شبكة معقّدة من رجال الأعمال والشركات التجارية شكّلت عماد اقتصاد نظام الأسد يعود بعض أركانها اليوم إلى الواجهة مجدداً، ما بات يثير تساؤلات النشطاء حول معايير العدالة والمحاسبة لدى الإدارة السورية الجديدة.
العديد من العائلات والشركات في سوريا التي أدارت اقتصاد الظل في عهد الأسدين باكتساب الثروة والنفوذ في البلاد عبر أنشطة غير مشروعة أو استثناءات سلطوية، تبحث اليوم عن أبواب للولوج إلى السلطة الحالية.
عودة رجال أعمال مرتبطين بالأسد تناقلت حسابات ومنصّات إخبارية أنباء حول قيام أحد أركان النظام السابق واليد الاقتصادية الضاربة لماهر الأسد، شقيق الرئيس الفار، بتسوية وضعه مع السلطة الجديدة من خلال دفع مبلغ خيالي مقابل العودة إلى البلاد والاستمرار في نشاطه التجاري.
كما صرّح وزير النفط في الإدارة الجديدة أن حكومته تنظر في مصير شركة عملاقة في قطاع النفط وليدة الحرب وكانت الوسيط بين دمشق و"داعش" ومن ثم دمشق و"قسد" ووسيلة للالتفاف على العقوبات، ما فسّره البعض بإمكانية التوصّل إلى تسوية هي الأخرى.
بينما ينتظر العديد من رجال أعمال الأسد والمدرجين بقوائم العقوبات الأوروبية والأميركية دورهم في إجراءات التسوية.
في هذا السياق، قال مصدر اقتصادي سوري طالبا عدم الكشف عن هويته في حديثه إلى منصة "المشهد" إنه "استنادًا إلى نهج الإدارة الجديدة بشكل عام، تتم محاسبة الأفراد الذين تلطخت أيديهم بالدماء، ولا توجد تسوية لرجال الأعمال الذين مولوا آلة الحرب. سيتم التعامل معهم كما يُعامل الضباط والعسكريون الذين ارتكبوا المجازر".
ويضيف المصدر قائلاً: "يجب إعداد قائمة بأسماء هؤلاء الأفراد للتعامل مع كل حالة على حدة. الأموال التي سيعود بها رجال الأعمال بالتأكيد ستساهم في دعم الاقتصاد السوري، ولكننا نتحدث هنا عن الفئة التي لا تستدعي المحاسبة والتي لم تتلطخ أيديها بالدماء".
رجال الظل يشكل رجال الأعمال ورجال اقتصاد الظل المرتبطين بنظام بشار الأسد جزءاً أساسياً من الشبكة الاقتصادية التي دعمت النظام خلال سنوات الحرب. هؤلاء الأفراد يملكون شركات ومصالح تجارية في قطاعات إستراتيجية مثل النفط والبناء والتجارة، وقد استفادوا من العقوبات الدولية المفروضة على النظام عبر إنشاء شبكات تجارية غير رسمية لتجاوز هذه العقوبات.
وكان دورهم محوريًا في نقل الأموال وتوفير الموارد اللازمة لاستمرار النظام، كما عملوا كحلقة وصل بين الدولة السورية والأسواق العالمية. العديد منهم شاركوا في صفقات مشبوهة وأعمال فساد، مما جعلهم عرضة للانتقادات المحلية والدولية، حيث اتهموا بتعميق معاناة الشعب السوري واستغلال ثروات البلاد لصالح مصالحهم الشخصية.
أوضح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في الإدارة الجديدة باسل عبدالحنان أنه لن تتم مصادرة أموال رجال الأعمال المتورطين في علاقات مع نظام الأسد. وأضاف: "فوجئنا بعدد الشركات التي تربطها شراكات مشبوهة مع النظام السابق، والتي تصل إلى المئات، لذا قررنا فصل الشركات المرتبطة بالنظام عن ملاكها". وتابع قائلاً: "ما يهمنا هو استئناف عمل الشركات المرتبطة بالنظام السابق بشكل كامل، لا سيما في القطاعات الإستراتيجية والخدمية، وكذلك عودة العمال إلى هذه الشركات".
في هذا السياق، يشرح د.عبدالرحمن محمد نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماه لـ"المشهد" أنه "من الواضح أن الإدارة السورية الجديدة تتمتع بخبرة كبيرة وقدرات قيادية وإدارية ناضجة، وهي ليست نتيجة فترة زمنية قصيرة فقط".
ويرى محمد أنه "من غير الممكن أن تقوم هذه الإدارة بأي مصالحة مع رجال الأسد من رجال الأعمال، خاصة أولئك الذين حصلوا على ثرواتهم بطرق غير قانونية وأسهموا في تدمير الاقتصاد الوطني، مما جعل أكثر من 90% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر".
مواضيع ذات صلة غضب شعبي أنباء التسوية لاقت استهجاناً واسعاً من قبل سوريين اعتبروا الشعبوية معياراً للعدالة في البلاد حيث تتم ملاحقة وحتى الاقتصاص من فنانين ومثقفين ومسؤولين عاديين لإرضاء الشريحة المطالبة بالمحاسبة، مقابل التغاضي والصفح عن تجار وأمراء حرب ارتبطت أسماؤهم بتشكيل ميليشيات وتجنيد مقاتلين وتأسيس علاقات طائفية ومالية وسياسية.
في المقابل، يجادل آخرون باستحالة اقصاء تلك العائلات التي راكمت الثروات على مدى عقود في ظل اقتصاد منهار كحال الاقتصاد السوري، داعمين النهج البراغماتي الذي تسلكه الإدارة السورية الجديدة.
وفي هذا الإطار، عبر العديد من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي عن استغرابهم من التساهل مع بعض الأشخاص دون غيرهم، بعضهم مرتبط بشكل مباشر مع النظام السابق، وكانوا على صلة مباشرة معه أو مع زوجته أسماء الأسد.
ويعبر البعض عن قلقهم من أن عودة رجال الأعمال المتورطين في الفساد قد تؤدي إلى تدهور السلطة الجديدة، مما يجعلها شريكة في فسادهم.
وحول ذلك يشير محمد إلى أن "الشارع السوري عاش معاناة شديدة من مرارة العذاب والتشرد، وواجه كافة صعوبات الحياة".
ويضيف:
هذه التجربة كانت صعبة وطويلة، ولا يمكن تجاهلها.
الجميع الآن يسعى لحياة حرة وكريمة، ولإعادة إعمار سوريا تحت قيادة حكيمة وعادلة.
من الممكن التسامح مع بعض الأشخاص من الذين قد يُسمح لهم بالعودة بعد استعادة الحقوق.
على المستوى الدولي، هناك توجه نحو إعادة بناء سوريا كدولة هادئة في منطقة خالية من القتل والتدمير.
الهدف هو إزالة مظاهر الفساد وإعادة الواجهة الحضارية التي تليق بسوريا.
ويختتم محمد حديثه قائلا: "ستكون هناك تأثيرات إيجابية على الاقتصاد السوري بعد تشكيل لجنة من الخبراء الاقتصاديين والقانونيين والفنيين. وستكون مهمة هذه اللجنة حصر الأموال التي تم نهبها من قبل هؤلاء الأفراد خلال الفترة الماضية وإعادتها إلى خزينة الدولة من جهة. بعد ذلك، سيتم السماح لهم بالعودة كمستثمرين ومساهمين في عملية إعادة الإعمار من جهة أخرى".
(المشهد )
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد