إذا سألتم أي مستثمر عن العنصر الأهم في تعزيز الثقة، فسيكون الجواب على الأرجح: الشفافية، فالمستثمرون يبحثون عن خارطة طريق واضحة، وليس مجرد تخمينات. ومع ذلك، في منطقة التعاون الخليجي، حيث شهدت أسواق رأس المال نمواً هائلاً، لا يزال جانب الشفافية بحاجة إلى مزيد من التطوير. وتبقى الشركات في المنطقة مترددةً من اعتماد ممارسات التوجيه المستقبلي بالكامل، وقد يكون لهذا التردد تكلفة أعلى مما يُتصور. googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); }); مع تقديم 4% فقط من الشركات المدرجة في دول مجلس التعاون الخليجي للتوجيه المستقبلي، يحد نقص الشفافية من ثقة المستثمرين ويعيق نمو الأسواق. ومن خلال اعتماد إفصاحات مالية واضحة، يمكن للشركات فتح آفاق سيولة أكبر، وجذب المستثمرين المؤسسيين، وترسيخ مكانة المنطقة بصفتها مركزاً عالمياً للاستثمار
فبحسب بيانات بلومبرغ التي حلّلتها إف تي آي كونسلتنج، فإن 4% فقط من بين 829 شركة متداولة نشطة في دول مجلس التعاون الخليجي تقدم أي شكل من أشكال التوجيه المستقبلي، مما يكشف عن فجوة واضحة بين طموحات المنطقة والممارسات الحالية فيها. وفي هذا السياق، تتصدر الإمارات العربية المتحدة بعدد الشركات التي تقدم هذا النوع من التوجيه (14 من أصل 148)، تليها قطر والكويت، في حين تأتي المملكة العربية السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة، في مرتبة متأخرة بثلاث شركات فقط من أصل 315. وتعطي هذه الأرقام لمحة عن الفرص الضائعة التي يمكن أن تسدّ الفجوة بين معايير الاستثمار الإقليمية والعالمية. ميزة تنافسية غير مستغلة
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); }); يمنح التوجيه المستقبلي ميزة تنافسية للشركات بفضل الوضوح الذي يوفره، فمن خلال مشاركة التوقعات المالية والأهداف الاستراتيجية بشفافية، يمكن للشركات جذب اهتمام المستثمرين من المؤسسات والأفراد. وهذا ما تدعمه البيانات، إذ تظهر تحليلات بيانات بلومبرغ أن الشركات التي تصدر التوجيهات تشهد ضعف متوسط القيمة اليومية في التداول مقارنةً بتلك التي لا تفعل. فعلى سبيل المثال، تحظى الشركات السعودية التي تعلن توجيهاتها بمتوسط قيمة تداول يومي يبلغ 36.1 مليون دولار أمريكي، قياساً بـ 6.2 مليون دولار أمريكي للشركات التي لا تقدم أي توجيهات. وتسهم زيادة حجم التداول في تعزيز السيولة في السوق، وهذه ليست سوى البداية. فالشركات التي تقدم التوجيه المستقبلي تستفيد أيضاً من تغطية أعمق من قبل المحللين، إذ تتلقى هذه الشركات، في المتوسط، 10.7 توصية من المحللين داخل المملكة العربية السعودية، مقارنة بـ 2.6 فقط لنظيراتها الأقل شفافية. وهذا مهم لأن التغطية القوية ترتبط مباشرة بثقة المستثمرين، مما يشجع على المشاركة المستدامة في السوق على المدى الطويل. ولا تتوقف الميزات عند هذا الحد، فمع زيادة التوجيه المستقبلي، يزداد اهتمام المستثمرين المؤسسيين. وفي مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، تشهد الشركات التي تلتزم بالشفافية عادةً حصة أكبر بكثير من ملكية المؤسسات. وعلى سبيل المثال، في قطر، تمتلك المؤسسات 27.2% من أسهم الشركات التي تقدم التوجيه، مقارنة بـ 16.6% فقط للشركات التي لا تقدم التوجيه. وفي البحرين، تمتلك المؤسسات 49% من أسهم الشركات التي تقدم التوجيه، مقارنة بـ 14.5% فقط للشركات التي لا تقدم ذلك. وتحمل هذه الأرقام معنىً واضحاً بأن الإفصاح يعزز الثقة، التي بدورها تشجع المستثمرين. إدراك المخاطر والمضي قدماً تتردد بعض الشركات في منطقة التعاون الخليجي في إصدار توجيهاتها خوفاً من تقلبات السوق أو التوقعات غير المتوافقة. وتخشى هذه الشركات من أن يؤثر الكشف عن توقعاتها سلباً على التقييمات في حال لم تتحقق أهدافها المذكورة. وعلى الرغم من منطقية هذا السبب، إلا أنه قصير النظر. ويكمن الحل في وضع معايير واقعية، وتقديم توجيهات ضمن نطاقات بدلاً من أهداف محددة بدقة، والتركيز على المقاييس طويلة الأمد. وبالنسبة للشركات التي تعمل في قطاعات غير مستقرة مثل الطاقة والعقارات، يمكن للتوجيه المستقبلي أن يسهم في تخفيف ردات الفعل الفورية في السوق من خلال وضع سياق للتقلبات. فالقطاع المالي مثلاً يحتوي على أعلى عدد من الشركات المدرجة في دول مجلس التعاون الخليجي، ومع ذلك تبقى معدلات إصدار التوجيهات فيه بين الأدنى. ومن خلال إدارة التوقعات بحذر، يمكن أن تُحدث الشفافية فارقاً كبيراً من حيث تفاعل المستثمرين والسيولة. وعند تطبيقه بشكل مدروس، لا يقتصر التوجيه المستقبلي على تقليل المخاطر فحسب، بل يساعد أيضاً في مواءمة الأسواق الإقليمية مع أفضل الممارسات العالمية. إن اعتماد معايير مماثلة في دول مجلس التعاون الخليجي قد يسهم في تقليل التقلبات، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز مكانة المنطقة كمركز عالمي للأعمال. وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تعمل بخطىً متسارعة لتنويع اقتصاداتها خارج قطاع النفط، تُعد أسواق رأس المال منصة حيوية للنمو المستدام. ما يجعل جانب الشفافية عنصراً لا غنىً عنه. وفي الوقت الحالي، لا يزال عدد الشركات التي تقدم التوجيه في المنطقة ضئيلاً جداً لدعم التنافسية العالمية. إلا أن هذه الفجوة تمثّل فرصة. ومن خلال الالتزام بالإفصاح المُحسن، يمكن أن تحقق الشركات في المنطقة فوائد كبيرة. ومع تغطية أقوى من المحللين، وزيادة في السيولة، وثقة أكبر من المستثمرين المؤسسيين، فإن الآفاق المستقبلية واعدة للغاية. ومع ذلك، لا تقتصر هذه الخطوة على اكتساب ثقة المستثمرين أو الاستفادة من أداة للتعامل مع واقع الأسواق فقط، بل تشكل علامة على نضوج الشركات وطموحها. ويمكن للشركات ضمان جاهزيتها للمستقبل في أسواق تُقدّر الشفافية والمساءلة، أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، بات من الضروري اغتنام الفرص المتاحة لتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة. تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.
طلال المعلم، مدير أول في إف تي آي كونسلتنج، متخصص في أسواق رأس المال وعلاقات المستثمرين
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية