«هذه المرة.. الأمر سيختلف»... جملة يقولها كثيرون مقربون من الرئيس الأمريكى المنتخب «دونالد ترامب»، فى إشارة إلى فترة رئاسته الثانية، التى فاز بها بعد مواجهة ضد الرئيس «جو بايدن»، ومواجهة أكثر قِصراً بعدها، ضد نائبته «كامالا هاريس».
المقرّبون من «ترامب» يقولون إن فترة رئاسته الثانية ستكون مختلفة عن فترته الرئاسية الأولى التى واجه فيها الكثير من العداوات من أطياف متعدّدة فى المجتمع الأمريكى: من وسائل الإعلام ورجال الأعمال والنُّخب المثقفة، وحتى من بعض أجهزة القضاء والأمن الأمريكى، والتى انتهت بحدث لم تشهده الديمقراطية الأمريكية من قبل، وهو اقتحام أنصار «ترامب» لمبنى «الكابيتول» خلال جلسة للكونجرس فى ٦ يناير ٢٠٢١، بعد خسارة رئيسهم الانتخابات، بتحريض من «ترامب» نفسه، كما اتهمه القضاء فى ما بعد.
«ترامب».. رجل الشعب الذى أجاد قراءة عقلية الناخب الأمريكى فى مناسبتين مختلفتين، وعرف كيف يُحول الهزيمة إلى انتصار، يعود الآن إلى قمة السياسة الأمريكية، دون أن يجد أمامه مقاومة تُذكر. هزيمة الديمقراطيين القاسية أمامه جعلت حزبه المنافس يُصاب بدوار، وينشغل فى كواليسه الداخلية، محاولاً تحديد مكمن الخلل والخطأ. وسائل الإعلام التقليدية التى كانت تناصبه العداء من قبل صارت تختاره «شخصية العام» وتتنافس فى وضع صورته على أغلفتها. أصحاب منصات التواصل الاجتماعى الذين وقفوا ضده بعد اقتحام أنصاره مبنى «الكابيتول» ووصلوا أحياناً إلى حد إغلاق حساباته، كما فعل «فيس بوك»، يصطفون الآن للحصول على مقابلة معه، وفتح صفحة جديدة، لنسيان ما فات.
حتى الناخبون الأمريكان من أصول أفريقية ولاتينية، ومعهم النساء كذلك، من الذين قيل إنهم سيكونون حتماً سبباً فى تفوق منافسته «كامالا هاريس» عليه، صوتوا له بنسبة فاقت كل توقّعات المراقبين.
هذه المرة إذن، الأمر سيختلف. لكن ما الذى تغير؟
تعهد بالإفراج عن أنصاره المحبوسين فى اليوم الأول لرئاسته.. ولا ينسى من أظهر له الولاء مستشارة «ترامب»: الرئيس الأمريكى المنتخب رجل معقّد يقدم أفكاراً بسيطة.. عكس باقى السياسيين.. ورجال «الفترة الثانية» محترفون.. عكس الفترة الأولى الذين لم يتوقعوا فوزه «ترامب» ما زال هو «ترامب»، الرجل الذى يعرف ما الذى يريده أنصاره ويقدّمه لهم بعبارات مباشرة وواضحة. شعار حملته ورئاسته ما زال هو نفسه: «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، وسياسته فى التعامل مع العالم الخارجى ما زالت تتلخص فى كلمتين: «أمريكا أولاً».
لكنّ ما تغير هو الرجال الذين يحيطون بـ«ترامب».. هؤلاء المحترفون والمغامرون الذين وضعوا أنفسهم -بكل ثقلهم- وراء الرئيس الأمريكى السابق ليجعلوه الرئيس المنتخب من جديد. هؤلاء الذين لم تُخِفهم عزلة الرئيس السابق بعد خروجه من البيت الأبيض، ولم يستوحشوا من القاعات الخاوية فى قصره الخاص فى منتجع «مارالاجو»، بل راهنوا على قدرتهم على أن يملأوها من جديد بطوابير من الشخصيات المهمة التى تصطف من أجل الحصول على مقابلة، ولو لدقائق خاطفة مع الرئيس الأمريكى.
هؤلاء الذين راهنوا، وفازوا، ونجحوا. هؤلاء الذين يقدّمون للعالم كله درساً فى كيفية صناعة سياسات الرئيس الأمريكى، والاستعداد لولايته الرئاسية قبل أن تبدأ.
