لعقود طويلة، اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي، (السعودية، الإمارات، قطر، عُمان، البحرين والكويت)، بشكل كبير على النفط كمصدر رئيس للدخل. ومع انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل وزيادة الطلب على الطاقة المتجددة، بدأت هذه الدول في البحث عن مصادر جديدة للثروة. التعدين، الذي كان يُعتبر في السابق مجرد نشاط هامشي مقارنة بالنفط، أصبح الآن محط أنظار هذه الدول كجزء من جهودها لتنويع اقتصاداتها.
في 19 مارس 2025، منحت السعودية رخص تنقيب بقيمة 366 مليون ريال (97.5 مليون دولار) لشركات من أستراليا والصين والهند بالإضافة إلى شركات محلية، وذلك لمدة ثلاث سنوات. هذه الخطوة جزء من استراتيجية أوسع لدول الخليج لتعزيز قطاع التعدين، الذي يُنظر إليه على أنه واعد. ولكن هل يمكن لهذا القطاع أن يكون بالفعل محركاً لتنويع الاقتصادات المعتمدة على النفط، أم أنه مجرد وهم زائل؟
التحرك نحو التنويع
شهدت دول الخليج تحولاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة نحو تنويع اقتصاداتها. وفقاً للبنك الدولي، انخفضت مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج من 40% قبل عقد من الزمن إلى 25% في العام 2024، وذلك بفضل نمو قطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا والنقل. ومع ذلك، يقدم قطاع التعدين فرصاً مختلفة، حيث ترى السعودية في رؤيتها 2030 أن التعدين يمكن أن يكون ركيزة اقتصادية رئيسة، مع هدف زيادة مساهمته من 17 مليار دولار إلى 75 مليار دولار بحلول عام 2035.
الثروات المعدنية في الخليج
تتمتع السعودية بمساحات شاسعة غنية بالمعادن، خصوصاً في منطقة الدرع العربي التي تبلغ مساحتها 700 ألف كيلومتر مربع وتحتوي على 48 نوعاً من المعادن، بما في ذلك الذهب والنحاس والمعادن النادرة. وقد ارتفعت قيمة هذه الثروات من 1.3 تريليون دولار في العام 2024 إلى 2.5 تريليون دولار بعد اكتشاف الليثيوم، وفقاً لتصريحات وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف في يناير 2025.
أكبر الدول من حيث حجم احتياطات المعادن النادرة
المصدر: إرم بزنس
استثمارات إقليمية
تشهد دول الخليج الأخرى أيضاً استثمارات كبيرة في قطاع التعدين. فعُمان، على سبيل المثال، تستثمر 300 مليون دولار في تعدين النحاس منذ العام 2020، وتستهدف إنتاج 100 ألف طن سنوياً؛ ما يسهم بنحو 5% من اقتصادها. أما الإمارات، فتعالج ذهباً بقيمة 150 مليون دولار سنوياً، وفقاً لتقارير مركز دبي للسلع المتعددة لعام 2024. وفي قطر، يتم البحث عن معادن نادرة باستثمارات تصل إلى مليار دولار، بينما تبدو البحرين والكويت أقل نشاطاً في هذا المجال.
التحديات والفرص
رغم النمو الواعد لقطاع التعدين، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجهه. فالتنقيب عن المعادن يفشل في 99% من الحالات عالمياً، وفقاً لتقارير شركة ماكينزي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على العمالة الأجنبية يشكل تحدياً لدول الخليج، حيث أن 63% من الوظائف في القطاع الخاص تشغلها عمالة أجنبية. كما أن المنافسة الإقليمية بين دول الخليج قد تزيد في تعقيد المشهد، خصوصاً مع تفاوت حجم الاستثمارات بين الدول.
مستقبل التعدين في الخليج
إذا نجحت دول الخليج في استغلال ثرواتها المعدنية بشكل فعال، فقد تصبح لاعباً رئيساً في سوق المعادن العالمية؛ ما يساعدها على تقليل اعتمادها على النفط. ومع ذلك، فإن الفشل في تحقيق هذه الأهداف قد يكلفها مليارات الدولارات ويتركها عرضة لتقلبات أسواق الطاقة. المعادن تلمع بوعودها، ولكن تحقيق هذه الوعود يتطلب جهوداً كبيرة وتخطيطاً استراتيجياً دقيقاً.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس