من "واقعة هنداوي" إلى قانون قيصر، ما هو تاريخ العقوبات على سوريا؟

لم تكن آن ميرفي تعلم أن حقيبة يدها تحمل متفجرات كفيلة بإسقاط طائرة ركاب وقتل كل من كانوا على متنها.

وهكذا، مرت حقيبة اليد عبر جهازي أشعة سينية في مطار هيثرو الدولي دون أن يوقفها أحد. لكن شكاً ساور موظفاً أمنياً، دفعه لأن يوقف آن عند الحاجز الأخير قبل الصعود إلى الطائرة التي كانت متجهة إلى تل أبيب، ويفتش الحقيبة بتدقيق أكبر، ما أدى إلى اكتشاف المتفجرات وإفشال الهجوم. كان الرجل الذي يقف وراء المخطط هو نزار هنداوي، أما العام فهو 1986.

أدين هنداوي بعد أشهر من الحادثة وحكم عليه بالسجن 45 عاماً، لكن الحكومة البريطانية قالت إن لديها أدلة على تورط الحكومة السورية في التخطيط للهجوم، وقررت طرد السفير السوري في لندن وإغلاق سفارتها في دمشق، رغم نفي سوريا لتورطها.

شكلت هذه الواقعة منطلقاً لفرض عقوبات بريطانية على سوريا، وإن لم تكن بداية حكاية سوريا مع العقوبات الغربية.

قبل "واقعة هنداوي" بسبع سنوات، كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أصدرت قائمة لما وصفته بـ "الدول الداعمة للإرهاب"، ووضعت عليها سوريا، إلى جانب ثلاث دول عربية أخرى هي: اليمن الجنوبي، والعراق وليبيا.

يقول رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في "كلية سميث"، ستيفن هايدمان إن تصنيف سوريا "دولة داعمة للإرهاب" جاء "نتيجة لدعم حافظ الأسد، الرئيس السوري آنذاك، لجماعات فلسطينية انخرطت في أنشطة إرهابية كان أمريكيون من بين أهدافها، ولعدم رضا الولايات المتحدة عن النهج السوري في لبنان والشرق الأوسط عموماً".

وبحسب هايدمان عكس هذا التصنيف توتراً شكل السمة الأساسية للعلاقات بين واشنطن والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وابنه بشار من بعده.

وقد ترتب على هذا التصنيف فرض قيود على المساعدات الأمريكية لسوريا، وحظر بيع أسلحة لها، وإخضاع معاملات البنوك الأمريكية مع الحكومة السورية والكيانات المملوكة لها لضوابط مشددة، فضلاً عن فرض عقوبات على عدد من المسؤولين والكيانات الحكومية السورية.

في المقابل لم تكن الشهية الأوروبية مفتوحة لفرض عقوبات كبيرة على سوريا آنذاك. فلندن التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق عام 1986 وفرضت قيوداً على التجارة معها، احتاجت بعض الوقت لإقناع شركائها الأوروبيين باتخاذ أي إجراء بحق سوريا.

ورغم التقارير التي كانت تشير إلى تورط سوريا في التخطيط للهجوم الذي استهدف ملهى ليلياً يرتاده جنود أمريكيون في برلين الغربية عام 1986، وفي سلسلة هجمات استهدفت باريس بين عامي 1985- 1986، بدا القادة الأوروبيون مترددين في اتباع نهج عقابي مع سوريا. وهو الأمر الذي تعزوه بعض التحليلات إلى الدور الذي كان الرئيس السوري حافظ الأسد يلعبه في إطلاق سراح رهائن غربيين كانوا مختطفين في لبنان، الذي كان وقتها يعيش حرباً أهلية طاحنة.

في النهاية اتفق الأوروبيون على فرض عقوبات محدودة للغاية على سوريا تضمنت حظر إبرام صفقات جديدة لبيع الأسلحة معها، وإلغاء بعض المساعدات التي كانت مخصصة لها.

وفي كل الأحوال، لم تترك العقوبات الأمريكية ولا الأوروبية في ذلك الوقت الأثر الكبير على الاقتصاد السوري. فعدا عن محدودية العقوبات نفسها، لم تكن سوريا تعتمد بشكل كبير على الدول الغربية في تأمين حاجتها من السلاح، الذي كان معظمه يأتي من الاتحاد السوفييتي. كما تمتعت الدولة السورية بعلاقات اقتصادية وثيقة مع ما كان يعرف بـ "المعسكر الشرقي"، فضلاً عن روابط التجارة التي كانت تجمعها بالدول العربية.

التسعينيات: عقد من الدفء شهد عقد التسعينيات فتح صفحة جديدة من العلاقات الغربية مع سوريا نظراً للتحولات الجيوسياسية التي عرفتها المنطقة آنذاك والموقف السوري منها، بدءاً بمشاركة دمشق في التحالف الدولي ضد العراق خلال حرب الخليج الثانية، وانتهاءً بمشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، بل واقترابها من توقيع معاهدة للسلام مع إسرائيل برعاية أمريكية.

ورغم المطبات التي عرفتها علاقة سوريا مع الغرب، استمرت موجة الدفء في علاقات الطرفين مع قدوم بشار الأسد إلى سدة الحكم في دمشق عام 2000 خلفاً لوالده، لكن إلى حين.

"قانون محاسبة سوريا" في الثاني من فبراير/شباط 2005، وبعد نحو عامين من بدء غزو بلاده للعراق، وقف الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش أمام أعضاء الكونغرس ليلقي خطاب "حالة الاتحاد" السنوي، وليتّهم خلاله سوريا بالسماح "باستخدام أراضيها، وأجزاء من لبنان من قبل الإرهابيين الذين يسعون إلى تدمير كل فرصة للسلام في المنطقة"، ويشكر الكونغرس على تمرير "قانون محاسبة سوريا".

تضمن القانون فرض قيود على تصدير السلع الأمريكية إلى سوريا، باستثناء الغذاء والدواء، ومنع شركات الطيران السورية من السفر إلى الولايات المتحدة وتوسيع العقوبات بحق عدد من المسؤولين السوريين.

لكن استيراد السلع من سوريا، بما فيها المواد النفطية، والمعاملات المصرفية معها، بقيا خارج نطاق العقوبات التي أقرها القانون، وكذلك الحال بالنسبة للاستثمارات الأمريكية في سوريا والتي لم يطلها المنع.

مرة أخرى تباين الموقف الأوروبي مع نظيره الأمريكي إزاء الموقف من سوريا، لكن هذا تغير بعد أيام قليلة.

ففي الرابع عشر من فبراير/شباط 2005 هز انفجار ضخم العاصمة اللبنانية بيروت مودياً بحياة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، و21 شخصاً آخرين. أشارت أصابع الاتهام إلى الحكومة السورية، التي كانت علاقتها مع الحريري قد تأزمت قبل مقتله، وإلى حليفها اللبناني حزب الله.

نفت الحكومة السورية ومعها الحزب أي علاقة لهما بالاغتيال، الذي تم فتح تحقيق دولي فيه.

ونظراً لما رأى الاتحاد الأوروبي ومعه جهات دولية، أنه عدم تعاون من الحكومة السورية مع جهات التحقيق، تم فرض عقوبات أوروبية وأممية على عدد من المسؤولين السوريين وتجميد أرصدتهم في الخارج.

قمع الانتفاضة الشعبية لكن التحول الحقيقي في العقوبات جاء بعد اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011 والقمع الحكومي لها.

يقول رئيس منصة البحر المتوسط في جامعة لويز في روما، لويجي ناربوني، إن العقوبات التي فرضت على سوريا بعد عام 2011 كانت أكثر شمولية وتشدداً، كما استهدفت قطاعات حيوية داخل البلاد، مثل قطاع النفط والغاز، والطيران، فضلاً عن عمليات تصدير سلع أساسية وتكنولوجية إلى سوريا.

فرضت هذه العقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتركت أثراً عميقاً في الاقتصاد السوري.

فاستهداف صادرات سوريا من النفط والغاز، التي كان 90 في المئة منها يذهب إلى دول الاتحاد الأوروبي قبل الحرب، أدى إلى خسارة الحكومة السورية مصدراً مهماً للإيرادات وخاصة من النقد الأجنبي.

وبينما خسرت الحكومة السورية السيطرة على معظم حقول النفط والغاز لصالح جماعات جهادية بعد نحو ثلاثة أعوام من فرض العقوبات على القطاع النفطي، كان للعقوبات التي استهدفت القطاع المصرفي أثر عميق على الاقتصاد السوري.

فقد ساهمت تلك العقوبات في عزل البلاد عن النظام المالي العالمي، والحد من قدرتها على القيام بتعاملات التجارة الدولية، والوصول إلى العملات الأجنبية، ما أدى إلى تدهور قيمة الليرة السورية وتسبب في موجات تضخم هائلة.

يقول.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بي بي سي عربي

منذ 4 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ ساعتين
منذ 9 ساعات
منذ ساعتين
منذ 10 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 13 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 17 ساعة
قناة العربية منذ 6 ساعات
قناة العربية منذ 6 ساعات
سي ان ان بالعربية منذ 7 ساعات