نشأ الشّاعر عبدالمحسن يوسف يحدّق في أزرقين؛ زرقة البحر والسّماء، هو سعودي من جزيرة (فرسان) في منطقة (جازان) تخرّج في كليّة الآداب فرع الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز، عمل في التّعليم وهو أيضاً مدير تحرير سابق لـ«عكاظ الأسبوعيّة» التي كانت ملتقى إعلاميّاً ثقافيّاً فكريّاً إبداعيّاً وإنسانيّاً.. كان منذ صغره شغوفاً بقراءة الكتب، وهي هاجسه الدائم، ينهل منها بوعي وإدراك عظيمين مما جعل كتاباته صادقة، دافئة، جميلة تضج بالحياة..
صدر له خمسة مؤلفات وكتب أخرى تحت الطبع ومئات المقالات الأدبيّة..
العنوان (مطرٌ كسولٌ على الباب) ورد في القصيدة السادسة من الديوان.
للمطر رمزان: الخير والرّزق أو الفأل السيّئ كما ورد في أنشودة المطر للشّاعر بدر شاكر السيّاب. الكسل للمطر جزئيّ لأنه ينهمر ويتوقّف. أما الباب فدلالاته واسعة، للحياة أبواب وكذلك للسّماء وللبيوت.. يكاد يكون العنوان قصيدة مكتفية بذاتها لرمزيّته وأبعاده التي تحمل تفسيرات متعدّدة.
تضمن الديوان مئة وخمساً وأربعين قصيدة، لفتت عبدالمحسن الحداثة فصاغ نصوصاً بعيدة عن شِباك التّقليد الوزني، تنوّعت الكتابة بين قصيدة التّفعيلة وقصيدة النّثر.. كثُرت فيه الدّلالات والأسلوب السيميائي..
نبدأ معه منذ الطّفولة يقول: مُذْ كنتُ طفلاً مشرقاً كعيد/ أحشو جيوبي هادئاً سعيد/ بزرقة البحر وخفّة النّوارسْ/ وقبل أغشى عتمة المدارسْ/ قرأتُ نور الله في الطّبيعة/ وذبتُ في آفاقه البديعة/ وطرتُ في البعيد/ ..
وفي قصيدة (تحديق) يقول: «أنا إن حدّقتُ في الآفاقِ/ إن قلتُ إلهي/ سالَ نورٌ فاتنٌ في القلبِ/ واخضرّتْ شفاهي».. الإيمان هو الفطرة الطّبيعيّة للإنسان، يرافقه الإحساس بالحاجة إلى الله واجب الوجود كقوّة خالقة ومدبّرة نشأ هذا الإيمان مع الشّاعر قبل دخول المدارس، نورٌ وضعه الله في قلبه، وهذا الأمر أعطاه السّعادة؛ لأنّه ناتج عن النّظر، التّأمل، والتّدبر.
ورد (ص٨٤): «من قال: طينٌ/ ذمّني/ إنّي سليلُ النّورْ/ محلّقٌ، وإنّني/ طيرٌ من الطّيورْ» يرى الشّاعر نفسه أعلى شأناً من المادة فهو من سلالة النّور، نتذكّر هنا أبا نوّاس الّذي اعتبر
الخمرة أرفع من المادة: فلو مزجت بها نوراً لمازجها.. لو بقي في مرتبة غير المحسوس لظلّ المعنى أقوى لكنّه قال: «وإنّني طيرٌ من الطّيور» عاد إلى المادة.. هو محبٌ للحياة بتعبير مبتكر: «أيّتها الحياة/ ها أنذا أشدّك نحوي بشغف/ حتى يحمرّ وجه اللّغة». (ص١٣٨) ومضة شعريّة عميقة الأبعاد جمع فيها كل الأسباب الجديرة بحبّ الحياة دون أن يقولها ليترك خيال القارئ يسرح في تخميناتٍ لا تُحصى.. أليس هذا دور الإبداع أن يجعل من القارئ شاعراً؟
عن أبيه يقول: «في ألبومنا العائلي/ أبصرُ أبي/ يدهنُ الصّيفَ بالأغاني/ القلبَ بالنّوارس/ والبحرَ بالنسيان».. ذكريات مضت أضحت صوراً مجازيّة يختال فيها الرّمز بخيلاء أمير.. الأب، القلب، البحر.. رفقة عُمْرٍ.. (جزيرة فرسان) لها نصيب كبير لأنّها موطن القلب والجمال وهما صنوان زرع والده الفرح وأنشأه عليه ورحل.. ورد (ص١٤٤) «كلّ صباح/ أقتطفُ المواويلَ من شجرةِ الشّجن../ أحشو القميص بالنّوارس/ وأداعبُ القلبَ بالزّرقةِ/ كلّ صباح/ أمسك الموجة من أصابعها/ وأغوي طيشها بالحرير/ كلّ صباح».. في هذه البيئة من لا يكتب الشّعر عليه مغادرتها، هو ربيب الموج والنّوارس امتلأ بفتنتهما. قالت له الحبيبة (ص١٨): «كلّما قرأتُ نصّاً/ أخذني شِعرُك إلى البحر/ ثمّةَ نوارسٌ كثيرةٌ تحلّق في نصوصك». في قصائده آفاق واسعة وأجنحة بيضاء، غيم، غصون، وموسيقى.. تحرّك الشّغف حتّى يُلامسَ القارئُ خدّ السّماء.. جمع قصائده بعناية كما يُجمع عقد اللّؤلؤ في جزيرته. ولو خيّروه مكاناً للسكن سيستجيب لنداء الماء/ مرح الشّط وغواية الأعماق/ كي نحتميَ بالعطرِ من غدرِ السّراب/ ومن ذئاب النّاس/ سنسكنُ وردة. (ص٢٢) تتجلّى رهافة المشاعر ونضج ذوقه الجمالي لعله استقاهما من المدى.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة عكاظ