ربما يكون الصدق والبساطة هما مفتاح هذه السيرة الذاتية، فلا تجد فيها تضخيما للذات ولا للدور، ولا تقرأ فيها «عنتريات» تطمح إلى تغيير العالم، بل ربما هى أقرب إلى سيرة حيرة وأسئلة، وليست سيرة إجابات ووصول، سيرة ضعف ومشقة، وليست سيرة قوة ووصول ويقين.
أحببت سيرة «حنين إلى الدائرة المغلقة» الصادرة عن دار الكرمة، لمؤلفها بدر الرفاعى، وهو مترجم كبير، قدّم للمكتبة العربية ترجمات مهمة، أحدثها ترجمة كتاب «إعلام الجماهير.. ثقافة الكاسيت فى مصر» للباحث الأمريكى أندرو سايمون، وقد تخرج الرفاعى فى العام 1971 فى قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة؛ أى إنه من الجيل الذى عاصر الأحداث المصرية والعربية الكبرى فى القرن العشرين، وسنوات القرن الحادى والعشرين، منذ مولده فى عام النكبة (1948)، وحتى اليوم.
ولكن الحدث الأهم والمؤثر كان شخصيا وعائليا، فهو ابن كادر شيوعى معروف، هو سيد سليمان الرفاعى (الرفيق بدر)، السكرتير العام لتنظيم «حدتو» الشهير، والذى سجن لمدة سبع سنوات فى الواحات، وكانت أم بدر شيوعية أيضًا، تحملت مسئولية تربيته ورعايته طوال فترة سجن أبيه، وقد حدّدت هذه الظروف العائلية مسار حياة بدر، وسنوات عمره الأولى، وأثّرت عميقا بعد ذلك على أفكاره وأسئلته.
وقبل أن تظن أنه ورث النضال عن والده، يدهشك الرجل بأنه ليس مناضلًا، ولا يحب أن يكون، وأنه كسول، ويحن دوما إلى الدوائر المغلقة والمنعزلة، ويميل إلى الوحدة، ويتذكر بكثير من التفاصيل والشغف طفولته فى قرية جده لوالده، حيث تركته أمه لفترة بسبب ظروف مطاردات السياسة.
ورغم أن بدر قد عرف بدوره العمل السياسى السرى فى مرحلة الشباب المبكر، فإنه مرَّ بفترة مراجعة كاملة، وبمحنة نفسية، أورثته قلقًا وأسئلة وعدم يقين، وبقيت من التجربة تلك الشهادة المهمة عن الزمن والناس والوطن، وعن الشخصيات الكثيرة التى عرفها خلال مسيرته الصحفية، بالذات فى فترة عمله سكرتيرا فنيا فى دار الفتى العربى.
يمكن أن نعتبر هذه السيرة وثيقة اجتماعية وإنسانية مدهشة، والفصول الأولى التى يحكى فيها بدر الرفاعى عن فترة القرية، ثم عودته إلى أمه، ليقيما فى أكثر من مكان فى شبرا، ثم خروج الأب من السجن، والانتقال إلى شبرا الخيمة، كتبت بجرأة واقتدار، وبنفس روائى، لا يترك شاردة أو واردة، فتشعر فى السطور بنبض الحياة فى خشونتها وبساطتها، وسط ظروف أقرب إلى الفقر والتقشف، وتبدو القرية المصرية بالذات بطريقتها بعيدة عن أيدى التحديث، ومن خلال عين طفل يكتشف العالم، يتدفق السرد حرا وطليقا وصريحا، ونرى شخصيات الجدة والجد فى القرية، ثم شخصية الأم فى القاهرة، كعناصر أساسية فى البناء، وكمحاور لدراما السنوات الأولى، التى شكّلت العالم الأول الذى عرفه الكاتب.
يكتب الرفاعى بصورة حميمة وواقعية، ورغم انتزاعه من القرية التى لم ينتظم فيها للدراسة، وإن عرف الكتّاب،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق