سمع (نافر) جدته تطلب من وراء الحجيرة الفاصلة بينها وبين جارتها (دسما) شحمة تكشّن بها على طبيخة دجر بتنصب بها لشيبتها، الذي ما يروح من الوادي إلا إذا مع قولة المذّن (الله أكبر)، فغافلها، وعمد إلى حلّة تفور بماء مغلي، داخله أرغفة مستديرة تلمع كما الجواهر، فالتقط أكبر دغبوس، دون عِلمه؛ أنه المُخصّص لجده (الزافر)، وفي ثلاث أربع لُقم تصرطها دون تهيّب من حرارتها.
تناولت الشحمة من الجارة واستدارت نحو العابر؛ وتلاقت مع (نافر) في السُدّة؛ ولاحظت أن في ثُمّه شيء، فمدّت كفها على حلقه، وحاولت استخراج الدغبوس الذي انفرم في غمضة عين، ولم يشف غليلها عراكها معه؛ فصبّت عليه من الدعاء، بأن يدخله ربي في بطنه سُمّاً، ويقلب ليلته همّاً وغمّاً.
ردّت أُمّه طريحة الفراش من ركن مُظلِم «دخيلتك يا عمه لا تدعين عليه، بارضّع بنتي وأقوم أسوّي لعمي بدله»، فقالت «لا ترضعينها وانتي محمومة»؛ فقامت وعجنت وطرحت دغبوساً أكبر حجماً، وعمّتها عينها على حلّة الدُّجر، ولسانها ما سكن في حلقها؛ تلوم زوجة ابنها، كونها لا تعلم إلى أين وجّه زوجها بشاحنته منذ شهر، وولدت وهو غايب، والزوجة المرتفعة حرارة جسمها تتحاشى الصدام مع عمتها، وتسايرها في نقدها لابنها سواق (التش تش) كما تطلق على شاحنته.
انتقلت بالعيار في آخر ساعة من عصريّة رمضان إلى (نافر) ولم تترك شاردة ولا واردة إلا تلهمتها من حفيدها الصِّلف، ومنها أنه خلط كحلها بفلفل أسود بغى يغدي بشوفها يكنّها ذلحين على شون، ودسّ فأر ميّت في مدارتها واروح بسحاريتها، وآخرتها يسطا على دغبوس جدّه، اللي ما يمزى لا من الله، ولا من خلقه، ولكي تحمّل أمه مسؤولية الصلافة، قالت بجرأة «الحُرّة إذا قرِب منها سرّاي الليل تسمّي بالرحمن».
كان البيت عبارة عن غرفة طوليّة، يطلقون عليها الشقيق، وموزّعة بطريقة تكاملية؛ فالركن الداخلي خصصوه طيلة الشتاء للبقرة، كي لا يعجى حسيلها في السفل تحتها من البرد، وبالجهة المقابلة كومة حطب عامي، يبيت فوقها الديك، وتحتها يبيّض الدجاج ليأمن القطط، وفي الوسط ملّة مُربّعة تقابلها في السقف كُترة لتصريف الداخنة، وثلاث ربايط حريّة، ينوي الزافر يهديها لربي يوم عيد الضحيّة، تجول في البيت من الباب إلى عند البقرة، ورصّ من الجريد يفصل عُليّة الابن الوحيد (أبو نافر) لا يزيد عن مترين في ثلاثة.
دخل الزافر من الباب، ومسّى على زوجة ابنه، ونشدها عن صحة مولودتها، وحلّ الكمر من وسطه، وعلّقه؛ وأنشب المقصب الذي كان يقصّب به مزرع الذرة، في وتد مغروز في الجدار، وتناول الإبريق، وخرج ليطهر ولقي حفيده (نافر) مدلدل أرجوله من طرف الجناح، ويشهق، نشده «وشبك يا المطيور تعصّر عيونك؟» فأجاب «جدتي خنقتني»، سأله «هويه تخنقك؟» فقال «أكلتْ حشيّة دغبوسك، وتبغي تحشّها فيّه»؛ فضحك الجدّ وقال «عساه فداك، جدتك صوامه قوامه، ما هيب دواجه يا فرخ الدجاجة، وبدل الدغبوس.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة عكاظ