في أول قراراتها الإدارية سياسية الطابع، أعلنت الإدارة الجديدة في سوريا منع حاملي الجنسيتين الإسرائيلية والإيرانية من دخول البلاد، حسب ما نقلته مصادر سورية.
تظهر الخطوة على أنّها سياسية في شكلها، وتشير إلى موقف قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع من إيران، التي صنّفها كدولة معادية إلى جانب إسرائيل، لكنّ أبعادها تتجاوز لتشمل نواح اقتصادية واجتماعية ودينية.
منع دخول الإيرانيين إلى سوريا أفاد مصدر في مطار دمشق لوكالة "فرانس برس"، أنه تم إبلاغ شركات الطيران التي تُسيّر رحلات إلى دمشق حالياً بعدم نقل مواطنين يحملون الجنسيتين الإسرائيلية والإيرانية.
القرار بشكله الحالي يحول دون زيارة مئات آلاف الإيرانيين للعتبات الدينية التي تحظى بقدسية كبيرة لدى الطائفة الشيعية كما حال مقام السيدة زينب والسيدة رقيّة في دمشق والمشهد في حلب وغيرها، والتي استغلّها رئيس النظام السابق بشار الأسد كوسيلة للحصول على النقد الأجنبي من خلال حصر هذه الزيارات بشركة سياحة دينية مرتبطة به بشكل مباشر.
كما أن تفاصيل أخرى متعلّقة بمصير السوريات المتزوجات من إيرانيين والروابط الاجتماعية بين شيعة سوريا وإيران بشكل خاص لا تزال مجهولة حتى الساعة.
في هذا السياق، يقول المحلل السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديث إلى منصة "المشهد" إنه:
من الضروري لأي حكومة جديدة أن تدرس تجارب الدول الأخرى، سواء كانت ناجحة أو فاشلة، لتجنب تكرار الأخطاء. التجربة المصرية في عهد محمد مرسي، وفتحها الباب أمام النفوذ الإيراني تحت غطاء الزيارات الدينية، تقدم درساً مهماً عن مخاطر استغلال بعض الدول لهذه النوافذ لتحقيق أجنداتها السياسية والعسكرية.
سوريا اليوم تقف أمام واقع سياسي معقد للغاية. النفوذ الإيراني في سوريا ليس مجرد مسألة دينية أو زيارات للعتبات، بل هو جزء من شبكة أوسع تشمل تدخلات عسكرية، ميليشيات على الأرض، وشبكة نفوذ سياسي واقتصادي. الحكومة السورية إذا أرادت حماية سيادتها، لا بد أن تكون لديها خطة واضحة لموازنة هذه التدخلات دون صدام مباشر قد يؤدي إلى أزمات أكبر.
تجدر الإشارة إلى أن الرحلات الدولية إلى مطار دمشق قد استؤنفت في 7 يناير الجاري، بعد حوالي شهر من الهجوم المفاجئ الذي شنته الفصائل المسلحة المعارضة والذي أسفر عن الإطاحة بنظام الأسد.
من جهته، يشرح المحلل السياسي د.عامر سبايلة لـ"المشهد" أن "هذه الخطوة يمكن تفسيرها كمحاولة من الإدارة الجديدة لإعادة تحديد الجغرافيا السورية بعيداً عن فكرة الصراع بالوكالة التي كانت سائدة في الفترة الماضية. سوريا كانت تُعتبر إحدى أهم الجبهات بالنسبة لإيران، لارتباطها اللوجستي والعملياتي مع لبنان".
ويتابع سبايلة:
اليوم، تسعى الإدارة الحالية إلى تجريد الإيرانيين من الأوراق المرتبطة بالجغرافيا السورية، وهو أمر يُعتبر مهماً لإظهار أن سوريا لم تعد جزءًا من معادلة التوظيف الإقليمي في هذا الصراع.
هذا التوجه ينسحب أيضاً على إسرائيل، التي تُعتبر شريكاً في استهداف هذه الجغرافيا. ورغم ذلك، يمكن التراجع عن هذه الخطوة ضمن ضمانات وترتيبات مستقبلية، وهو ما يبدو أنه قيد الدراسة حالياً.
قرار شعبوي؟ منذ سقوط الأسد، أظهرت إيران رغبتها في إبقاء قنوات تواصل وتفاهم مع الإدارة الجديدة، وعبّرت عن ذلك صراحة على لسان مسؤوليها.
البعض رأى في قرار منع دخول الإيرانيين خطوة لكسب شعبية الناقمين على إيران من مواقفها الداعمة للأسد، فيما اعتبرها آخرون خطوة استباقية لمنع طهران من المطالبة بأي ديون أو مستحقات مالية من زمن الحكم السابق، الذي سهل دخول الإيرانيين إلى سوريا بشكل مستمر خلال السنوات الماضية، خصوصا في ظل العلاقة الوثيقة بين البلدين.
وقبل أيام، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن إعادة فتح السفارة الإيرانية في سوريا تعد من أولوياتنا، مشيراً إلى أن "الديون المستحقة لطهران على نظام الأسد ستسددها الحكومة السورية الجديدة". وأضاف بقائي أن "إعادة فتح سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا مدرجة على جدول أعمالنا، وسينفذ هذا الإجراء حالما تتوافر الشروط اللازمة".
ويرى عبد الرحمن أنه "في المستقبل يمكن فتح الباب للزوار الإيرانيين بعد استقرار الأوضاع، لكن يجب أن تكون محدودة ومضبوطة بحيث لا تتحول إلى أداة لزعزعة استقرار الدولة أو تأسيس (جيش موازٍ)، كما حدث في مصر".
وحول منع الإسرائيليين من دخول سوريا وموقف الإدارة السورية الجديدة من ذلك يشير عبد الرحمن إلى أنه "حتى الآن، لم يظهر أي مؤشر واضح على رغبة الحكومة السورية في السير باتجاه التطبيع مع إسرائيل، خصوصاً في ظل التوترات المستمرة ووجود قضايا مثل الجولان. ومع ذلك، قد تكون هناك تفاهمات غير مباشرة أو رسائل تطمين على المستوى الأمني، وهو أمر تقبله إسرائيل إذا كان يخدم استقرار المنطقة".
مواضيع ذات صلة
سوريا ساحة صراع طوال العقد الماضي، سوريا كانت ساحة صراع دولي بارز بين إسرائيل وإيران. فمن جهة، كانت إيران ترى في سوريا حلقة حيوية ضمن مشروعها الإقليمي، حيث تستخدمها كمنفذ لربط نفوذها من طهران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، مما يمنحها ميزة لوجستية وعسكرية تدعم حلفاءها.
ومن جهة ثانية، نظرت إسرائيل إلى الوجود الإيراني في سوريا كتهديد مباشر لأمنها القومي، ونفّذت مئات الغارات الجوية على مواقع إيرانية وأخرى تابعة لـ"حزب الله" داخل سوريا، بهدف منع طهران من تعزيز وجودها العسكري وتطوير قدراتها الهجومية في المنطقة.
ويعلق سبايلة على ذلك بالقول إن "الإيرانيين يدركون أنهم يواجهون اليوم عملية إخراج تشمل ليس فقط النفوذ العسكري، بل أيضاً التأثير الدبلوماسي والسياسي في المنطقة. في هذا السياق، تسعى إيران للتأقلم مع هذا الواقع الجديد ومحاولة إعادة بناء علاقات متوازنة مع الأطراف الأخرى".
ويلفت سبايلة إلى أنه "من المحتمل أن يشمل ذلك إعادة التفكير في العلاقات مع إسرائيل، خصوصا مع تزايد وجودها وتأثيرها داخل الجغرافيا السورية. قد يصبح التفاوض مع إسرائيل ضرورة مستقبلية لإعادة ترتيب الوضع الأمني في المناطق الحدودية".
ويختتم سبايلة "الرسائل الصادرة من دمشق حتى الآن تشير إلى أن الإدارة الجديدة لا تسعى لفتح صراع مع إسرائيل، مما يفتح المجال لإمكانية وجود مفاوضات مستقبلية تسعى لتحقيق استقرار أمني وسياسي في المنطقة".
(المشهد)
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد