رغم كلّ الاتفاقيات والوساطات عادت إسرائيل إلى وتيرة إبادتها الجماعية للفلسطينيين فى غزة وتدمير مدن الضفة الغربية. كما قصفت الضاحية الجنوبية فى بيروت، بحجة حادثة مشبوهة، لتعكر أجواء زيارة الرئيس اللبنانى جوزيف عون إلى باريس واللقاء الذى رعاه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بين الرئيسين اللبنانى والسورى. هذا فى حين صرح رئيس لجنة الأمن القومى بالكنيست الإسرائيلى أن دمشق يجب أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وأن تكون جسر إسرائيل للوصول إلى الفرات. وفى حين يتجول الجيش الإسرائيلى فى الجنوب السورى وتعبث أجهزة أمن الدولة العبرية فى كامل التراب السورى. مغزى ذلك أنّ نتنياهو لم يقُل كلمته الأخيرة ولم يصِل إلى نهاياته فى تغيير المشرق العربى وفرض هيمنته الكاملة عليه... جغرافيّا وبشريا وسياسيا... ودون رادع.
فى لبنان، من الواضح بعد حرب إسرائيلية مدمرة أن تدخلات خارجية، سواء من «اللجنة الخماسية» التى تضم قطر والسعودية ومصر والولايات المتحدة وفرنسا أو من غيرها، مكّنت أخيرا من انتخاب رئيس للجمهورية بعد سنتين من الفراغ وتشكيل حكومة جديدة وأخيرا تعيين حاكم لمصرف لبنان المركزى. هذا كلّه فى بلد ما زالت أوضاعه الاقتصاديّة والماليّة والخدميّة هشّة للغاية، والمعوقات كبيرة أمام الإصلاحات... حتّى الملحّة منها.
ربّما اعتاد اللبنانيّون على التدخّلات الخارجيّة فى تركيبات حكومات دولتهم، وفى ظلّ تعقيدات التفاوض بين قواهم السياسيّة. إلاّ أنّ السوريين لم يعتادوا يوما أن تتدخل دول فى ترشيح وزراء أو رفض وصولهم إلى مهمات كبرى حكومية. علما أن تسمية الحكومات فى سوريا كانت تخضع لاعتبارات توازنات ذات طبيعة مناطقية أكثر مما هى الاعتبارات الطائفية فى لبنان.
بالتأكيد تقوم تلك التدخلات والمفاوضات والتوازنات على من يتولى الحقائب «السياديّة»، أى رئاسة الوزارة ووزارات المالية والداخلية والدفاع والخارجية، كما المصرف المركزى. بالإضافة إلى الحقائب «الخدميّة» المهمّة، أى الاتصالات لأنها تخص قطاعا ريعيّا، والكهرباء.
هكذا تمّ فى مهرجانٍ كبير الإعلان عن حكومة جديدة فى سوريا، بعد حكومة «تيسير الأعمال» التى استمرّت أكثر من نهاية مدّة الثلاثة أشهر بقليل. حكومة «أصيلة»، ربما لمدة خمس سنوات، ولم يُشَر أنّها حكومة «انتقاليّة» مناطٌ بها مهمّة محدّدة لإعادة تعافى البلاد، ريثما يصبح بالإمكان إجراء انتخابات بعد ذلك التعافى.
لقد احتفظ رئيس البلاد برئاسة مجلس الوزراء، كما تبيّن أصلا من نصّ الإعلان الدستورى. كما احتفظت الحلقة الضيقة المحيطة به بالوزارات «السيادية»، عدا وزارة المالية رغم أهميتها الأساسية فى إخراج البلاد من انهيارها الاقتصادى الحالى. هنا جاء الخيار إشارة للتوجه نحو تطبيع العلاقات مع منظومتى البنك وصندوق النقد الدوليين. فى المقابل، تمّ اعتبار وزارات كالعدل والطاقة، التى تضمّ النفط والكهرباء، والإدارة المحلية، «سياديّة». وتسلّمت شخصيّات «تقنيّة» مسئوليّات الحقائب «الخدميّة».
من الواضح أنّ هذه الحكومة تشكّل رسالةً من السلطة الجديدة فى سوريا إلى أوروبا الغربيّة والولايات المتحدة، من حيث أنّهما لا تنظران إلى سوريا، والمشرق العربى بشكلٍ عام، سوى من المنظور الطائفى بين الأغلبيّة والأقليّات..
للإشارة هناك سيّدة وزيرة واحدة وحيدة مسيحيّة وشخصيّة تقنيّة واحدة ووحيدة أيضا ذات أصول علويّة وشخصيّة أخرى كردية.
يبقى السؤال مطروحا عمّا إذا كانت الدول النافذة اليوم فى سوريا، وفى مستقبلها، ستعتبر أنّ هذه الحكومة تشكّل... مشاركةً سياسيّة؟ والأهمّ أيضا عما إذا كانت جميع أطياف المجتمع السورى تعتبر أنّها كذلك؟ هذا على الرغم من أنّه من الواضح أنّ لا مشاركة سياسيّة فيها بالمعنى الحقيقى، إذ تمّ حلّ كلّ الأحزاب السياسيّة فى سوريا حتّى صدور قانون أحزاب جديد. بالتوازى جرى حلّ جميع الأحزاب التى كانت قائمة فى ظلّ السلطة القديمة كما حلّ جميع الأحزاب التى كانت فى المعارضة، وتسمّى فى الأدبيات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق