لطالما ارتبطت تجارة الشاي بتحولات السياسة العالمية، من الثورة الأميركية إلى «حروب الأفيون»، وها هي اليوم تواجه فصلاً جديدًا من التحديات مع القرارات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي ظل تطبيق تعريفات جمركية شاملة على الواردات، بما فيها الشاي، تدخل الأسواق العالمية مرحلة اضطراب جديدة، تُهدد بارتفاع الأسعار، وتُربك سلاسل التوريد، وتُثير مخاوف اقتصادية واسعة النطاق. وبينما تستعد الدول المنتجة للشاي، مثل الصين والهند وسريلانكا.
زيادة الأزمات
الخبير الاقتصادي محمد أكرم، قال: «إن سياسات ترامب التجارية تشكل عاملاً مُضاعفاً للأزمات القائمة في سوق الشاي، في إشارة واضحة إلى تحديات أكبر ذات صلة تتمثل في (العوامل المناخية واللوجستية)، بينما تُهدد الرسوم الجمركية باختبار مرونة الأسواق الناشئة في مواجهة صدمات الأسعار».
ويصف أكرم في حديثه لـ «إرم بزنس» حالة الأسواق بالسلبية، ويقول بأنها ستفضي لعواقب أوسع نطاقاً من تلك التي نشهدها الآن، متطرقاً إلى زيادة تكاليف واردات الشاي، وتحولات في سلاسل التوريد بهدف استكشاف خيارات بديلة في المناطق ذات التعريفات المنخفضة.
ولن يكون القطاع الزراعي - وهو عنصر رئيس في التجارة العالمية- بمنأى عن العواقب السلبية، إذ تشير تحذيرات صادرة من مؤسسات، مثل النقد الدولي، والبنك الدولي، إلى مخاطر كبيرة على الاقتصاد الأميركي والعالمي، بما في ذلك ارتفاع التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة احتمالية الركود.
ويرى محمد أكرم، أن الحروب التجارية تخلق «حالة من عدم اليقين» تُثبط استثمارات القطاعات الزراعية، بما في ذلك الشاي.
ويهيمن عدد محدود من المنتجين على الإنتاج العالمي للشاي، وتنتج 4 دول فقط، وهي: الصين، والهند، وكينيا، وسيرلانكا، 80% من الإنتاج الدولي من الشاي. ومن اللافت أن أكبر شركات تصنيع الشاي في العالم ليست بالضرورة من هذه الدول.
وبحسب الخبير الاقتصادي، يمكن تفسير هذا التناقض بعدة عوامل، أبرزها: التاريخ الاستعماري، وسيطرة شركات من الدول المستعمرة على عمليات التصنيع والتسويق العالمية، فضلاً عن تركيز الدول المنتجة على تصدير الشاي الخام بدلاً من الاستثمار في عمليات التصنيع والتعبئة.
وتعد الصين أكبر سوقاً للشاي في العالم بلا منازع، حيث تتصدر الترتيب من حيث الإيرادات، مسجلةً 107 مليارات دولار. ويُعادل هذا الرقم حوالي 5 أضعاف ما حققته سوق الشاي الهندية، التي تحتل المرتبة الثانية، بحسب موقع «ستاتيستا» المختص بالأبحاث والإحصاءات.
التأثير على أسعار وتجارة الشاي
في السنوات الأخيرة، أظهرت واردات الولايات المتحدة من الشاي اتجاهاً عاماً للنمو. يعكس توجهاً عالمياً، وفقاً لتقرير «ذا بيزنس ريسيرش» الذي يتوقع أن ينمو حجم سوق الشاي العالمي من 55.67 مليار دولار في 2024 إلى 59.23 مليار دولار في 2025، بمعدل نمو سنوي مركب 6.4%.
ومع ذلك، وبسبب التغييرات في سياسة التعريفة الجمركية، تتوقع المؤسسات الاقتصادية المختصة بالبحوث والاستشارات ارتفاع أسعار الشاي، مما قد يؤثر سلباً على حجم المبيعات.
على سبيل المثال، نُوقِشَت تعريفة جمركية بنسبة 15% على الشاي المستورد، مع توقعات تشير إلى ارتفاع محتمل في متوسط أسعار التجزئة للمستهلكين بنسبة تتراوح بين 18-25%. وقد تواجه أنواع الشاي المتخصصة، مثل دارجيلنغ وماتشا، زيادات أكبر في الأسعار.
وأعرب خبراء الصناعة، مثل جمعية الشاي في الولايات المتحدة الأميركية - وهي ثالث أكبر مستورد للشاي في العالم- عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه الأسعار المرتفعة إلى انخفاض في طلب المستهلكين، وقالت إن مستهلكي الشاي سيصبحون أكثر حساسية للأسعار، وسيختارون بدائل أقل تكلفة.
وبالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعتمد على الشاي المستورد، فإن تحقيق التوازن بين التكاليف والطلب في السوق سيشكل تحدياً كبيراً في المستقبل القريب.
تغيير محتمل في خريطة المنتجين
لمواجهة ارتفاع التكاليف بسبب الرسوم الجمركية، يسعى المستوردون الأميركيون إلى تنويع مصادر الشاي، مما قد يحول تركيزهم نحو الدول المعفاة من هذه الرسوم، أو التي تفرض رسوماً جمركية أقل.
ويرى أكرم، أن مناطق، مثل كينيا والأرجنتين، والتي قد لا تخضع لنفس مستوى الرسوم الجمركية التي تفرضها الصين أو الهند أو سريلانكا، قد تصبح مصادر أكثر جاذبية لمستوردي الشاي الأميركيين.
وقد يؤدي هذا التحول المحتمل في الطلب إلى تغييرات في طرق التجارة التقليدية للشاي، كما سيؤثر في أحجام الصادرات من مختلف الدول المنتجة للشاي إلى السوق الأميركية.
العواقب والتوقعات الاقتصادية
خبراء الاقتصاد والمؤسسات المالية الدولية أعربوا عن قلقهم البالغ إزاء العواقب الاقتصادية الأوسع نطاقاً، وحذّر صندوق النقد الدولي، تحديداً، من أن حملات التعريفات الجمركية المكثفة هذه تُشكل «خطراً كبيراً» على التوقعات الاقتصادية العالمية في وقت يشهد تباطؤاً في النمو، وزيادة خطر الركود، مما قد يعطل سلاسل التوريد، ويقلل من الاستثمار التجاري، كما أنه يُضعف المستهلكين.
وطالب صندوق النقد الدولي الولايات المتحدة بتجنب التصعيد والخطوات التي قد تُلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد العالمي.
ويحذّر نهاد إسماعيل خبير الاقتصاد الدولي من أن سياسات ترامب تشن «حرباً تجارية متعددة الجبهات» قد تُعيد العالم إلى «ركود وتضخم مزدوج».
وأكد نبيل المرسومي، أستاذ الاقتصاد، في حديث لـ«إرم بزنس» على خطر نشوء ما وصفه «بالتحالفات الاقتصادية الجديدة» لمواجهة هذه السياسات، من جهة أخرى.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس