كلما أوغلنا في أزقة أو درابين (الشواكة)، سنجد أنفسنا في أزقة أخرى.. أزقة تقودنا إلى أزقة، تنبعث من جدرانها رائحة رطوبة تذكرنا بعمق الزمن الذي بني به هذا الطابوق و(الجص)، إذ لم يكن للإسمنت مكان في أبنية تلك البيوت.. بيوت آيلة للانهيار ونواقح الزمن تعاند في محاولة للبقاء.
محلة سكنية تراثية
(الشواكة) من المحلات البغدادية السكنية الأصيلة، التراثية، بجانب الكرخ من بغداد، وتقع بين جسري الشهداء والأحرار في جهة الكرخ، على ضفاف نهر دجلة مباشرة. وكذلك هي بين منطقة الكريمات الملاصقة لجسر الأحرار حيث منطقة الصالحية، وبين منطقة باب السيف الملاصقة لجسر الشهداء، وتمتد من أول شارع حيفا إلى نهر دجلة.
سميت المنطقة بـ(الشواكة) لأنها اشتهرت قديماً ببيع الشوك (نبات العاقول) وعروق الحطب التي كانت ترد من أطراف بغداد بواسطة الأبلام، لاستخدامها في المخابز والبيوت كحطب.
أزقة الشواكة تتلاحم مع بعضها، وبيوتها تلتم على نفسها لتشكل كتل معمارية متلاصقة لأسباب أمنية، حيث تحتمي ببعضها. الجار يحتمي بجاره، والأقارب ينتمون أكثر لبعضهم في ذات الزقاق الضيق. مداخل محدودة لتلك الأزقة، وسيلة دفاعية ضد أي غريب. الناس، أبناء المحلة السكنية الواحدة، يعرفون بعضهم جيداً، فهم سكان هذه المحلة أو تلك منذ عقود. ولدوا وترعرعوا وتزوجوا وصار عندهم بنات وأولاد كبروا ولعبوا مع بعضهم هنا.. ويا ويله من يحاول أن يخترق هذا الزقاق أو ذاك، فليس مكاناً للغريب هنا.. هكذا كانت وما زالت. كنت ألتقط بعض الصور عندما اقترب مني رجل خمسيني وسألني بود إن كنت من السكان أم أن حنيناً دفعني لالتقاط الصور؟ فأجبته: بل هو الحنين لبغداد القديمة.
كنت أبحث عن بيت بعينه يعود لقريب لي وتركه منذ سنوات، فهرعت امرأة من مواليد الزقاق وعرفت بيت العائلة التي أبحث عنها، فقادتني إلى البيت المطلوب في الزقاق الآخر. البيوت هنا تباع أو تؤجر لأهل المنطقة وليس للغرباء.
الأزقة ضيقة ومساحات البيوت محدودة، لا تزيد بأي حال عن 80 متر مربع. وشناشيلها متقاربة تتيح للنساء حق الفرجة على الخارج دون أن تسمح للخارج بمشاهدة ما يجري خلف تلك الشناشيل. والأكثر من هذا، أن الجارات يستطعن التحدث فيما بينهن من وراء تلك الشبابيك المزخرفة بالخشب المتشابك والزجاج الملون، الذي اندثر غالبيته. الأبواب كانت تدل على مكانة صاحب الدار الاجتماعية أو الاقتصادية، قبل أن تتهدم هذه الأبواب وتستبدل بأخرى حديدية لا تتناسب وأسلوب عمارة المنطقة.
كل أزقة الشواكة ومعها محلة باب السيف تقود إلى ضفاف نهر دجلة. ستواجهنا من الجهة الأخرى، الرصافة، بناية المدرسة المستنصرية المبنية في العهد العباسي قبل ألف ومئة عام، وصفحة مياه دجلة التي تسبح فيها طيور النوارس في فضائه، حيث يلقي الناس بالخبز لتلك الطيور من فوق جسر الشهداء. الشواكة من جهة النهر - تصوير.. معد فياض "يا صياد السمك"
غالبية سكان محلة الشواكة يمتهنون صيد السمك من النهر. هذا السمك يطلق عليه البغداديون تسمية (السمك الحر)، أي أنه ليس سمك (الكارب) الإنجليزي، الذي تتم عملية تكاثره وتربيته في أحواض مزارع السمك.
يوضح هاشم محمود، (أبو محمد)، الذي يبيع السمك في أشهر أسواق الكرخ، الشواكة، لرووداو: "السمك الحر الذي نصطاده أغلى بكثير من أسعار سمك المزارع (الكارب)، فنحن نصطاد أسماك الشبوط والبني والبز ذات الحجم الكبير". مستطرداً: "لسمك نهر دجلة طعم لذيذ جداً والناس تفضله على سمك المزارع، ويكلفنا صيده الكثير من الوقت والجهد، إذ نخرج في البلم (الزورق) منذ الفجر ونبقى نحاول لساعات طويلة".
بعد أن أنهيت حديثي مع الصياد أبو محمد، تذكرت الأغنية البغدادية التراثية: "يا صياد السمك.. صيد لي بنية (سمك بني).. قلبي بشبك صادوه وما حن عليّه".
جبهة النهر
خارج أزقة الشواكة ينفتح المنظر على سعته. البيوت التي تقع على ضفاف دجلة مترفة للغاية بمساحاتها وأسلوب عمارتها وبنائها، وهي تعود لأغنياء المنطقة، وتطل مباشرة على النهر. هنا يقع بيت واسع ومترف وجميل تم تصوير أحداث مسلسل تلفزيوني شهير فيه حمل عنوان (خان الذهب).
قرب بيت (خان.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من موقع رووداو



