انتخاب جوزيف عون يجسد تسوية إقليمية ودولية بعد تراجع النفوذ الإيراني. يواجه تحديات كبرى، أبرزها استقرار الجنوب والإصلاحات السياسية والاقتصادية. انتخابه يمثل انتقال لبنان من الوصاية الإيرانية إلى الرعاية الدولية. يتوقع أن يكون له دور محوري في تطبيق القرارات الدولية وتحقيق استقرار لبنان. هل يكون جوزيف عون البداية الحقيقية لتحرر لبنان من قبضة الوصاية الإيرانية؟ #نكمن_في_التفاصيل

لم تكن جلسة انتخاب الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون مجرد جلسة عادية، إنما كانت ترجمة لتسوية إقليمية - عربية - دولية، عكست المتغيرات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، بعد الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وكذلك سقوط النظام في سوريا الذي كان "جسر" الربط والإمداد لـ"حزب الله" مع إيران.

ومن ثم بات واضحاً أن الرعاية العربية - الدولية، التي حظي بها انتخاب قائد الجيش جوزيف عون، بداية لدعم لبنان في مسار الخروج من مستنقع الصراعات والأزمات والانهيار الذي شهده لبنان، مما قد يفتح المجال لعودة البلاد إلى المسار العربي ويعطي فرصة للبنان أن يحجز دوره الناشط في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدأت ملامحه تتكون بعد التراجع الواسع للنفوذ الإيراني وعودة الحراك الدولي - العربي.

انتهاء "الوصاية"

وفي السياق، يرى الكاتب الصحافي حنا صالح أن انتخاب جوزيف عون يحمل دلالات مهمة، إذ يُعتبر أول رئيس ينتخب من خارج المنظومة السياسية التقليدية التي هيمنت على الحكم في لبنان لعقود. كما أن الكلمة التي ألقاها الرئيس الجديد جاءت مغايرة لخطابات أسلافه، مشيراً فيها إلى أزمة الحكم والحكام، ومؤكداً أهمية التزام وثيقة الوفاق الوطني والدستور وتطبيق القوانين.

وصف صالح كلمة جوزيف عون بأنها أشبه ببرنامج عمل حكومي، شدد فيها على ضرورة تغيير الأداء السياسي والاقتصادي، مشيراً إلى أهمية الحفاظ على التنوع اللبناني كقوة غنى للبلاد. وأكد عون أن السلاح يجب أن يكون فقط في يد الدولة، مشدداً على تطبيق القرار الدولي 1701 كأساس لاستعادة بناء الدولة اللبنانية الجامعة.

وأشار صالح إلى أن الرئيس عون يواجه تحديات رئيسة في بداية ولايته، منها:

- تثبيت الأمن والاستقرار في الجنوب، وإعادة النازحين الذين شُردوا نتيجة الحرب الأخيرة.

- استكمال اتفاق الطائف والإصلاحات السياسية التي عُطلت لعقود.

- إعادة بناء الاقتصاد اللبناني، والخروج من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج.

- تشكيل حكومة كفاءات من خارج نظام المحاصصة الطائفية.

وأعرب عن أمله في أن تكون الحكومة الجديدة حكومة جدية قادرة على تحقيق تطلعات اللبنانيين واستعادة ثقة الداخل والخارج.

وأكد صالح أن انتخاب جوزيف عون يُمثل نقطة تحول في المشهد اللبناني، مشيراً إلى انتهاء "وصاية" إيران و"محور الممانعة"، وفتح الباب أمام معطيات جديدة. وشدد على ضرورة أن تتماهى الحكومة الجديدة مع هذا الواقع، وأن تكون مكونة من أشخاص يتمتعون بالكفاءة والنزاهة.

مرحلة انتقالية

وأكد الكاتب السياسي أسعد بشارة أن جوزيف عون يُعتبر الشخصية الأكثر قدرة على التفاعل مع تنفيذ القرارات الدولية، بفضل موقعه الاستراتيجي كقائد للجيش ورئيس للمؤسسة العسكرية. وأوضح بشارة أن هذا الموقع يضعه على تواصل مستمر مع المرجعيات الدولية والدول المعنية بتطبيق القرارات الأممية، لا سيما القرارات 1701 و1680، و1559. وأضاف أن هذه الخصائص كانت من أبرز العوامل التي أكسبت قائد الجيش دعماً دولياً واسعاً، مما أسهم في انتخابه رئيساً للجمهورية.

وأوضح أن عون سيضطلع بدور محوري في تعزيز تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني، وهو ما يضعه في قلب المسؤوليات السياسية والأمنية بعد توليه رئاسة الجمهورية. ولفت إلى أن هذه المهمة ستتطلب تعاوناً وثيقاً مع الحكومة الجديدة ورئيسها لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. واعتبر أن انتخاب عون يحمل أبعاداً مهمة تتجاوز الشأن الداخلي، مشيراً إلى أنه يمثل انتقالاً للبنان من مرحلة "الوصاية الإيرانية" إلى مرحلة "الرعاية الدولية". واعتبر أن هذا الحدث يشير إلى تحول جوهري في المشهد السياسي اللبناني، يعكس ضعف قدرة طهران على مواصلة سيطرتها على القرار اللبناني.

وأضاف أن "انتخاب عون يُعتبر انقلاباً حقيقياً في الساحة السياسية اللبنانية، إذ سيشكل عهده تحولاً جذرياً عن المرحلة السابقة". وأكد أن عهده لن يكون امتداداً للمنظومة التقليدية التي حكمت لبنان سابقاً، والتي وصفها بأنها قائمة على "تحالفات السلاح والفساد".

وتابع بشارة أن انتخاب عون يُعد خطوة حاسمة لإنهاء نفوذ عديد من رموز المنظومة السابقة، مشيراً إلى أن هذا الانتخاب يُمهّد الطريق أمام استحقاقات جديدة، أبرزها الانتخابات النيابية المقبلة. وأضاف أنه مع عون، هناك فرصة حقيقية لتحقيق تغيير ملموس في مختلف البيئات الطائفية والمناطقية، مما يعزز احتمالية بناء نظام سياسي جديد يعتمد على الكفاءة والشفافية.

تغيير قواعد اللعبة

من جانبه، أشار الكاتب والمحلل السياسي سمير سكاف إلى أن الثنائي "أمل - حزب الله"، يسعى إلى الحفاظ على حرية الحركة التي كانت متاحة له قبل تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، إضافة إلى تثبيت ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". إلا أن انتخاب قائد الجيش يشكل تحدياً كبيراً لـ"حزب الله"، نظراً إلى الدور المحوري الذي يضطلع به في قيادة الجيش اللبناني المسؤول عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وأوضح أن العماد جوزيف عون يُعد من الشخصيات القليلة التي تمتلك نفوذاً فعلياً على قرار المؤسسة العسكرية، مما يجعل انتخابه رئيساً للجمهورية خطوة تنطوي على أخطار بالنسبة إلى "حزب الله". مع ذلك، أشار سكاف إلى أن كلمة السر الدولية قد وصلت، مما جعل من الصعب جداً على الثنائي مواجهة هذا القرار، لا سيما في ظل التأييد الشعبي الكبير الذي يتمتع به جوزيف عون، بفضل قيادته الناجحة الجيش خلال فترة حساسة ومليئة بالتحديات.

وأضاف سكاف أن الخيارات أمام الثنائي "أمل - حزب الله" باتت محدودة للغاية، مما دفعهما إلى القبول الضمني بانتخاب جوزيف عون، حتى وإن كان ذلك من دون اقتناع تام. وأكد أن طهران، بعد الحرب الأخيرة، لم تعد هي اللاعب الرئيس في عملية انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية عبر "حزب الله" وحلفائه. فقد انعكست التحولات في موازين القوى الدولية بوضوح على لبنان، وهو ما يُتوقع تصاعده في المستقبل القريب.

وأشار إلى أن الحرب الجارية قد أضعفت نفوذ إيران في المنطقة، وأثرت سلباً في قدرتها على فرض إرادتها السياسية في لبنان. وأضاف أن المرحلة المقبلة قد تشهد خطراً يهدد المنشآت النووية الإيرانية، مع تصاعد احتمالات استهدافها من قِبل إسرائيل.

اختتم سكاف حديثه بالإشارة إلى أن انتخاب جوزيف عون يُعد مؤشراً إلى مرحلة جديدة للبنان، قد تحمل معها تحولات جوهرية في التوازنات السياسية الداخلية والخارجية، مما يفتح الباب أمام احتمالات إعادة رسم المشهد السياسي اللبناني على أسس مختلفة عن تلك التي سادت في العقود الماضية.

اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القرار الخارجي

بدوره، أكد العميد المتقاعد والمتخصص العسكري والاستراتيجي يعرب صخر أن لبنان يميل في كثير من الأحيان إلى اختيار رئيس للجمهورية من خلفية عسكرية، نتيجة العجز السياسي الذي يعانيه النظام اللبناني. وأوضح أن هذا التوجه يعكس فشل السلطات السياسية في اتخاذ قرارات مستقلة، إذ ظلت على مدى عقود خاضعة لتأثيرات قوى خارجية. ففي الماضي كان الاحتلال السوري يفرض إرادته على لبنان، مما جعل الطبقة السياسية تتبع توجهاته. وفيما بعد، تولت إيران، ممثلة بسيطرة "حزب الله" وحلفائه، الهيمنة على القرار السياسي اللبناني، مما حرم السلطة من الاستقلالية اللازمة لاختيار رئيس مدني.

وأشار إلى أن الطبيعة الطائفية للنظام اللبناني تجعل الرئيس المدني الخيار الأنسب في الظروف العادية، إلا أن الخلافات السياسية بين القوى المختلفة دفعت لبنان مراراً وتكراراً إلى اختيار قائد الجيش كمرشح توافقي. وقد ظهر هذا النمط في فترات متعاقبة مع انتخاب رؤساء مثل إميل لحود وميشال سليمان وميشال عون. وأضاف أن هذه الظاهرة كانت نتيجة.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 5 ساعات
قناة الغد منذ 3 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
قناة العربية منذ 10 ساعات
قناة يورونيوز منذ 9 ساعات
قناة العربية منذ 10 ساعات
بي بي سي عربي منذ 21 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 11 ساعة