كيف مهدت إجراءات عائلة الأسد لسقوطه على مراحل؟

مع بداية عام 2020 في سوريا تغيّر شكل البلاد بصورة كاملة، وضربت موجة من المجاعة شبه الجماعية أركان البلاد، وكان النظام يعيد الأمر للبدء بتطبيق قانون "قيصر" الأميركي، لكن الحقيقة كانت أبعد من ذلك بكثير، ففي هذا العام تغيرت الإستراتيجية الاقتصادية للنظام نحو الجباية المنظمة، وتحولت الفرقة الرابعة التي يديرها ماهر الأسد من فرقة قتالية إلى فرقة بنكية معنية بالجباية وجمع الأموال بطرق غير شرعية، إضافة إلى أنها جزء رئيس في إنتاج الكبتاغون وتصديره.

نهب وتغييب وفدية

وتحولت كذلك أفرع أمن عدة ومن أبرزها فرع الخطيب أو ما يسمى "الفرع الداخلي"، إضافة إلى فرع المداهمة أو السرية 215 إلى شبح يطارد الناس في لقمة عيشهم وينهب أموالهم بالاعتقال والتغييب والفدية للخروج، كذلك فرضت شروط غير منطقية على الحاجات الأساسية كإلزام المواطنين دفع جمركة تعادل سعر هاتفهم الخليوي ليعمل على الشبكة، ودفع 100 دولار عند دخول الحدود وحزمة إجراءات بإدارة أسماء الأسد للمشهد الاقتصادي عبر المكتب السري.

تلك الإجراءات الكثيرة خلقت مشكلات اجتماعية لم يتصور الأسد كم ستكون وخيمة عليه بعد أعوام، إذ أجبر رؤوس الأموال والمستثمرين والتجار على الهرب، كما أرغم مئات آلاف المواطنين على الهجرة تحت وطأة الظروف الاقتصادية لا الأمنية والعسكرية كما حال الهجرات قبل عام 2020، وكذلك خلق شرخاً بدليل فرح كل المكونات بسقوطه ونظامه.

بداية الانهيار: رامي مخلوف

كان يمكن لحظ بداية الانهيار الاقتصادي منذ إزاحة رامي مخلوف "إمبراطور" الاقتصاد السوري لعقود وارثاً إياه عن أبيه محمد مخلوف خال الرئيس السابق بشار الأسد الذي تولى، أي محمد، في عهد الأسد الأب إدارة الملف الاقتصادي السوري الداخلي والدولي، وفي عهد الأسد الابن تولى رامي مسؤولية إدارة تلك التركة ونجح في الأقل لعقدين منذ عام 2000 وحتى إزاحته قبيل 2020 في إمساك عصا الاقتصاد من المنتصف.

وعلى رغم أن مخلوف الابن كان يدير الاقتصاد العام ويضع أسسه وشكله ونوعيته ولكنه كان بارعاً في "اللصوصية" بحسب خبراء اقتصاد من دون أن يفقر الشعب ويرمي بعملته نحو قاع سحيق سحق معه كل أنواع المعيشة والعيش الكريم مع قرار أسماء الأسد تولي إدارة الملف الاقتصادي بنفسها.

ولكي تدير أسماء ذلك الاقتصاد، أحدثت مشكلات جمة داخل العائلة الحاكمة، ولما كان من المعروف عنها تأثيرها القوي في شخصية بشار وقراراته، تمكنت من استبعاد مخلوف بطريقة وصفت بـ"المذلّة" في الشارع السوري، ومصادرة أمواله ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

المكتب السري

وليكتمل مشروع أسماء كان لا بد لها من استحداث فريق يعينها على حمل الإرث الاقتصادي العائلي والسير به نحو أرباح طائلة تصب في مصلحة العائلة من دون مراعاة أدنى شروط النهوض الاقتصادي أو الحفاظ عليه، وفي الأقل عدم السماح له بالانهيار دفعة واحدة كما حصل، إذ يعرف السوريون أنها تسلمت اقتصاد البلاد من مخلوف بعد 10 أعوام من الحرب بانهيار قارب 10 أضعاف قيمة الليرة عما قبل الحرب أمام الدولار الأميركي الواحد، وسرعان ما انهارت قيمة الليرة لاحقاً 300 ضعف، وكان الدولار حافظ في عهد مخلوف الاقتصادي على ثبات قارب 500 ليرة للدولار الواحد، وفي العهد التالي وصلت قيمة الدولار إلى أكثر من 15 ألف ليرة سورية.

أنشأت أسماء فريقاً اقتصادياً ضيّقاً مكوناً من أفراد عدة يترأسهم شخص اسمه يسار إبراهيم وهؤلاء تمت تسميتهم في المكتب السري، وهو المكتب الذي تولى شؤون إدارة الاقتصاد وكان أساس عمله يقوم على استحداث المضاربة الداخلية بين السوق الحكومية والسوق السوداء، وداخل السوق السوداء التي كان يرعاها أيضاً، ليس بدءاً من أسعار الخضراوات والدخان وليس انتهاءً بإنشاء المنصة الاقتصادية التي تجبر التاجر على وضع ما يعادل قيمة ما سيستورده من الخارج ضمن ما هو مسموح بالقطع الأجنبي ثم تعويضه بالقطع المحلي متدني القيمة انطلاقاً من الرهان على انهيار قيمة العملة، فيسترد قيمة بضائعه بالليرة في معادلة حسابية خاسرة تكون عطلت وأخّرت عملية الاستيراد من جهة، واستحوذت على أمواله بغير حق من جهة أخرى، مروراً برفع الدعم عن المحروقات التي كانت تستوردها من إيران بمقابل زهيد وتبيعها للشعب بمبالغ مرهقة، حتى صار راتب الموظف السوري يعادل غالون بنزين.

وفي إطار الاستحواذ على القطع الأجنبي، جرى إصدار مراسيم جمهورية وقوانين وعقوبات تجرّم التعامل بالدولار بين الأفراد وتصل عقوبة بعض تلك القوانين إلى السجن 20 عاماً، مع إغراق السوق السوداء بالدولار مرتفع القيمة عما هو عليه في البنك المركزي.

ويُشار هنا إلى أن تقارير اقتصادية عدة أعدتها شبكات معنية تحدثت عن نسبة تقارب الـ70 في المئة من السوريين في الداخل الذين يعتاشون على الحوالات الواردة إليهم من ذويهم في الخارج، ورأى المكتب السري وسيلة جباية جديدة وهي خفض قيمة الدولار في البنك المركزي مقابل السوق السوداء، وحصر تسلّم الحوالات بالليرة السورية، مما كان يمثل خسارة تصل أحياناً إلى 20 في المئة من قيمة الدولار الواحد، وذلك كان باب إثراء مهم لا يمكن تجاوزه.

قوانين على المقاس

"عام 2021 كان يمتلك الشاب معاذ السمح محلاً صغيراً لبيع الدخان، الوطني والمهرب، إذ إن كثيرين يدخنون سجائر أجنبية تصل إلى سوريا تهريباً من العراق ولبنان، وهي منتشرة في كل محال البيع تقريباً، لكن العبرة فيمن يقع"، هكذا وصف معاذ ما حصل معه ذاك العام، إذ داهمت محله دورية من الجمارك، وعثروا لديه على 10 صناديق صغيرة تحوي دخاناً غير وطني، ليُقتاد فوراً إلى الجمارك، وكما هو معمول به في القانون الجمركي كان يفترض أن يجري صاحب المحل تسوية فورية ويدفع ثلاثة أضعاف قيمة البضائع المصادرة ويخرج فوراً بعد عرضه على القضاء، وقيمة تلك البضائع لم تكُن إلا آلاف دولارات قليلة، لكنه فوجئ بنوع التسوية التي حصلت.

يقول معاذ "أوقفت أياماً عدة في الجمارك من دون عرض التسوية القانونية عليّ وإحالتي مباشرة إلى القضاء، بل تم تحويلي إلى فرع الخطيب، وهناك تلقيت بعض الإهانات لدى وصولي ولكنها لا ترقى للأمانة إلى أن تسمى تعذيباً وما إلى هنالك، فالغاية هنا هي المال، وليس الصراع على موقف، وبعد فترة توقيف تم التحقيق معي مرات عدة حول مصدر الدخان، وهم يعرفون سلفاً مصدره وكمية انتشاره، كنت علمت كما يعلم الجميع أني هنا من أجل تسوية مالية لإخراجي، ومع تأخر التسوية حينها قد أتعرض للتعذيب".

اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف أنه "أخيراً تم إبلاغي بتغريمي بمبلغ 100 ألف دولار تحت بند تهمة التلاعب بالأمن الاقتصادي، وكان الرقم كبيراً وصادماً، وحين سألتهم لماذا لا يتم تغريمي على أساس جمركي؟، قالوا.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ ساعة
منذ 4 ساعات
سي ان ان بالعربية منذ 5 ساعات
قناة العربية منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 10 ساعات
قناة الغد منذ 3 ساعات
قناة يورونيوز منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 10 ساعات
قناة العربية منذ 4 ساعات
قناة يورونيوز منذ 9 ساعات