موسم رمضان لهذا العام في مصر كان حافلاً، لكنه مختلف. تصاعد الجدل فيه على خلفية مسلسلات رأى البعض أنها ابتعدت عن "الضوابط المجتمعية".
دفع هذا الجدل الدولة إلى التدخل؛ فأٌعلن عن تشكيل لجان جديدة وعن مؤتمر مرتقب لإعادة تقييم مسار الدراما المصرية.
لم يُوضّح أي مسؤول ما المقصود بالـ"ذوق العام" - مما فتح باب التفسيرات المختلفة.
كما فتح الباب أمام الخوف من ممارسة المزيد من الرقابة على الأعمال الفنية.
السيسي: "خائف على الذوق العام" كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول من فجّر هذا النقاش، خلال إفطار رمضاني نظمته القوات المسلحة، حيث دعا القنوات التلفزيونية ومنتجي الدراما إلى تقديم أعمال تتسم بالـ"جدية والالتزام"، مشيراً إلى ضرورة الابتعاد عن المحتوى الذي وصفه بـ"الغم والهزل".
قصص مقترحة نهاية
وجّه حديثه إلى صناع الدراما مطالباً بالبحث عن الأعمال التي تحقق فائدة للمجتمع، مؤكداً أهمية تقديم محتوى إيجابي يساهم في "بناء القيم"، دون التوسّع في شرح هذه القيم.
لاحقاً، وأمام جمهور "لقاء المرأة المصرية والأم المثالية"، استعرض الرئيس تحولات المشهد الدرامي في البلاد، قائلاً إن الدراما المصرية كانت صناعة مدعومة من الدولة، تتحرك وفق أهداف مجتمعية وضعها متخصصون في الإعلام وعلم النفس والاجتماع، لتلعب دوراً في صياغة الوعي العام.
ومع تغير الظروف، أوضح السيسي أن هذه الصناعة فقدت تدريجياً هذا البُعد الثقافي، وأصبحت أقرب إلى سلعة تجارية تستهدف الربح في المقام الأول. وأعرب عن قلقه من هذا التحول، قائلاً إن "الذوق العام" أصبح عرضة لتأثيرات سلبية.
حتى أن الرئيس السيسي ساوى بين دور الدراما، ودور مؤسسات المجتمع الأخرى مثل المسجد والكنيسة والمدرسة والجامعة والأسرة.
السيسي ودراما رمضان "غير الهادفة"
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات المحتوى غير متاح
YouTube اطلع على المزيد في بي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية. ما الذي أزعج الناس؟ وبعد توجيهات الرئيس المصري، أعلن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، تحركاً فورياً، كاشفاً عن تشكيل "مجموعة عمل متخصصة لصياغة رؤية واضحة للمستقبل تساهم في تعزيز الرسائل الإيجابية للإعلام والمسرح المصري تجاه الفرد والمجتمع".
ستجمع المجموعة الجديدة "كل الجهات المعنية بالإعلام والدراما في مصر"، بما في ذلك وزارة الثقافة، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، إلى جانب مجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، وشركات إنتاج مستقلة أخرى.
علماً أن المتحدة للخدمات الإعلامية أو "يونايتد ميديا" تعد الذراع الإعلامية الأكبر في البلاد، حيث تشرف على إنتاج وتوزيع غالبية الأعمال الدرامية والسينمائية المعروضة على القنوات المصرية.
ومن المعروف أن المجموعة تملك محفظة من القنوات الفضائية والمنصات الرقمية المؤثرة، وتلعب دوراً مركزياً في تشكيل الخريطة الدرامية الرمضانية.
إلى جانب هذه المؤسسات، أشار مدبولي إلى إشراك "نخبة من الخبراء المتميزين" في صياغة التوصيات التي ستصدر عن اللجنة الجديدة.
لم تحدد الجهات الرسميّة مسلسلات بعينها، لكن اتفق كثير من الإعلاميين والنقاد على تسمية عدد منها.
فمثلاً، تعتقد الناقدة ماجدة خيرالله، أن أربعة مسلسلات هي التي كانت وراء كل هذه الأزمة: "إش إش"، "العتاولة 2"، "فهد البطل"، و"سيد الناس".
وتقول في مقابلة مع بي بي سي عربي: "لم أعد أشاهد هذه المسلسلات، في البداية أعطيت كل منها فرصة متابعة لخمس حلقات، لكنني شعرت بأن مشاهدتها مضيعة للوقت".
الأمر الذي وجدته الناقدة المعروفة مزعجاً كان مشاهد الصراخ الدائم؛ إذ ترى أن هذا الأمر "غير منطقي ولا يحصل في الحياة العادية".
تقول خيرالله إن رفض مثل هذه المشاهد المبالغ فيها، لم يبدأ من النقاد، بل من الجمهور نفسه: "الناس هي من أثارت هذه الأزمة، وليست الصحافة أو النقاد. الكثافة في تقديم هذا النوع من الأعمال هي ما جعلت الأمر غير محتمل".
وانزعجت كثيراً من ربط مسلسلات الأحياء الشعبية بالـ"بلطجة والشرشحة".
ففي حين اختارت بعض المسلسلات تقديم مشاهد الحارات الشعبية من خلال ضجيج صاخب، وشتائم متكررة، وانفعالات مبالغ فيها، أثبتت أعمال أخرى أن الحي الشعبي لا يعني بالضرورة الفوضى.
تُشيد خيرالله، على وجه الخصوص، بمسلسل "أولاد الشمس"، الذي - برأيها - "قدّم دراما هادئة ومنطقية"، وأعطى فرصة ظهور نجمين شابين هما أحمد مالك وطه الدسوقي.
كما أشادت بمسلسل "80 باكو"، الذي عرض حالات إنسانية لبطلات العمل "دون أن يسقط في فخ الضجيج أو العنف (غير المنطقي)".
وترى خيرالله أن ما يُميّز هذه الأعمال هو احترامها لعقل المشاهد، وانطلاقها من أساسات فنية متينة، موضحة: "العمل الفني لابد أن يُبنى على كتابة راقية، وعلى مخرج واعٍ يفهم من هو جمهوره المستهدف. في النهاية، الدراما تدخل بيوت الناس، ويجب أن تحترم هذا الأمر".
رغم تصاعد موجة النقد التي رافقت موسم رمضان الدرامي هذا العام، لا ينكر عضو لجنة الدراما في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، زين العابدين شبلي، في مقابلته مع بي بي سي عربي، وجود أعمال تستحق الثناء.
من أبرزها "جودر 2"، الذي قدّم معالجة معاصرة لعوالم "ألف ليلة وليلة" بأسلوب بصري حديث وجاذب، ومسلسل "ولاد الشمس" الذي تعمّق في قضايا الأيتام وانتهاكات دور الرعاية، إلى جانب "قلبي ومفتاحه" الذي تناول موضوعي الطلاق التعسفي والزواج المشروط، و"ظلم المصطبة" الذي غاص في معاناة الريف المصري، وصولاً إلى "قهوة المحطة" الذي سلّط الضوء على أحلام شباب الصعيد في بلوغ الشهرة والنجاح.
لكنّ شبلي يرى أن تأثير بعض الأعمال، التي اتُّهمت بالإسفاف والعنف اللفظي، طغت على هذه التجارب الإيجابية.
مشهد تنظيمي مربك مع تصاعد الجدل الرسمي حول مضامين الأعمال الدرامية في مصر، دخلت ثلاث لجان مختلفة على خط المشهد، لكل منها تبعيتها المؤسسية ومهامها الخاصة، ما أطلق نقاشاً واسعاً حول طبيعة هذه الكيانات وحدود تدخلها.
أحدث هذه اللجان جاءت بتكليف مباشر من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وتعمل تحت مظلة رئاسة مجلس الوزراء. اللجنة وُصفت بأنها "مجموعة عمل متخصصة لصياغة رؤية واضحة للمستقبل"، هدفها وضع تصور شامل لدور الدراما في تعزيز القيم المجتمعية، بمشاركة جهات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي