أرجو أن يتسع صدر القارئ الكريم، لإلحاحي الدائم بالكتابة حول الحديث الإسرائيلي المتصاعد حول قوة الجيش المصري، ووجوده في سيناء، بشكل تراه مصر حماية لأمنها القومي، وتراه إسرائيل خطر يتهددها.. إذ أن الحديث المتكرر والمتصاعد حول جيشنا في سيناء يبعث على التوجس من نوايا إسرائيل، ورغبتها في أن تظل سيناء خالية من القوة العسكرية المصرية، في وقت تشتعل فيه الحدود حول مصر، من ناحية قطاع غزة، ورغبة الكيان الصهيوني التي لا تهدأ في تهجير أهل القطاع إلى شبه الجزيرة المصرية.. وخطر قد يأتي من ناحية سوريا، إذا قرر الأكراد في شمالها الشرقي، إخراج العشرة آلاف داعشي من سجونهم، وقد تكون سيناء وجهتهم.. ساعتها، ستجد إسرائيل مُبررًا لمحاولة اجتياح سيناء، بدعوى محاربة الإرهاب الداعشي، الذي يتهدد حدودها مع مصر.. صحيح، قد يكون ذلك سيناريو افتراضي، لكن علمتنا الأحداث، أن نُعد لكل احتمال ما يستوجبه من أسباب القوة وطرق المواجهة.
لا أقول ذلك، كوني مصريًا، وأن بلادي طرف في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، بل إن ذلك ما يراه المحايدون، من المحللين والمراقبين في أماكن كثيرة من العالم.. في مقال بعنوان (التوسع الطبيعي: إسرائيل تتجه نحو سيناء المصرية) Normalizing expansion: Israel sets its sights on Egypt's Sinai، يقول روبرت إنلاكش ـ المحلل السياسي والصحفي ومخرج الأفلام الوثائقية، الذي عمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعاش فيها كمراسل أخبار ومحلل سياسي، وأنتج عددًا من الأفلام الوثائقية ـ أن الاتهامات الإسرائيلية الساخرة والوقحة لانتهاكات مصر للمعاهدات في سيناء، تشير إلى أجندة أعمق، مما يثير المخاوف من المزيد من التوسع الإقليمي من قِبل تل أبيب، وتهديد متزايد للاستقرار الإقليمي.. ومع اتهام إسرائيل لمصر بالحشد العسكري في شبه جزيرة سيناء، وصلت التوترات بين الدولتين ـ المرتبطتين بمعاهدة التطبيع التي أُبرمت بينهما عام 1979 ـ إلى نقطة الغليان.. والآن يعمل المسئولون الإسرائيليون ومراكز البحوث المحافظة الجديدة المتحالفة معهم، على تصعيد الخطاب بشكل نشط، متهمين القاهرة بانتهاك معاهدة السلام، في حين يلمحون إلى طموحات تل أبيب للتوسع في الأراضي المصرية.
في سبتمبر 2024، نشرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن، تقريرًا يتهم مصر بمساعدة حماس عبر الأنفاق المؤدية إلى غزة، لتمكين حركة المقاومة الفلسطينية من بناء قدراتها العسكرية.. وهذه الاتهامات مُبالغ فيها، نظرًا للعداء المستمر بين القاهرة والمنظمات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.. وقد تناقضت هذه الادعاءات مع الوثائق الُمسربة مؤخرًا، والتي تُظهر الإجراءات التي اتخذتها مصر لتدمير أكثر من ألفي نفق، بين عامي 2011 و2015.. حتى أن كبار المسئولين العسكريين المصريين درسوا إمكانية بناء قناة مائية لتدمير هذه الشبكات تحت الأرض.. وفي سبتمبر أيضًا، اعترف المحلل العسكري الإسرائيلي، ألون بن ديفيد، على قناة 13 الإخبارية، بأنه (لم يتم العثور على نفق مفتوح واحد في الأراضي المصرية.. ولم يتم اكتشاف نفق واحد صالح للاستخدام تحت ممر فيلادلفيا).
لكن مزاعم تل أبيب لم تتوقف عند هذا الحد، إذ اتهم السفير الإسرائيلي السابق في مصر، ديفيد جوفرين، القاهرة بانتهاك معاهدة التطبيع، من خلال تعزيز وجودها العسكري في سيناء.. ونقلت صحيفة (يديعوت أحرونوت) عنه قوله، (بعد كل هذه السنوات، وحتى بعد السابع من أكتوبر 2023، تظل هناك تساؤلات حول اعتراف مصر الحقيقي بإسرائيل داخل حدودها عام 1948).. في السابع من يناير الحالي، طالبت دولة الاحتلال مصر رسميًا بتقديم تفسيرات بشأن أنشطتها العسكرية في سيناء، مشيرة إلى انتهاكات المعاهدة المتعلقة بنزع السلاح.. وانضمت الولايات المتحدة، التي توسطت في معاهدة عام 1979، إلى إسرائيل، فحجبت خمسة وتسعين مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر.. وهو تكتيك متكرر يُستخدم للضغط على القاهرة.. ثم أعادت واشنطن توجيه تلك الأموال إلى القوات المسلحة اللبنانية، في تكرار لتخفيضات مماثلة عام 2023، عندما تم تحويل المساعدات المتجهة إلى مصر إلى تايوان.. وترتبط هذه الخطوة بضغوط مكثفة على بيروت، بهدف إرغامها وتحفيزها على الامتثال لنفوذ الولايات المتحدة على شئونها الداخلية، وخصوصًا مع الرئيس المنتخب حديثًا، جوزيف عون.
في عام 2005، وبعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة إلى محيطه، تم التوصل إلى اتفاق يسمح لسبعمائة وخمسين من أفراد الأمن المصري بدخول المنطقة (ج) من شبه جزيرة سيناء.. في ذلك الوقت، عارض يوفال شتاينتس، رئيس لجنة الشئون الخارجية والدفاع في إسرائيل آنذاك، الاتفاق بشدة، ووصفه بأنه (يوم أسود)، وحذر بقوله، (نحن ندعو القطة إلى الاحتفاظ بالكريمة.. هذا عمى رؤية أصاب الحكومة، التي تتخلى عن نزع السلاح من سيناء، في مقابل طبق من المجاملات والإيماءات).. ومنذ ذلك الحين، قدمت القاهرة مئات الطلبات لنشر قوات ومعدات إضافية في سيناء، وافقت تل أبيب على معظمها، خصوصًا بعد صعود التهديد التكفيري عام 2013.
في أعقاب عملية طوفان الأقصى، بدأت العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تتدهور بشكل ملحوظ.. اقترحت دولة الاحتلال في البداية، أن تُسهل مصر على إسرائيل عملية التطهير العرقي التي تنفذها في قطاع غزة، من خلال الطرد الجماعي لسكان غزة إلى سيناء، وإنشاء منطقة عازلة بين غزة وفلسطين المحتلة.. وهو ما رفضه الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل قاطع، مما أدى إلى المزيد من التوترات بين القاهرة وتل أبيب.. وبحلول أوائل 2024، كثَّف جيش الاحتلال غزوه لغزة، حيث أشار رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى شن هجوم على رفح، أقصى مدينة في جنوب غزة.. وسارعت مصر إلى إصدار تحذيرات ضد أي محاولة لاستعادة ممر فيلادلفيا، وهي منطقة حدودية تفصل مصر عن غزة، بحجة أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تنتهك معاهدة التطبيع لعام 1979.
وفي تصعيد دراماتيكي، في السادس من مايو، شنت إسرائيل هجومها على رفح، في نفس اليوم الذي وافقت فيه حماس على اقتراح وقف إطلاق النار.. وقد أثار هذا الهجوم، الذي شمل الاستيلاء على معبر رفح وممر فيلادلفيا، إدانة، حتى من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، الذي وصفه بأنه (انتهاك صارخ لاتفاقية السلام مع مصر).. وعلى الرغم من التهديدات من القاهرة بإلغاء المعاهدة، كان رد فعل الرئيس السيسي الأساسي، هو الانضمام إلى قضية جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، متهمًا إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة.. وعندما دخلت الدبابات الإسرائيلية معبر رفح لأول مرة، قامت بتدمير المنطقة.. وفي وقت لاحق من نفس الشهر، اندلع اشتباك، وقتل جنود إسرائيليون جنديًا مصريًا.. ثم شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية في يونيو ضد أهداف عند المعبر.
في العام الماضي، ألقت وثائق ـ تم الكشف عنها في الأرشيف الوطني البريطاني ـ الضوء على الحملة التاريخية التي شنتها إسرائيل لإضفاء الشرعية على مطالبها بشبه جزيرة سيناء.. فخلال احتلال إسرائيل لسيناء في أعقاب حرب عام 1967، قامت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل ومراكز الأبحاث في الغرب، بنشر روايات لنزع الشرعية عن السيادة المصرية على المنطقة الاستراتيجية.. وبعد.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الدستور المصرية