يشهد قطاع الطاقة في الشرق الأوسط تحولاً كبيراً نحو الاستدامة، حيث تتصدر الطاقة الشمسية هذا التوجه. مع تزايد الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة، تسعى دول المنطقة إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز أمنها الطاقي. بفضل رؤية استراتيجية مثل رؤية السعودية 2030 والإمارات 2050، أصبح الشرق الأوسط في طريقه ليكون رائداً عالمياً في استخدام الطاقة النظيفة، في وقت تتراجع فيه تكاليف التكنولوجيا، ويزداد الإقبال على مصادر الطاقة المتجددة.
التحول العالمي في الطاقة الشمسية
على المستوى العالمي، يشهد قطاع الطاقة الشمسية نمواً ملحوظاً، حيث تجاوز إجمالي السعة المركبة للطاقة الشمسية 1 تيراواط (TW)، ما يمثل زيادة ضخمة بثلاثة أضعاف منذ عام 2018. هذا النمو المدعوم بانخفاض تكاليف الألواح الشمسية وتطور التقنيات، بالإضافة إلى السياسات الحكومية المشجعة، أسهم في جعل الطاقة الشمسية المصدر الأكثر تنافسية من حيث التكلفة مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية. في منطقة الشرق الأوسط، تقدم وفرة الشمس والمساحات الشاسعة فرصاً مثالية للاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية الكبرى.
السعودية والإمارات نموذجاً
تلعب المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في هذا التحول، حيث تسعى ضمن رؤية 2030 إلى تطوير 130 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، مع التركيز بشكل خاص على الطاقة الشمسية. مشاريع ضخمة مثل محطة سدير للطاقة الشمسية، التي تُعد واحدة من أكبر المحطات في العالم بقدرة 1,500 ميغاواط، تعد شهادة على التزام السعودية بتوسيع استثماراتها في الطاقة النظيفة.
وعلى المنوال نفسه، تواصل الإمارات تعزيز استثماراتها في الطاقة الشمسية، حيث تحتضن مشاريع ضخمة مثل "مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية" في دبي، والذي يهدف إلى إنتاج 5,000 ميغاواط بحلول 2030. مشروع "الظفرة للطاقة الشمسية" في أبوظبي، بقدرة 2,000 ميغاواط، يعد من أكبر المشاريع الشمسية الكهروضوئية على مستوى العالم، كما يسجل أدنى تعرفة كهرباء للطاقة الشمسية.
عُمان، وقطر، والأردن
إلى جانب السعودية والإمارات، تعمل دول مثل عُمان وقطر والأردن على تسريع استثماراتها في الطاقة الشمسية. في عُمان، يسعى البلد إلى توليد 30% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030، ويعد مشروع "عبري 2" للطاقة الشمسية، الذي تبلغ قدرته 500 ميغاواط، جزءاً من هذه الاستراتيجية. أما في قطر، فتعتبر محطة "الخرسعة للطاقة الشمسية" بقدرة 800 ميغاواط علامة بارزة في تعزيز قدرة البلاد على توليد الطاقة الشمسية.
من ناحية أخرى، يسير الأردن على النهج نفسه مع مشاريع مثل "محطة القويرة للطاقة الشمسية" بقدرة 103 ميغاواط، في إطار خطط تهدف إلى توليد 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030.
تكنولوجيا تخزين الطاقة وإدارة الشبكات
رغم التوسع الملحوظ في الطاقة الشمسية، يواجه دمج كميات كبيرة منها في الشبكات الكهربائية تحديات تقنية كبيرة. أبرز هذه التحديات الحاجة إلى تطوير تقنيات فعّالة لتخزين الطاقة، نظراً للإنتاج المتقطع للطاقة الشمسية. تعمل دول المنطقة على تعزيز قدراتها في تخزين الطاقة من خلال تطوير حلول متقدمة مثل البطاريات الكبيرة والمرافق لتخزين الطاقة الكهرومائية.
في هذا السياق، يتعاون مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الشبكات الإقليمية، ما يتيح تبادل الطاقة المتجددة بين الدول ويزيد موثوقية وكفاءة الأنظمة الكهربائية.
من استدامة الطاقة إلى تعزيز الاقتصاد
مع تحقيق أسعار قياسية منخفضة للطاقة الشمسية، حيث سجّل مشروع "الظفرة" في أبوظبي أقل تعرفة كهرباء للطاقة الشمسية عالمياً، يشهد قطاع الطاقة تحولات اقتصادية كبيرة. هذه الأسعار المنخفضة تسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يعزز أمن الطاقة في المنطقة، ويوفر فرصاً لتصدير النفط والغاز، ويعزز من جهود تنويع الاقتصاد.
إن استمرار الاستثمارات الحكومية والتطورات التكنولوجية في مجال تخزين الطاقة وتحسين الشبكات الكهربائية سيعزز من قدرة دول الشرق الأوسط على مواجهة التحديات الفنية وتوسيع استخدام الطاقة المتجددة.
لا تقتصر فوائد التحول إلى الطاقة المتجددة على الحد من الانبعاثات الكربونية فحسب، بل يعكس أيضاً توجهاً استراتيجياً نحو تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية. ومع الاستثمارات المتزايدة في مشاريع الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، تواصل دول الشرق الأوسط تعزيز مكانتها في مشهد الطاقة العالمي، ما يعكس التزاماً قوياً نحو مستقبل أكثر استدامة.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس