في منتصف ديسمبر الماضي، زار أحمد الشرع مدرسة طفولته في أحد أحياء دمشق، والتقط صورة تذكارية مع مديرتها.
لم يخل المشهد، على منصات التواصل، من لمسة عاطفية.
لكنه أثار سؤالا لا يزال يردده كثيرون:
من العائد إلى مرابع الطفولة؟
خريج ابتدائية عمر بن الخطاب أم نزيل سجن بوكا السابق؟
قبل دخولها دمشق بثلاثة أيام، أعلنت هيئة تحرير الشام أن زعيمها "أبو محمد الجولاني" تخلى عن اسمه الجهادي، وعاد لاعتناق اسم الطفولة: أحمد الشرع، الذي سيقود المرحلة الانتقالية في سوريا بعد هروب رئيس النظام السابق بشار الأسد.
في العاصمة دمشق، وابتداء من 8 ديسمبر، ظهر الشرع بين الناس وأمام الكاميرات من دون عمامة الجولاني الأفغانية.
وراح يستقبل مسؤولين دوليين ومراسلي وسائل إعلام أجنبية ببدلة غربية وربطة عنق ولحية مشذبة.
لم يكن الجولاني اسما حركيا فحسب، أو زيا، أو لحية كثة، بل متطرفا فكرا وممارسة.
لهذا، يرمي كثيرون رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا بتهمة "التظاهر بالاعتدال".
يرون أن الجولاني لم يختف تماما من المشهد؛ إنما توارى خلف صورة السياسي المعتدل، إلى حين.
"براغماتية مؤقتة" تجد مسوغاتها في "فقه الاستضعاف"، الذي تنتهجه الحركات الإسلامية المتطرفة في الغالب، يقولون.
وعندما امتنع الشرع عن مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيبروك، لدى استقبالها في أوائل يناير، تعززت الشكوك.
بدا وكأن الشرع تصرف بوحي من الجولاني.
وبما أن "هيئة تحرير الشام" لم تنهج، بعد سيطرتها على دمشق، نهج داعش في "فقه التمكين"، فهي، برأي المشككين، موغلة في الاستضعاف حتى إشعار آخر؛ إلى أن تقوى شوكة الجماعة.
الاستضعاف والتمكين
في أغسطس 2021، انسحبت القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، تنفيذا لاتفاق أبرمته واشنطن مع طالبان في الدوحة في فبراير 2020.
وبعد سيطرة طالبان على كابول، سارع المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد، إلى طمأنة المجتمع الدولي في أول مؤتمر صحفي يعقده أمام وسائل إعلام غربية.
تعهدت الحركة، على لسان مجاهد، باحترام حقوق المرأة "في إطار الشريعة الإسلامية"، والسماح للنساء بالتعليم والعمل.
وما إن استقرت في السلطة، سارعت طالبان إلى فرض قيود متزايدة على الحريات العامة، وأجهزت على حقوق النساء خاصة، إذ منعتهن من دخول الجامعات، ومن العمل في عديد القطاعات المهنية.
قّيدت طالبان كذلك حرية المرأة في التنقل، وأصبح ارتداء الحجاب إلزاميا، وفق رصد قدمته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في أغسطس 2024.
في سوريا، يقول الشرع، تختلف الأمور عن أفغانستان.
"هناك فوارق كبيرة بين سوريا وطالبان"، قال الشرع في مقابلة تلفزيونية، في 19 ديسمبر، "المجتمع السوري مجتمع مختلف تماما بتكوينه وطبيعته وطريقة تفكيره".
ووضّح الشرع رؤيته لآلية إدارة سوريا في المرحلة الانتقالية.
قال إن البلد يجب أن "يمر بثلاثة مراحل على أقل تقدير".
كان من المفروض أن تتضمن المرحلة الثانية "دعوة لمؤتمر وطني جامع لكل السوريين" يصوت على حل الدستور والبرلمان. ويتولى مجلس استشاري ملء الفراغ الدستوري والبرلماني خلال الفترة المؤقتة "حتى يصير في [ثمة] بنية تحتية للانتخابات"، وفقا لما قاله في المقابلة.
بعد نحو شهر، بدا وكأن الشرع، أو ربما الجولاني، نكث بأول وعوده.
أسندت إليه "إدارة العمليات العسكرية" والفصائل في سوريا، في 20 يناير، منصب رئيس المرحلة الانتقالية.
ومن دون "مؤتمر وطني جامع لكل السوريين"، ألغت الفصائل المسلحة بقيادة الشرع الدستور وحلت البرلمان.
يعكس تدرج الجماعات الجهادية في السيطرة على الحياة السياسية استراتيجية تُعرّفها أدبيات السلفية الجهادية بـ"فقه الاستضعاف"، وهو مفهوم يقوم على إظهار المرونة في "تطبيق الشريعة في ظل ضعف المسلمين" أو عند مواجهة عقبات تمنعهم من تحقيق أهدافهم كاملة.
"فقه التمكين" مجموعة من الأحكام والمبادئ الفقهية التي تُطبَّق حتى تحقيق "الشوكة" أي المقدرة، وتهدف لإقامة الدين وإدارة شؤون المسلمين من خلال الالتزام الصارم بمقاصد الشريعة.
في حالة طالبان، كان الانتقال من الاستضعاف إلى التمكين سريعا.
تجاوز الجولاني فكرة "المؤتمر الوطني الجامع،" لم يفتقر إلى السرعة كذلك.
من هو أحمد الشرع؟
ولد أحمد الشرع في السعودية، ونشأ لاحقا في سوريا، بعد أن عادت عائلته إلى الوطن الأم.
أصل العائلة من بلدة تابعة للجولان. من هنا، ربما، جاء لقب الجولاني، الذي تخلى عنه في نهاية المطاف، أو بالأحرى في بداية مسار ه الجديد.
في 2003 سافر إلى العراق لـ"الجهاد دفاعا عن المسلمين،" متأثرا بالتشجيع الضمني الذي قدمه نظام الأسد للراغبين بالذهاب إلى العراق لقتال القوات الأميركية.
انضم إلى القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ليصبح اسمه منذ ذلك الحين "أبو محمد الجولاني".
كان الزرقاوي مسؤولا عن مقتل مئات المدنيين.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من قناة الحرة
