يشكل انتخاب العماد جوزيف عون رئيسا جديدا للجمهورية في لبنان ترجمة عملية إضافية لنتائج الزلزال الجيوسياسي الذي ضرب منطقة الشرق الأوسط وأطاح في أقل من عام واحد بـ"الإمبرطورية" الإيرانية الإقليمية في لبنان وسوريا، وهز أركانها في كل من العراق واليمن. فمع انتخاب عون في لبنان، تخرج إيران بشكل كبير من لبنان. خصوصا أن الخطر يقترب من طهران نفسها، وذلك وفقا للقراءة الجيوسياسية الإيرانية التي تقول إن الخروج من الإقليم العربي الواقع تحت سيطرة المشروع هو بمثابة خروج من الحكم من طهران نفسها. كل ذلك مع اقتراب وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض أكثر حزما تجاه إيران من التي سبقتها. ومن هنا يمكن إدراج انتخاب عون رئيسا في سياقات الانقلاب الجيوسياسي الراهن.
خسارة إيرانية في 3 ساحات فقد كان لافتا التصريح الأخير الذي أدلى به الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حول قضية الأسرى المحتجزين من قبل حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية المقاتلة في غزة. اللافت أنه هدد "حماس" والمنطقة بأسرها بـ"الجحيم" في حال وصل إلى البيت الأبيض ولم تفرج الأخيرة عن الأسرى. المهم أنه لم يحصر الجحيم بـ"حماس" وحدها، بل توسع قائلا إن "الأمر لن يكون جيدا لأي كان"!
لم يمر هذا التصريح مرورا الكرام لأن معظم المراقبين المتابعين قرأوا التصريح بأنه تهديد غير مباشر لإيران نفسها.
يأتي ذلك بعدما بدأ غبار حرب عملية "طوفان الأقصى" يتبدد قليلا، وبدأ المشهد في الشرق يتضح مع انهيار مشروع إيران في كل من غزة، ولبنان، وسوريا، واهتزازه بشدة في العراق واليمن. فالخسارة في 3 ساحات من أصل 5 واضحة المعالم وراسخة. فبعد 40 عاما من الاستثمار في التوسع ومحاولة تدمير الكيانات العربية المجاورة لإيران ثمة انقلاب جذري في المشهد أحدثته حرب غزة التي أدت من حيث كان يحيى السنوار يدري أو لا يدري إلى تحطيم مشروع إقليمي عسكري، أمني، أيديولوجي ومذهبي أسهم في تدمير كيانات عربية وإغراقها في حروب أهلية. لذلك ثمة من يقول في أوساط شعبية عربية "شكرا يحيى السنوار" لأنك بمغامرتك في 7 أكتوبر فتحت الباب أمام إمكانية تدمير المشروع الإيراني الإقليمي الذي يتجاوز في خطورته أي مشروع إقليمي أو دولي آخر يستهدف منطقة الشرق الأوسط.
انتهت حرب لبنان وانهيار نظام الأسد في سوريا بكشف إيران بشكل كبير، وأظهرت نقاط ضعف مهولة أصابت البناء المؤسساتي الأمني والعسكري، وحتى التقريري. وإذا كان العديد من المراقبين المتابعين للوضع الإيراني يعتبرون أن بداية السقوط كانت يوم قامت الولايات المتحدة في مطلع 2020 باغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني" في مطار بغداد.
اغتيال حسن نصر الله بداية النهاية البعض الآخر يعتبر أن بداية الانهيار كانت في مايو 2024 لما سقطت المروحية التي كانت تقل الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي وهو عائد من منطقة حدودية مع أذربيجان. وثمة تقديرات أن إسرائيل هي التي اغتالت رئيسي ردا على الهجوم الإيراني الأول على إسرائيل في أبريل 2024 انتقامًا لمجزرة القنصلية الإيرانية في دمشق التي قصفت وأودت بحياة مجموعة من أكبر ضباط الحرس الثوري الإيراني في سوريا. وثمة من يربط الانهيار مباشرة بمجزرة "البيجر" التي أدت إلى ضرب المستوى اللوجيستي لـ"حزب الله"، آخرون يعتبرون اغتيال الأمين لعام للحزب حسن نصر الله لحظة الذروة في تحطيم المشروع الإيراني في المنطقة.
أياً يكن من حال فإن المشروع التوسعي الإيراني بات محاصرا، خصوصا إذا ما أخذنا بالاعتبار العقيدة الإيرانية التي تقول إن الخروج من غزة، وبيروت، ثم من دمشق وصنعاء (وربما من بغداد) هو المقدمة الطبيعية للخروج من طهران نفسها. النظام في إيران عصي على التحول إلى نظام طبيعي بمؤسسات دولة حقيقية. وكان سقط مشروع تصدير الثورة (الوحدة العربية) التي حملها الرئيس الراحل عبد الناصر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، نجد المنطقة مشرفة على اختبار سقوط مشروع تصدير الثورة التي أسس لها الأمام الخامنئي وجعلها الأداة الأساسية لحماية النظام وبقائه.
وقد يكون التعجيل المحموم في البرنامج النووي العسكري بهدف إنتاج القنبلة النووية الأولى هو السياج الأخير الذي يحاول المرشد علي خامنئي توريثه لمن سيأتي بعده. لكن من دون هذا الإرث يد الولايات المتحدة وحلف "الناتو" وإسرائيل الطولى! وقرب مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد يكون أسوأ خبر لإيران المضطربة جدا من جراء حجم خسارتها في المنطقة.
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد