حقق الأستاذ أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حلما بعيدا، انتظره مستمعو إذاعة القرآن الكريم عدة عقود، فقد خلصهم من ازدحام الأثير، بعشرات الأصوات التي لم تكن يوما أهلا للبث الإذاعي، ولا كانت تستحق أن تُقطع لها الأوقات على حساب القراء الكبار بحق، الذين شادوا صرح التلاوة المصرية في القرن الماضي، وكانوا السبب الرئيس لانتشار المدرسة المصرية القرآنية في جميع أنحاء العالم.
ونعني بالقراء الكبار، تلك الثلة التي اعتمدت إذاعيا بين عامي 1934 و1954. أو هم الأسماء التي تزين قائمة تبدأ بالشيخ محمد رفعت، أول القراء الإذاعيين، وتنتهي بالشيخ محمد صديق المنشاوي، آخر أصحاب الأصوات العبقرية التحاقا بالإذاعة. وبين التاريخين، أو بين الاسمين، تتضمن القائمة أعلاما كبار، حتى وإن تفاوت تأثيرهم وجماهيريتهم، ومستوى تألقهم الأدائي، لكنهم يشتركون جميعا في الانتماء إلى مستوى الأداء الرفيع الممتاز، مع حلاوة صوت استثنائية.. هذه القائمة لا تزيد عن 25 قارئا، أو 30 على أكثر تقدير مع احتساب أعلام المنشدين.. ومنذ العام 1954، توقف ظهور الأصوات من هذا المستوى الرفيع، وبدأ الرسم البياني في الهبوط التدرجي.. نعم، جاء بعد ذلك قراء ممتازون، لكنهم ليسوا بهذا المستوى بأي حال، ثم توقف ظهور الممتازين، وانخفض منسوب الجيدين.. ومع وفاة الكبار من القدماء، ووهن من امتد به العمر منهم، اتسعت الساحة الإذاعية قليلا لمستوى آخر من القراء، لا هو من العباقرة الاستثنائيين، ولا من الممتازين.. أمسى "العاديون" سادة الموقف: قارئ عادي، صوته مقبول، وأداؤه سليم، لا يزعج ولا يطرب، لا تعرفه الجماهير الواسعة، ولا يعرف اسمه إلا المنقطعون لاستماع التلاوات، لا بسبب أي ميزة فيه، ولكن بسبب تكرار اسمه في الراديو.
لكن بعد أن انتصف عقد الستينات، بدأ يلوح في الأفق أول انحراف عن السمت الموروث، والنمط الكلاسيكي القديم، من خلال بعض الشيوخ الذين استطاعوا أن يجتازوا اختبارات الإذاعة، وفي السبعينات أيضا، بدأ الضعف الواضح يهيمن على لجان اختبار القراء، ليس بضعف أشخاصها فحسب، ولكن بالتراخي المتسارع في تطبيق قواعد الانتقاء الصارمة، وقيم الفرز التي لا تجامل ولا تحابي، ولا تسمح لفاسد بأن ينتفع من فساده.. كان هذا الضعف الباب الأكبر لكل ما أصاب فن التلاوة في السنوات والعقود التالية، وأصبح في حكم المؤكد أن فن التلاوة دخل أزمة بالغة العمق.
مع دخول عقد الثمانينات، كان الأداء الشعبي "السوقي" قد هيمن على "دولة التلاوة"، وسرادقات العزاء والمحافل، حتى لو كان القارئ معتمدا إذاعيا، وأصبح رموز هذا الأداء قادرين على الوصول إلى الإذاعة والتليفزيون، لتسمعهم الجماهير في تلاوات الفجر وصلاة الجمعة والاحتفالات الدينية.. مات معظم القراء الكبار، ومنع الوهن صوت من بقي منهم.. ثم تسارعت وتيرة الانحدار في التسعينات، ومع دخول الألفية الجديدة بدا "المشهد الإقرائي" عبثيا، واستخدم المشايخ الجدد مواقع التواصل للترويج لأنفسهم، وأصبح من النادر أن تجد واحدا منهم دون لقب، يروج له السماسرة ومصورو المحافل والسرادقات. وترتب على ذلك أن ساءت سمعة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق