هل تتجاوز التطورات على الأرض في السودان حسابات الإدارة الأمريكية؟

دخلت الحرب في السودان شهرها الـ 21، تاركة البلاد وسط "أكبر أزمة إنسانية في العالم"، بحسب توصيف العديد من المنظمات الأممية.

وانهارت المنظومة الزراعية في البلد الذي كان يُنظر إليه باعتباره "سلة غذاء العالم"، ليعاني أكثر من 20 مليون شخص -حوالي نصف عدد السودانيين- "انعداماً حاداً في الأمن الغذائي"، وفقاً للأمم المتحدة.

وتسببت الحرب في مقتل نحو 150 ألف شخص، وتشريد نحو 11 مليون آخرين -حوالي رُبع عدد السكان- من ديارهم، في "واحدة من أكبر أزمات التشريد في العالم".

وتقول الخارجية الأمريكية إن نحو 30 مليون شخص في السودان، هم في حاجة إلى مساعدات إنسانية.

ومنذ بدء الحرب في السودان، قاومت إدارة جو بايدن الديمقراطية ضغوطاً للتخلّي عن "سياسة الحيادية" تجاه طرفي الصراع، وارتفعت أصوات في الكونغرس، على رأسها صوت السيناتور الجمهوري جيم ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية، للمطالبة بفرض عقوبات على قيادات قوات الدعم السريع (قوات سودانية شبه عسكرية).

وأخيراً، وفي السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، وقبل أيام من تسليم السلطة إلى الإدارة الجديدة، اتهمت إدارة الرئيس المنتهية ولايته بايدن قوات الدعم السريع بارتكاب "إبادة جماعية في إقليم دارفور" غربي السودان، وبموجب ذلك الاتهام، فرضت عقوبات مالية على قيادات الدعم السريع وعلى سَبْع شركات يُعتقد أنها تموّلها من دولة الإمارات العربية المتحدة.

لكن لم تكد تمرّ أيام معدودة، وتحديداً في الـ 16 من الشهر نفسه، حتى فرضت الإدارة الأمريكية ذاتها عقوبات على قائد الجيش السوداني والحاكم الفعلي للبلاد، الجنرال عبد الفتاح البرهان، متهمة إياه بـ "زعزعة الاستقرار وعرقلة الانتقال الديمقراطي في السودان"، وجمّدت بموجب ذلك أي أصول يمتلكها البرهان في الولايات المتحدة.

الخارجية السودانية، بدورها، أدانت العقوبات الأمريكية على البرهان، قائلة إنها "تفتقر إلى العدالة والموضوعية".

أيضاً، قوات الدعم السريع، أنكرت أي دور لها في هجمات عرقية وإبادة جماعية، واصفة القرار الأمريكي بأنه "مؤسف ومنحاز وغير دقيق".

"حِفظ ماء الوجه" وتعد هذه العقوبات الأمريكية حتى الآن أقوى وأهم تدخّل دولي في هذا "الصراع الوحشي".

ياسر زيدان، الباحث في شؤون القرن الأفريقي وزميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في حديث لبي بي سي، وصف العقوبات الأمريكية التي جاءت في الوقت الضائع بالنسبة لإدارة بايدن، بأنها إنما اتُخذت "لحفظ ماء الوجه".

وبحسب زيدان، تعرّضت إدارة بايدن لضغوط كبيرة بسبب إهمالها ملف السودان، وفشلها في التوصل إلى اتفاق.

يقول زيدان إن "هذه العقوبات جاءت في وقت كان يُفترَض من الإدارة الأمريكية أن تقدّم فيه تقريراً عمّا إذا كانت دولة الإمارات لا تزال مستمرة في دعم قوات الدعم السريع، التي أصبحت الآن متّهمة بارتكاب إبادة جماعية".

"لكن هذا التقرير بشأن دعم الإمارات لم يخرج للنور، واكتفت إدارة بايدن ببيان العقوبات على قادة الدعم السريع، في محاولة للَفت الأنظار عن دور الحليفة الخليجية"، على حد تعبير الباحث السوداني.

لكن طوني أغبونز، الباحث بجامعة أنغليا روسكين في لندن، يرى أن التدخل الأمريكي، رغم تأخره، يظل تطوّراً هاماً ومحلّ ترحيب، شأن "كل تدخل لإنهاء معاناة الشعب السوداني ووقف سيّال الدماء".

ويضيف أغبونز، في حديث لبي بي سي: "يجب ألا ننسى أنه كلما طال زمن أزمة ما، زادت قُدرتُها على التخفي من الرادار العالمي"، على حد تعبيره.

هذه العقوبات الأمريكية على قادة طرفي الصراع السوداني كليهما، دفعت مراقبين إلى الاعتقاد بأنها قد تؤثر سلباً على صعيد إمكانية التوصل لأي اتفاق سلام؛ كون العقوبات تحول دون ظهور هؤلاء القادة في المنظمات والمنتديات السياسية الدولية، ما يهدد بمزيد من العُزلة للشأن السوداني ويترك الحرب مرشحة للاستمرار.

لكن الباحث زيدان يعتقد أن مثل هذه العقوبات "لن تؤثر كثيراً على السودان على المستوى الدولي، خصوصاً مع قدوم إدارة دونالد ترامب المعهود عنها "خرق التقاليد" الراسخة في السياسة الدولية.

ويرى مراقبون أنه حتى قبل صدور العقوبات الأمريكية، لم يكن طرفا الصراع في السودان يُبديان اهتماماً بالتوصل لاتفاق سلام.

خلود خير، مديرة مركز "كونفلوينس أدفايزري" الاستشاري المتخصص في الشأن السوداني، ترى أن العقوبات في حد ذاتها لا تمثل عائقاً أمام إجراء المحادثات.

وقالت خلود لبي بي سي: "حتى الآن، مشاركات الجيش والدعم السريع في محادثات، كانت مجرد وسيلة لتجميل الوجه أو لإحراز نقاط لدى المفاوضين الدوليين".

"الوضع على الأرض تغيّر" وقبل نحو عام من الآن، كان قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، يُستقبَل بترحاب في عدد من بلدان القارة الأفريقية؛ حيث كان يُنظر إليه كرئيس محتمل للسودان، في وقت كانت فيه المدن تسقط واحدة بعد الأخرى أمام قواته.

ومن بين تلك المدن، وَدْ مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في أواخر عام 2023.

لكن الوضع الآن على الأرض قد تغيّر؛ واستعاد الجيش النظامي السيطرة على وَد مدني، في تكليل لهجوم مضاد بدأ مع بداية موسم الجفاف في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

واليوم، وبعد نحو أسبوعين من استعادة وَد مدني، أعلن الجيش كسر حصار كانت تفرضه قوات الدعم السريع على مقر قيادته العامة في الخرطوم، لتعم الاحتفالات أرجاء العاصمة.

ويرى الباحث زيدان أن هذا التقدّم المستمر للجيش النظامي على حساب قوات الدعم السريع، يتجاوز بالواقع حسابات العقوبات الأمريكية.

يقول زيدان لبي بي سي: "هناك تغيّر كبير على الأرض. الجيش استعاد زمام المبادرة. الدولة الآن أصبحت أكثر ثباتاً وأكثر اتزاناً. وحتى في مناطق نفوذ الدعم السريع، هناك انشقاقات في المكوّن العربي الذي كان يدعم هذه القوات".

وفي ظل هذا الانهيار المتسارع، ستجد قوات الدعم السريع نفسها في مواجهة "مشكلة كبيرة تتعلق بالشرعية، وهذا يفسّر إصرار الدعم السريع على الوصول لاتفاقية سلام تعيدها إلى المشهد السياسي"، وفقاً لزيدان.

ومن شأن هذه الانتكاسات المتوالية في ميادين القتال، مضافاً إليها الاتهامات الأمريكية بإبادة جماعية، أن تترك قائد الدعم السريع.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بي بي سي عربي

منذ 9 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ ساعتين
منذ 8 ساعات
منذ ساعتين
قناة العربية منذ 6 ساعات
قناة العربية منذ 6 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 12 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 17 ساعة
التلفزيون العربي منذ 23 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 6 ساعات