منذ بداية ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة، أشعل دونالد ترامب فتيل الصراعات البحرية العالمية من جديد، فشنّ ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن لتأمين طرق الملاحة في مضيق باب المندب، وسعى لإعادة فرض سيطرته على قناة بنما، بل وأعاد إحياء طموحه المثير للجدل بالاستحواذ على غرينلاند.
وتُشكّل هذه المناورات، التي تبدو متباينة، جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا لترسيخ الهيمنة الأميركية على التجارة العالمية، ومواجهة التوسع الصيني، وتعزيز النفوذ الاستراتيجي الأميركي في المناطق البحرية الرئيسية.
قناة بنما
تقع القناة في دولة بنما فيما يُعرف بأميركا الوسطى، وتربط بين المحيط الهادئ ومنطقة بحر الكاريبي والمحيط الأطلسي، ويبلغ طولها 77 كيلومتراً، وتمتد من خليج ليمون في المحيط الأطلسي إلى خليج بنما على المحيط الهادئ.
وتتمتع قناة بنما بأهمية استراتيجية كبيرة؛ فقبل إنشائها كانت السفن التجارية تضطر للإبحار حول الطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية عبر رأس هورن في التشيلي، ما يزيد 13 ألف كيلومتر إلى الرحلة، ويستغرق من 20 إلى 30 يوماً إضافية حسب الظروف الجوية وسرعة السفن.
تستقبل القناة أكثر من 14 ألف سفينة سنوياً، في مقدمتها السفن الأميركية والصينية واليابانية، تحمل بضائع تتجاوز قيمتها 270 مليار دولار.
تعبر القناة سفن نقل السيارات، وناقلات الغاز الطبيعي، والسفن الحربية، إضافة إلى السفن المحملة بالمنتجات الزراعية مثل الذرة وفول الصويا القادمة من الولايات المتحدة الموجهة إلى آسيا، إضافة إلى المنتجات الإلكترونية والسيارات من آسيا إلى أوروبا والأميركتين.
وتعد قناة بنما شرياناً للاقتصاد والتجارة الأميركية، حيث تمثل السفن الأميركية نحو 73% من حركة القناة، وتمر 40% من إجمالي حركة الحاويات الأميركية عبر القناة كل عام.
حققت القناة إيرادات قياسية بلغت 4 مليارات دولار العام الماضي، بفضل التوسعات التي تم إنجازها في 2016، والتي سمحت بمرور سفن " نيو باناماكس" العملاقة، بما عزز من قدرتها التنافسية، رغم كونها أصغر ممر مائي عالمي.
وتُعد القناة تُعد مشروعًا تجاريًا استثنائيًا؛ ففي العام الماضي، حققت صافي دخل يقارب 3.5 مليار دولار، مقابل إيرادات بلغت حوالي 5 مليارات دولار، فيما يمكن أن تحقق الأصول الضخمة كالجسور الرئيسية والمطارات والطرق ذات الرسوم، على سبيل المثال، ما بين 20 و35 ضعف الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك وهو ما سيكون أعلى من صافي الدخل، مما يضع تقييمًا نظريًا أساسيًا يتراوح بين 70 و120 مليار دولار، وفقاً لستة خبراء استطلعت فوربس آرائهم.
النفوذ الصيني
بالإضافة إلى ذلك، تُعد القناة محورًا لتدفق التجارة العالمية، حيث عبرت فيها نحو 10 آلاف سفينة عملاقة تحمل نحو 423 مليون طن من البضائع الثمينة في 2024. ودفعت كل سفينة مئات الآلاف من الدولارات رسومًا بناءً على حجمها وحمولتها.
من جهة أخرى، يرى محللون أن مخاوف ترامب ترتبط بزيادة النفوذ الصيني في التجارة العالمية والبنية التحتية الاستراتيجية، وفي هذا الصدد، أعرب ترامب وبعض حلفائه في الكونغرس عن قلقهم إزاء سيطرة الصين على القناة وهو الادعاء الذي تنفيه بنما، مشيرين إلى أن شركات مقرها الصين تدير موانئ ومشاريع بنية تحتية كبرى أخرى في البلاد، ما قد يشكل، نظريًا، تهديدًا للوصول إلى القناة في حال نشوب صراع.
وفي هذا السياق، قال عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس السيناتور تيد كروز، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ في 28 يناير/كانون الثاني "أنا ممتن للرئيس ترامب لرفع مستوى الوعي العام بشأن حالة قناة بنما والتهديدات التي تواجهها المصالح الأميركية".
وأضاف: "لا يمكننا أن نسمح بابتزاز شركات الشحن الأميركية. ولا يمكننا أن نغض الطرف إذا استغلت بنما أصولًا ذات أهمية تجارية وعسكرية حيوية. ولا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي بينما تتقدم الصين في نصف الكرة الأرضية الخاص بنا".
كان جزء من مخاوف الرئيس الأميركي يأتي من إدارة شركة تابعة لشركة سي كيه هتشيسون هولدينغ CK Hutchison Holding ومقرها هونغ كونغ، منذ فترة طويلة ميناءين يقعان على مدخلي القناة في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، ويتولى هذان الميناءان، التعامل مع معظم البضائع الداخلة والخارجة من القناة.
ولكن وافقت مجموعة سي كيه هتشيسون هولدينغ على بيع حصتها المسيطرة في شركة هتشيسون بورت هولدينغس Hutchison Port Holdings وفي هتشيسون بورت غروب هولدنغس Hutchison Port Group Holdings إلى كونسرتيوم يضم شركة بلاك روك الأميركية، وذلك مقابل نحو 23 مليار دولار، بما في ذلك 5 مليارات دولار من الديون.
تمنح الصفقة كونسرتيوم بلاك روك السيطرة على 43 ميناء في 23 دولة، بما في ذلك موانئ بالبوا وكريستوبال في بنما، بالإضافة إلى موانئ أخرى في المكسيك وهولندا ومصر وأستراليا وباكستان وأماكن أخرى، مع الإبقاء على المنشآت في الصين وهونغ كونغ وتُقدر العوائد النقدية المتوقعة من الصفقة بأكثر من 19 مليار دولار.
يضع ذلك الإجراء الموانئ فعليًا تحت السيطرة الأميركية، بحسب وكالة أسوشيتيد بريس.
من ناحيتها، كثّفت السلطات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من فوربس الشرق الأوسط