واليوم، يقدّم «ترامب» إلى العالم فريق حكمه الذى تكوّن من تحالف يضم أطيافاً متعدّدة، أسهمت كلها فى فوزه بالانتخابات الرئاسية، كما تقول مجلة «تايم» الأمريكية التى اختارته ليكون «شخصية العام» على غلافها: اختار أشخاصاً غير تقليديين، لكنهم يُظهرون إخلاصاً شديداً له ولسياساته لتولى مسئوليات مكتب التحقيقات الفيدرالى والاستخبارات الوطنية ووزارة الدفاع، وحافظ على بعض الخيارات «التقليدية» لإدارته مثل السيناتور «ماركو روبيو» لوزارة الخارجية، والخبير المالى «سكوت بيسينت» لوزارة الخزانة. واختار وزيراً مؤيداً لحقوق النقابات والعمال ليتولى وزارة العمل فى حكومته، فى رسالة طمأنة للطبقة العاملة التى منحته أصواتها، فى الوقت نفسه الذى منح فيه المليارديرات مناصب عُليا لطمأنة الأغنياء الذين تبرّعوا له، تأييداً لسياساته التى تهدف للحد من الضرائب.
كافأ «ترامب» منافسه السابق فى الانتخابات «روبرت إف.كينيدى جونيور» الذى تخلى عن السباق الرئاسى لصالحه بمنحه وزارة الصحة. إلا أن تخلى «كينيدى» عن السباق الرئاسى لصالح «ترامب» كانت له قصة ظهرت فيها الكيفية التى أجاد فيها رجال «ترامب» التحرّك وراء الكواليس.
جاء انسحاب «كينيدى»، الذى نجح فى كسب الكثير من أصوات الشباب الأمريكان، بعد تدخل «دون جونيور»، ابن الرئيس «ترامب» و«سوزى وايلز»، مديرة حملته الانتخابية (التى كافأها بعد فوزه بمنحها منصب كبير موظفى البيت الأبيض). كان «دون جونيور» يخشى أن يسحب «كينيدى» عدداً مهماً من الأصوات التى يمكن أن تكون حاسمة فى فوز أبيه، خاصة فى الولايات المتأرجحة، فبدأ يُجرى اتصالات سرية بمديرة حملة «كينيدى»، لكى ينسحب من السباق ويُعلن تأييده لـ«ترامب». وانضم إليهم «جى. دى. فانس»، نائب الرئيس «ترامب» الذى يقول لمجلة «تايم»: «كانت رسالتنا لـ«كينيدى» بسيطة: أنت لن تكسب الانتخابات، ولن يكون لك تأثير على الانتخابات سوى حرمان «دونالد ترامب» من الأصوات. لماذا إذن لا تضع الخلافات جانباً وتنضم فعلياً لفريقنا، لنُركز كلنا على الأمور التى تهمنا جميعاً؟».. واقتنع «كينيدى».
وعن تلك اللحظة تقول «سوزى وايلز»: «كانت تلك واحدة من أهم اللحظات فى حملتنا الانتخابية. لم يضع ذلك حداً للتهديد الذى كان يمثله «كينيدى» وحسب، لكنه أتاح لنا أن نوسّع قاعدة الناخبين التى تصوت لنا من الحزب الجمهورى».
جاءت دفقات قوية من أصوات الناخبين الجدد لـ«ترامب» من بين صفوف متابعى «إيلون ماسك»، أغنى رجل فى العالم، وصاحب منصة «إكس» ومجموعة «تسلا»، بعد أن أعلن تأييده لـ«ترامب» وضخّ ما يزيد على ربع مليار دولار لدعم حملته، محولاً منصة «إكس» إلى أداة دعائية فعّالة لصالح «ترامب». ولعب «ماسك» أيضاً دوراً محورياً فى طمأنة رؤساء شركات التكنولوجيا الكبرى الذين كانوا يحملون مخاوف كثيرة إزاء «ترامب» فى فترته الرئاسية الأولى. واليوم أصبح «ماسك» واحداً من المليارديرات الذين يملكون اتصالاً مباشراً بالرئيس الأمريكى، وصار يتولى مع ملياردير آخر، هو «فيفيك راماسوامى»، رئاسة لجنة تهدف إلى خفض الإنفاق الحكومى وتقليص حجم (وحكم) البيروقراطية الأمريكية فى كل نواحى الحياة بحلول عام ٢٠٢٦.
كلهم محترفون يحسبون خطواتهم جيداً، يجمعهم الولاء الشخصى لـ«ترامب»، أو الاقتناع القوى بسياساته، وهو أمر لم يكن واضحاً فى رجال «ترامب» خلال فترته الرئاسية الأولى. صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، التى اختارت «دونالد ترامب» أيضاً ليكون شخصية العام، كما فعلت من قبل عند فوزه الأول فى الانتخابات الأمريكية عام 2016، كانت صاحبة هذه الملاحظة المهمة: أنه فى المرة الأولى التى فاز فيها «ترامب» بالانتخابات، كان الفريق المحيط به قد تم تكوينه على عجل، مجموعة من الخبراء الذين تم جمعهم سريعاً، ليُشكلوا مجموعة لمساعدة الرئيس الأمريكى الجديد فى اتخاذ قراراته. الواقع أنه فى انتخابات 2016 لم يكن أحد يتوقع أن يفوز «ترامب» على منافسته الديمقراطية وقتها «هيلارى كلينتون».
شكّل فوز «ترامب» مفاجأة للجميع، بمن فيهم «ترامب» نفسه. كانت حملته السابقة تواجه معارضة شرسة حتى آخر لحظة من قلب الحزب الجمهورى نفسه، وكانت الوجوه التى تدير الملفات المهمة فيها دائمة التغيير، كما لو كانت «دخيلة» وغريبة عليه. لم يكن «ترامب» يملك خطة واضحة لسياساته بعد الانتخابات، وكانت جهوده كلها موجّهة للفوز بانتخابات لم يتوقع أحد أن يفوز بها.
أما هذه المرة، فهو لا يعتمد على «الأغراب»، وإنما اختار عدداً من المحترفين والخبراء لإدارة حملته ورئاسته منذ اللحظة الأولى التى قرّر فيها إعادة الترشّح. صار من الواضح بالنسبة له مَن معه ومَن ضده، ومَن الذى يريده فى فريقه ومَن الذى لن يسانده فى تطبيق سياساته؟ قرّر «ترامب» بالفعل أن عدداً ممن سيتولون المناصب المهمة فى إدارته سيكونون ممن يعتنقون شعاره «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، وهو الشعار الذى وُلد مع حملته السابقة فى 2016، وأخذ وقته فى النُّضج، حتى أصبح اليوم عنواناً لحركة سياسية ضخمة (يطلق عليها اختصاراً اسم «ماجا»)، لها أنصار وأتباع ووجوه بارزة.
من هذه الوجوه، كان المحترفون الذين أداروا حملة «ترامب» التى أوصلته إلى فترة رئاسة ثانية، مثل «كريس لاسيفيتا»، و«سوزى وايلز»، و«جى دى فانس» الذى اختاره «ترامب» نائباً له، ووصفه البعض بأنه «وجه اليمين الأمريكى الجديد».
لكن «ترامب» لا يكتفى هذه المرة باختيار كبار الموظفين وأصحاب المناصب الوزارية فى إدارته القادمة وحسب، لكنه أظهر اهتماماً خاصاً، كما تؤكد «فاينانشيال تايمز»، باختيار الصف الثانى من الموظفين فى البيت الأبيض، ممن يشغلون وظائف أقل أهمية، لكنها ليست أقل حساسية من أصحاب المناصب الكبرى. لقد تحول منتجع «مارالاجو»، الذى يُقيم فيه «ترامب» حالياً، إلى خلية نحل تمتلئ بالمتقدّمين لشغل وظائف فى إدارة الرئيس الأمريكى المنتخب. يحرص «ترامب» على مقابلتهم بنفسه، والنظر مباشرة إلى أعينهم لمعرفة مَن الذى يصلح للعمل معه فى فترته الرئاسية المقبلة، ومَن الذى سيظل مخلصاً له مهما تبدّلت الأحوال والظروف.
ربما لأنه لم ينسَ بعد كل رجاله الذين أداروا ظهورهم له بعد هزيمته فى الانتخابات السابقة أمام «جو بايدن» فى ٢٠٢٠.
تحكى «فاينانشيال تايمز» عن ذلك اليوم الفاصل فى حياة «ترامب»، قائلة إنه: «فى ٢٠ يناير ٢٠٢١، صعد «دونالد ترامب» على متن الطائرة الرئاسية الأمريكية لآخر مرة، كما ظن كثيرون، عائداً إلى منتجعه الخاص فى «بالم بيتش». لم يظهر فى ذلك اليوم سوى عدد قليل من مساعدى «ترامب» لتوديعه فى قاعدة «سانت أندروز» الجوية التى أقلعت منها طائرته. قبلها بقليل، كان «ميتش ماكونيل»، زعيم الجمهوريين فى مجلس الشيوخ الأمريكى، قد وصفه بأنه «إنسان حقير». أما «روبرت ميردوخ»، مالك قنوات «فوكس» الإخبارية، والذى كان أكبر مشجعى «ترامب»، فتعهد فى إحدى رسائل بريده الإلكترونى الخاصة، بأن يحول «ترامب» إلى «شخص نكرة».
بدت الصورة فى هذه الفترة وكأن معظم أمريكا والعالم يتفقون مع وصف الرئيس «بايدن» لرئاسة «ترامب» بأنها كانت «وقتاً فظيعاً». لكن ذلك لم يمنع من وجود قلة من الرجال.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن المصرية