إعداد: محمد سويلم وآيات بكر / تصوير: محمد الحياني
على وقع أصوات تقطيع جذوع الأشجار، وصياح الديك الذي يكسر حجم الصمت المطبق على المكان، وصلنا إلى مسكنٍ مُنِيف، متربع على كتف جبل شاهق، وجدنا أبو محمود الرجل المسن، يعكف على إمداد عائلته بالحطب..
في أقاصي قرية العُوَيْلِيَة، بمنطقة بِيرِين، على مسافة من العمران، بأرض خالية لا حركة فيها، حيث الجبال العالية والوديان السحيقة، وحيث البصر يمتد إلى مدى شاسع بلا عوائق.
من هنا.. تستطيع رؤية العديد من المدن وأطراف المحافظات القريبة، وحتى البعيدة، التي يتأملها ويعددها أبو محمود ويشير إلى مواقعها..
على حافة الجبل هذه.. في غرفة قديمة متآكلة.. أمامها مساحة مغلقة بالبلاستيك والصفيح وبعض أعمدة الخشب والمعدن، يعيش أبو محمود الذي بلغ أواخر الستين من عمره، مع زوجته وأبنائه الثلاثة محمود وعبد الرحمن وحسنة.
جاءوا إلى هذا المكان بعد أن سمح لهم صاحب المزرعة الإقامة فيه..
منذ 24 عاما، أي بعمر محمود ابنهم، تعيش هذه العائلة هنا بعزلة تامة عن الناس، وبظروف صعبة من الفقر والحرمان، إلا من مساعدة محسن أو عون صاحب يد بيضاء.
سكنوا هنا.. وهذا فصل من رواية نزوحهم الأساسية، في صغره، عندما خرجوا من مدينة إربد في مطلع الستينيات وتوجهوا إلى منطقة جبل النزهة..
منزلهم ليس إلا مأوى متواضعا لا يتوفر فيه أدنى مقومات الحياة الكريمة، متاعهم يسير وقوتهم من قليل، يعيشون على ما يتوفر لهم من زهيد الطعام.
متكئا على عكازه، تحت ضغط الانزلاق الغضروفي في فقراته (الديسك)، يواصل هذا المسن استغلال ما تبقى له من مساحات الحركة، يتمتم وهو يتجول في المكان، عن أحوالهم المستعصية وعن صعوبة ظروفهم المعيشية.
من مكان بعيد يأتي محمود هذا الفتى المسكين،، فمنذ نحو ساعتين كان قد خرج لإحضار الخبز من فرن القرية، رحلة بعيدة بعض الشيء مشيا على الأقدام..
فتى بسيط العقل، مطيع لوالده يسمع كلامه وينفذه على الفور، في الحقيقة هو مسالم يسمع كلام الجميع..
في الهواء الطلق خارجا، يلملم محمود أعواد الخشب وغصون الأشجار، ليضرم والده النار داخل صفيحة حديد، يقربها إلى حجره، ويضع فمه على فوهة أنبوب معدني يضعه في الجمر، وينفخ فيه لإيقاد النار وتأجيجها..
بعد أن يشتعل الحطب يدخلونه إلى الداخل، يجلسون حوله ليستدفئوا به من برد الشتاء، وينشطون الدم في عروق أيديهم المرتجفة، التي تركت مشقة الحياة عليها أثارها.
ولا يزيد متعتهم بهذه النار المتوقدة، إلا صنع إبريق من الشاي عليها، يجددون به نشاطهم ويشحذون طاقتهم، ويكملون جلستهم باحتساء رشفات من هذا الشاي المختمر على نار الجمر..
يتأملون الطبيعة المحيطة بهم، التي تخلو من كل صوت إلا تغريد العصافير، وصياح ديكهم الأشهب المزركش، قد ينسيهم هذا المشهد ولو مؤقتا ظروف معيشتهم الصعبة.
يقول أبو محمود أنهم منذ جاءوا إلى هذا المكان بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة، وهم هنا لم يخرجوا أبدا، وأن فاعل خير ساعدهم بعمل إضافة من ألواح الصفيح المعدني (الزينكو)، مقابل غرفتهم الوحيدة.
ويؤكد أنه فضل البقاء في عزلة بعيدا عن الناس، ليس فقط بسبب وضعه الصحي، بل أيضا -بحسب ما يفيد- لحماية أولاده من المشاكل التي قد تواجههم في المدينة، فهم بسطاء جدا.
ويشير إلى أنهم يعانون الفقر منذ وقت طويل، وأنه يعتمد على العكاز دائما ولا يستطيع العمل، ولا يوجد من يعينهم، وأن أولاده لا يجدون فرصا مناسبة لكسب لقمة العيش.
ويضيف: «ابنتي كانت تذهب إلى المدرسة سيرا على الأقدام مسافة 4 كيلومترات ذهابا ومثلها إيابا، تقطع المسافات بين الجبال حتى تصل إلى مدرستها».
ويشرح أن ابنه الأكبر درس حتى الصف الثامن فقط، أما عبد الرحمن فقد أنهى مرحلة الثانوية العامة لكنه لم يحالفه الحظ، ويتابع حديثه بحزن: «ابنتي نجحت في الثانوية العامة بمعدل 81%، لكنها لم تستطع إتمام دراستها بسبب ضيق الحال».
يتمتم ابو محمود: «لا أدري ماذا أفعل، ولا أملك إلا أن أدعو الله أن يرزقنا ويعيننا».......
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الرأي الأردنية