في 24 مايو الفائت، أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً أعلنه رئيسها نواف سلام، تأمر فيه إسرائيل بوقف هجومها العسكري على رفح فوراً أو أيّ أعمال أخرى، استناداً إلى الخطر المباشر الذي يشكّله هذا الهجوم على مئات آلاف من المدنيين الفلسطينيين، بعدما لم تُعطِ إسرائيل معلومات كافية عن إجراءاتها المفترضة لحماية المدنيين هناك، كما أنها لم تُقنع قبل ذلك حليفتها الولايات المتحدة بوجود إجراءات حقيقية على هذا الصعيد.
نواف سلام حاسب إسرائيل
لذا أمرت المحكمة إسرائيل بفتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وذكر رئيس المحكمة القاضي نواف سلام في البيان الذي تلاه: "اعتبر أنّ الإجراءات المؤقتة التي أقرّتها المحكمة في شهر مارس الماضي، والتي تطلب من إسرائيل اتخاذ إجراءات معيّنة لحماية المدنيين، لا تستجيب تماماً للتطوّرات الأخيرة".
وفي المقابل، دعا رئيس المحكمة إلى إطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة فوراً ومن دون شروط، وقال: "من المقلق للغاية أن الأسرى الإسرائيليين ما زالوا محتجزين في غزة".
ما تقدَّم كان أول أمر تصدره المحكمة في شأن الحرب في غزة، وكان من شأنه زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل بشكل كبير لوقف القتال الأخير في غزة. على الرغم من أن قرارات محكمة العدل الدولية لا يمكن أن تمتلك أداة تنفيذية ما، إلا من خلال مجلس الأمن.
كل ما تقدّم من جهود، الفضل في التوصل إليها، يعود إلى القاضي نواف سلام الذي سمَّاه 84 نائبًا لتشكيل حكومة العهد الأولى، لكن المفارقة أن من حاكم إسرائيل وأصدر حكمًا في حقها، رفضه ثنائي "حزب الله أمل"، فكيف يرفضون مَن قاتل إسرائيل بسلاح أمضى من السلاح الذي استخدموه، ولم يجر سوى الويلات والخسائر على لبنان؟ نواف سلام استخدم سلاح العدالة الدولية الذي أوجع إسرائيل، أكثر مما أوجعتها صواريخ الحزب!
اتفاق الطائف الزلزال الكبير برفضِ "حزب الله" وحركة "أمل" تسمية القاضي نواف سلام، يكونان يعاقبانه، أليست إسرائيل مَن تريد أن تقوم بهذا الدور؟ أو تغتبط لمَن يقوم به؟
لا تفسير لِما قام به "حزب الله"، ومعه حركة "أمل"، سوى امتعاضهما من طريقة التسمية، بعدما كان أعطيا الرئيس ميقاتي وعدًا بأنهم سيسمونه، وبعدما عمِل الرئيس بري على تجميع الأصوات له، فحاول إقناع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط بأن تصوت كتلة اللقاء الديمقراطي لميقاتي، كما حاول إقناع نواب مستقلين بأن يعطوا اصواتهم لميقاتي أيضًا.
أبعد من تجميع الأصوات، فإن ما يجري يمكن اعتباره انقلابًا على الانقلاب على الطائف، فمؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في مدينة الطائف في خريف 1989، ونتج عنه اتفاق عُدٍّل الدستور بموجبه، جرى الإنقلاب عليه، سوريًا أولًا وإيرانيا لاحقًا، ولم يعد أحد من اللبنانيين يجرؤ على ذِكر اتفاق الطائف، خشية أن يلقى ردة فعل عنيفة من الجانب السوري الذي كان يحتل البلد.
يروي النائب والوزير السابق مروان حمادة أنه في أحد اجتماعات لجنة صياغة البيان الوزاري لأحدى حكومات الرئيس رفيق الحريري، وكان حمادة عضوا فيها، عمد إلى إضافة جملةً تتحدث عن استكمال تنفيذ بنود اتفاق الطائف، قال الرئيس الحريري لحماده: "مروان، الظاهر ناوي تروِّحنا". ويتابع حماده : "كان المقصود أن نزيل هذه الجملة من البيان، لأن السوري كان يرفض أن يذكَر".
اليوم، تعود الحياة إلى اتفاق الطائف، وهذا هو التحول الكبير، وهذا هو الزلزال الذي لم تُعرَف أضراره فعليا بعد لأنه لم ينفذ.
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد