالم، على بعد حوالي 1776 كيلومتراً شمال الدائرة القطبية الشمالية، وعلى بعد 817 كيلومتراً فقط من القطب الشمالي.

وفي ظل نقص ضوء النهار والطقس البارد، قد تؤثر أشهر الشتاء الطويلة على الحالة المزاجية.

ولعل أبرز تأثير لأشهر الشتاء المظلمة والباردة هو الاضطراب العاطفي الموسمي، وهو تدهور كبير في الحالة المزاجية يُعتقد أنه ناجم عن نقص ضوء الشمس خلال أيام الشتاء الأقصر. وتشمل أعراضه انخفاض الطاقة والإفراط في تناول الطعام والنوم الزائد، وتظهر في الخريف أو الشتاء، تليها فترة هدوء تلقائية في الربيع أو الصيف. كما أن اضطراب النوم بعد كذلك سمة مميزة للاضطراب العاطفي الموسمي.

في أوروبا، تشير التقديرات إلى أن الاضطراب الموسمي العاطفي يؤثر على ما بين 2 إلى 8 في المئة من السكان، أو ما يقرب من 8 إلى 14 مليون نسمة، على الرغم من أن المعدلات تختلف من بلد إلى آخر.

ويُعتقد أيضاً أنه يصيب الملايين في الولايات المتحدة، حيث تتراوح المعدلات من واحد في المئة في جنوب البلاد إلى ما يقرب من عشرة في المئة من السكان في الشمال.

ويمكن رصد التأثير ذاته لخطوط العرض، في البلدان التي تقع داخل الدائرة القطبية الشمالية.

على سبيل المثال، يعاني من يعيشون في شمال غرينلاند من حالات اكتئاب أعلى بكثير، بالمقارنة بتلك الموجودة في الجنوب. كما يعاني سكان الإنويت في القطب الشمالي الكندي من معدلات مرتفعة، بالمقارنة بتلك الموجودة في الجنوب، وهي ضعف تلك الموجودة في أونتاريو على سبيل المثال، وأربعة أضعاف المعدلات الموجودة في الأجزاء الجنوبية من الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن البحث بعيد كل البعد عن أن يكون قاطعاً.

فقد ألقت دراسات أخرى ظلالاً من الشك حول ارتباط أعراض الاكتئاب بالتغيرات الموسمية في ضوء النهار أو خطوط العرض.

ولم تتوصل إحدى الدراسات التي أجريت على نحو تسعة آلاف إنسان في ترومسو إلى وجود أي اختلافات موسمية متعلقة بالصحة النفسية لدى المشاركين في الدراسة. لكن دراسات أخرى خلصت إلى وجود علاقة قوية بين مواسم العام والشعور بالاكتئاب ووقت النوم والاستيقاظ في الصباح.

جدير بالذكر أن طريقة تفكيرك في أشهر الشتاء قد تشكل عاملاً مهماً هنا.

فقد خلصت دراسة أجريت على 238 شخصاً في النرويج، إلى أن التفكير الإيجابي بشأن الشتاء، قد يغير من الطريقة التي يقضي بها الناس أوقاتهم في الليل القطبي.

ويقول أحد مؤلفي الدراسة، كاري ليبوفيتز، وهو عالم نفس يعد دراسات حول صحة الإنسان في الشتاء: "البرد والظلام يؤثران فينا جميعاً. وما يُحدث فرقاً هو كيفية استجابتنا لهما عاطفياً وسلوكياً".

وخلصت الدراسة أن من يتطلع إلى الاستمتاع بأنشطة ترتبط بالشتاء، كالتزلج والليالي المريحة التي يقضونها مع أحبائهم أمام المدفأة، أفاد بتحسن حالته الصحية في الشتاء.

وخلصت دراسة أخرى في شمال النرويج إلى أن "قومية سامي" - السكان الأصليين لشمال الدول الاسكندنافية - أقل عرضة للإصابة بالأرق أو الاعتماد على الأدوية المساعدة على النوم، بالمقارنة بغيرهم من الأعراق.

وجد الباحثون أن المنتمين إلى "قومية سامي" يميلون إلى عدم الالتزام بوقت محدد للنوم، حتى الأطفال يُتركون لتنظيم نومهم بأنفسهم بدلاً من الالتزام بأوقات النوم المنتظمة.

لا شك في أن الاكتئاب والتوتر والقلق والمشكلات العاطفية، قد تلعب جميعها دوراً كبيراً في الأرق. لكن الطريقة التي تفكر بها في نومك، قد يكون لها أيضاً تأثير كبير على مدى شعورك بالراحة بعد قضاء ليلة في السرير.

بعبارة أخرى، قد تؤثر حالتك المزاجية عند الاستيقاظ، على شعورك تجاه النوم في الليلة السابقة، ومدى شعورك بالتعب طوال اليوم.

بالنسبة لميشيل نوتش، وهي فنانة تقضي وقتها بين المملكة المتحدة وفادسو، وهي بلدة تقع في أقصى شمال شرق النرويج بالقرب من الحدود الروسية، فإن الليل القطبي يحفز شعوراً بالراحة، حيث لا ترغب سوى في الاسترخاء والنوم.

ومع ذلك، فإن ليبوفيتز تعتقد أن أمراً آخر قد يحدث أيضاً.

تقول ليبوفيتز: "من يتّسم بعقلية سلبية، يكافح الشتاء. على سبيل المثال، يضع أضواء قوية لتلافي الظلام. لكن هذا يجعل الأمور أسوأ: فهو بذلك يخلق تبايناً يجعل العالم الخارجي أشد قتامة، وقد يؤدي الإفراط في الإضاءة أيضاً إلى تعطيل نومه".

أطفئ الأضواء! تلعب كمية الضوء التي نتعرض لها أثناء النهار دوراً مهماً في ضبط إيقاعنا اليومي، ما يساعد في تنظيم كمية هرمون الميلاتونين التي تفرزها أجسامنا. الميلاتونين هو هرمون ينتجه الدماغ من المساء فصاعداً، ويعد أجسامنا للنوم، ومن ثم فإنه يلعب دوراً حاسماً في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ.

وقد يلعب الظلام الشتوي شبه الدائم في القطب الشمالي دوراً مدمراً في إنتاج الميلاتونين؛ حيث أظهرت بعض الدراسات ارتفاعاً كبيراً في إفراز هرمون الميلاتونين في ذروة الليل القطبي في منتصف يناير/كانون الثاني. ثم تنخفض مستويات الميلاتونين مع عودة ضوء الشمس مع نهاية الشهر.

هذا أمر جيد، باستثناء من يعملون وفقاً لجدول يومي محدد يتطلب منهم المداومة في مكان العمل أو الاستيقاظ في وقت محدد. وأفاد المشاركون في دراسة أجراها باحثون في جامعة ترومسو أنهم في فترات إفراز هرمون الميلاتونين بشكل كبير، شعروا بالإرهاق الشديد في الصباح أكثر مما شعروا به في أشهر الصيف.

ولا يمكن للإضاءة الاصطناعية أن تكون بديلاً يوفر مستويات ضوء الشمس اللازمة للحفاظ على نمط نوم مستقر.

ومع ذلك، فإن الأبحاث التي أجريت على الجنود في.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بي بي سي عربي

منذ 4 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ ساعتين
منذ ساعة
قناة العربية منذ 8 ساعات
سكاي نيوز عربية منذ 11 ساعة
التلفزيون العربي منذ 15 ساعة
قناة يورونيوز منذ 15 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ ساعة
قناة العربية منذ ساعتين
قناة العربية منذ 5 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 20 ساعة