في دول مجلس التعاون الخليجي، التي اعتمدت لسنوات على النفط كمصدر رئيس للثروة، تشهد العلاقات مع القوى الاقتصادية تحولاً هادئاً لكنه عميق. في عام 2024، أبرمت السعودية والإمارات صفقات بقيمة 50 مليار دولار مع دول العامود الفقري لمجموعة بريكس (الصين والهند وروسيا)، بينما لا يزال النفط يُباع للغرب بسعر 70 دولاراً للبرميل.
هذا التحول يقوده صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يمتلك سيولة تصل إلى 925 مليار دولار، وصندوق "مبادلة" الإماراتي البالغ حجم استثماراته 300 مليار دولار. هذه الصناديق تستثمر بشكل كبير في تكنولوجيا دول الشرق، وتتجه نحو استخدام اليوان لتجنب الرسوم الأميركية الجديدة. هذه الخطوة ليست مجرد تحول تجاري، بل هي استراتيجية ذكية نحو عالم جديد، وتحدٍ واضح للهيمنة الأميركية التي تبدو في تراجع. لكن السؤال يبقى: هل هذه خطة مدروسة لمستقبل الخليج، أم مجرد رد فعل سريع على تراجع النفوذ الأميركي؟
ما بعد الـ 50 مليار دولار تشير الأرقام إلى تحول جذري في سياسات الاستثمار الخليجية. خلال عام 2024، أنفقت السعودية والإمارات 50 مليار دولار في صفقات تكنولوجية وطاقية مع دول بريكس، موزعة كالتالي: 30 مليار دولار مع الصين، و15 مليار دولار مع الهند، و5 مليارات دولار مع روسيا. وفي الوقت نفسه، لا يزال النفط الخليجي يتدفق إلى المصافي الأميركية والأوروبية بمعدل 15 مليون برميل يومياً. لكن الشرق أصبح الشريك الأكبر، حيث تشتري الصين 35% من صادرات النفط السعودية، والهند 20%.
من ناحية أخرى، استثمر صندوق الثروة السيادي السعودي 10 مليارات دولار في شركات صينية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، بينما ضخ صندوق "مبادلة" الإماراتي 5 مليارات دولار في مناجم روسية، وأجرى صفقات باليوان بقيمة 7 مليارات دولار. هذه الخطوات تعكس استراتيجية ذكية لتجنب الاعتماد على الدولار والحد من التأثير الأميركي.
خطة استراتيجية أم رد فعل؟ هذا التحول ليس مجرد تغيير في الشركاء التجاريين، بل هو جزء من خطة أكبر. فرسوم أميركا الجديدة تهدد 20 مليار دولار من تجارة الخليج، أي ما يعادل 10% من إجمالي التبادلات التجارية بين الخليج والولايات المتحدة. في المقابل، تقدم دول بريكس فرصاً اقتصادية أكبر، حيث تبلغ قيمة التبادلات التجارية معها 50 مليار دولار.
كما أن النمو غير النفطي في الخليج، الذي بلغ 4.6% في عام 2024، يعكس توجه المنطقة نحو تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط.
النفط كأداة للتحول من المفارقات أن النفط نفسه أصبح أداة لدفع هذا التحول بعيداً عن أميركا. فالصندوق السعودي، الذي يعتمد على عوائد النفط، يستثمر أمواله في شراء التكنولوجيا الصينية، بينما يضخ صندوق "مبادلة" مليارات الدولارات في مشاريع بريكس. الطاقة الرخيصة التي توفرها دول الخليج تسهل هذا التحول، ما يعكس صورة عالم جديد يتحدى الهيمنة الأميركية، خاصة في ظل الديون الأميركية الهائلة التي تصل إلى 34 تريليون دولار ومخاطر الانهيار الاقتصادي التي تلوح في الأفق.
ما هي العقبات؟ رغم ذلك، لا يزال الطريق أمام هذا التحول مليئاً بالتحديات. فصفقات الـ 50 مليار دولار مع بريكس تبدو صغيرة مقارنة بحجم التبادلات التجارية مع الولايات المتحدة، التي تصل إلى 200 مليار دولار. كما أن 80% من صادرات النفط الخليجي لا تزال تُسعر بالدولار، ما يحد من تأثير التحول نحو اليوان. بالإضافة إلى ذلك، تواجه دول الخليج نقصاً في المهارات المحلية، ما يعيق تنفيذ بعض المشاريع التكنولوجية.
الخلاصة تحول الخليج نحو الشرق يعد خطوة استراتيجية كبرى، حيث تستثمر السعودية والإمارات 50 مليار دولار في شراكات مع دول بريكس، مستفيدة من عوائد النفط لبناء مستقبل اقتصادي جديد. هذه الخطوة تعكس رغبة في التحرر من الرسوم الأميركية والاعتماد على التكنولوجيا الشرقية والعملات البديلة مثل اليوان. رغم التحديات، يبدو أن الخليج بدأ يغني أغنية جديدة: من النفط إلى التكنولوجيا، ومن الدولار إلى اليوان، التحول قد بدأ، وعلى الأقل في الوقت الحالي، يبدو أن الخليج يلعب بطاقة ذكية.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس