وصلت حصة الأفراد من تداولات أبرز 10 أسواق مالية عربية عام 2024 إلى نحو 44% من أصل إجمالي قيمة التداولات الذي تجاوز 736 مليار دولار، حسب ما كشفه رامي الدكاني الأمين العام لاتحاد أسواق المال العربية لـCNN الاقتصادية، معرباً أن مساهمة الأفراد في أسواق رأس المال لا تزال متواضعة مقارنة بعدد سكان المنطقة الذي تجاوز وفق تقديرات البنك الدولي لعام 2023، 481.6 مليون شخص.
ونوه رامي بأن المستثمرين الأفراد لا يتفقون على المؤسساتيين من حيث حجم التداولات، إلّا أنهم الأكثر نشاطاً وعدداً، حيث وصل عددهم إلى 11.5 مليون من أصل 11.7 مليون مستثمر عام 2023، معتبراً ذلك عاملاً مهماً للبنية الأساسية للبورصات.
وشهدت البورصات العربية خلال السنوات الماضية تطوراً ملحوظاً في زيادة المشاركة الفردية في الاستثمار بظل نمو الوعي المالي وتوسع التكنولوجيا المالية وزيادة الفرص الاستثمارية المتاحة عبر الأسواق المحلية والإقليمية.
تأثير المستثمرين الأفراد
أفاد محمد الفراج رئيس أول إدارة الأصول لدى أرباح المالية، بأن إدماج الأفراد في منظومة أسواق المال هو أمر بالغ الأهمية كونه مرآة لاقتصاد الدول لما يؤمّنه من حماية لرأس المال ولقيمة المحافظ الاستثمارية والثروات إلى جانب دوره في تشجيع وتحفيز الاقتصاد.. ويستفيد الأفراد كذلك من خلال تعزيز النقد لديهم عبر جني فوائد جيدة على المدى القصير والطويل الأجل شريطة توظيفها بطريقة صحيحة، حيث سيجد المستثمر الفرد «ملاذاً آمناً في الأسواق وأسماء الشركات ذات القيمة». وبرأي دكاني حتى لو إن استثمارات الأفراد لديها تأثير محدود على تحريك أسواق المال إلّا أنها مهمة كونها توفّر سيولة متتابعة أو مستدامة للأسواق وإدماج الأفراد فيها هي من الخطوات المهمة لتحقيق الشمولية للخدمات المالية وتشكّل فرصاً استثمارية مهمة لا سيما بالنسبة للدول التي يعاني اقتصاداتها التضخم، مستشهداً بالسوق المصرية والأردنية والتونسية، حيث تلعب البورصات دور الملاذ الآمن للاستثمارات الفردية. وتفيد بيانات سوق أبوظبي المالي لـCNN الاقتصادية، أن عدد المستثمرين الأفراد وصل عام 2024 إلى 1.16 مليون مستثمر، أي بنمو بلغ نحو 11% عن العام الأسبق، كما نمت مساهمة الأفراد خلال الخمس سنوات الماضية بنسبة 330% من حيث قيمة التداولات ونحو 433% من حيث حجم التداولات. ووفق بيانات سوق دبي المالي لـCNN الاقتصادية، فقد بلغ عدد المستثمرين الأفراد الذين يسهمون بنسبة 35% من إجمالي نشاط التداول نحو 1.1 مليون مستثمر من أصل إجمالي 1.2 مليون مستثمر في العام الماضي. وتستحوذ سوق دبي المالي على ثُلث تدفقات المستثمرين الأفراد في الطروحات الأولية، حيث لعب هؤلاء دوراً متزايداً في نجاح الطروحات العامة الأولية الأخيرة برزت في زيادة تخصيص شريحة الأفراد؛ ففي طرح "سبينيس" زادت الشريحة من 5 إلى 7% ومن 10% إلى 12% في طرحي «باركين» و«تاكسي دبي».. ويُعزَى ذلك إلى دور المنصات الرقمية كتطبيق Ivestor وبرنامج تطوير الطروحات الأولية. وأفاد إبراهيم النويبت الرئيس التنفيذي لقيمة كابيتل، بأن استثمارات الأفراد في سوق الأسهم تؤدي إلى تكوين تكتلات ملكية، حيث يصبح للمستثمرين الأفراد مجتمعين تأثير أكبر على قرارات الشركات من خلال التصويت في الجمعيات العمومية الذي يسهم في فرز سياسة جديدة للشركات تتماشى مع مصالح هؤلاء المستثمرين لجهة زيادة الشفافية وتحسين توزيعات الأرباح، ولفت إلى أن طفرة وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت إلى حد كبير في بناء مثل هذه التكتلات. ويتطلب إدخال الأفراد براي الفراج تحول الوعي لديهم والعبور من مفهوم المضاربة إلى ثقافة الاستثمار والادخار والذي اعتبرها دعامة أساسية في توسيع قاعدة المستثمرين الأفراد وتكثيف التعاون والتنسيق مع أصحاب المصلحة كافة. ثقافة الاستثمار والادخار وصف إبراهيم النويبت الثقافة الاستثمارية العربية بالحذرة كون المستثمرين يفضّلون الأصول الملموسة كالأصول العقارية، لكنه رأى تحولاً بارزاً في هذه الثقافة التي رشّحها للنمو بفضل التسهيلات التي تقدّمها البورصات والوعي المتزايد لدى الأفراد. ورأى النويبت أن الأمر مرهون بثقافة الأسواق أكثر من الثقة بأسواق رأس المال العربية، موضحاً أن أفضل وقت للاستثمار هو عند الاكتتاب، وأن بعض المستثمرين يتجنبون الدخول في أسواق الأسهم اعتقاداً منهم أن السهم وصل إلى مراحل تضخم في السعر، وأنهم لن يحققوا العوائد المرجوة عند الاكتتاب. ولكن مع الزخم الذي تشهده سوق المنطقة وتحديداً الخليجية منها في عمليات الإدراج، حيث وصل عدد الإدراجات في السوق الموازية في المملكة إلى 100 إدراج خلال السنوات القليلة الماضية، رأى النويبت في ذلك فرصاً كبيرة لدخول الأفراد وعمقاً للأسواق لا سيما وأن القوانين تخصص 10% من الاكتتابات إلى الأفراد في السوق الأولية مع حسر إمكانية الدخول إلى السوق الموازية عبر مستثمرين مؤهلين. أكبر اللاعبين أوضح رامي الدكاني أن تداول السعودية والبورصة المصرية تشهد زخماً قوياً في نسب تداولات الأفراد على مدى السنوات الخمس، واصفاً المستثمرين الأفراد في البورصة المصرية بالأكبر حجماً والأكثر شراسة. واعتبر الدكاني أن هذا سيفاً ذا حدين، حيث يدفع الطمع المفرط إلى عمليات شراء مضاربيه، بينما يؤدي الخوف الشديد إلى بيع بدافع الذعر، ويدفع تأثير مؤشر الخوف والطمع على المستثمرين الأفراد بتعزيز السلوك العاطفي بدلاً من اتباع استراتيجية طويلة الأجل ومنضبطة. وأفاد إبراهيم النويبت بأن مشاركة الأفراد تنمو بشكلٍ مطّرد، حيث زادت المحافظ الاستثمارية للأفراد على سوق تداول بنحو 400 ألف محفظة خلال الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وعزا النويبت سبب ذلك إلى التسهيلات والأتمتة التي انتهجتها تداول السعودية، ما سهّل تعامل المستثمرين الأفراد واستيعاب رؤوس الأموال الصغيرة. ورأى محمد الفراج أن حزمة من التسهيلات أدخلتها تداول أبرزها استحواذ «وامض» الذراع الابتكارية للحلول الرقمية والتكنولوجيا المالية لمجموعة تداول، بهدف تطوير البنية التحتية الرقمية للسوق المالية السعودية، على شبكة مباشر المالية، والتي اعتبرها أنها خطوة تحولية تسهّل دخول المستثمرين الأفراد. إلى جانب تحفيز الإقبال على الاستثمار في السوق السعودية من خلال إقرار هيئة أسواق المال السعودية لمجموعة لوائح تسمح للأجانب المقيمين في دول مجلس التعاون بالاستثمار في السوق المالي السعودي فضلاً عن 6 تراخيص للمستشار الآلي تبّنتها السوق مؤخراً بهدف تطبيق استراتيجيات الاستثمار عبر الذكاء الاصطناعي، ما يحد من المخاطر ويحمي من تقلبات السوق ويخلق فاعلية في إدارة الأفراد لمحافظهم المالية. وأضاف الفراج أن التطور الذي تشهده سوق تداول منذ عام 2015 والتي نمت قيمتها السوقية من 1580 مليار ريال إلى 10200 مليار ريال سعودي أسهم في زيادة عدد المستثمرين الأفراد الذين وصلت نسبة مساهمتهم إلى نحو 12.9 المئة في أسواق الأسهم الحرة مقارنة بالمستثمرين من الشركات الذين يستحوذون على حصة الأسد. رغم اعتبار الفراج أن هذه النسبة من الأفراد لا تزال ضئيلة، فإنه فنّد الإجراءات التي تعتمدها هيئة السوق المالية وشركة تداول لتعزيز ثقافة الادخار والاستثمار أملاً في زيادتها مستقبلاً من خلال تكثيف الوعي ومبادرات التثقيف المالي التي باشرتها الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية في السعودية، وشدد على دور وزارة التعليم في إدخال ثقافة أسواق المال وخلق فكر جديد في الاستثمار المتوسط الأجل والطويل والادخار ضمن المناهج الدراسية. ويشير المسح الذي أجرته «إدلمان سميثفيلد» لنحو 100 من رؤساء ومديري علاقات المستثمرين حول المستثمرين الأفراد عام 2024 في كلٍ من السعودية والإمارات والبحرين والكويت وعمان إلى أن 81% من محترفي علاقات المستثمرين يشعرون بوجود فجوة في التواصل مع المستثمرين الأفراد، فيما اعتبر 92% أن نقص الموارد والخبرات يمثل تحدياً بارزاً. *دون احتساب الأجانب الذين يشكّلون 30% من إجمالي قيمة التداولات في سوق تداول السعودية
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية