ديمة محبوبة عمان لم يخطر ببال مروان الخطيب أن يكون حسابه على فيسبوك سببا في رفضه من وظيفة كان يأمل بها. خرج من مقابلة العمل بابتسامة واثقة، مقتنعا بأنه أدى بشكل ممتاز، أجاب على الأسئلة بثقة، وعبر عن نفسه بشكل جيد.
انتظر الرد مطمئنا، لكنه تفاجأ برسالة مقتضبة على بريده الإلكتروني: "نعتذر، لقد تم اختيار مرشح آخر"، في البداية، ظن أن هناك من كان أكثر كفاءة منه، لكن ما علمه لاحقا من صديق يعمل في الشركة قلب موازينه؛ مسؤولة التوظيف اطلعت على حسابه الشخصي، ووجدت منشورات قديمة كتبها بنبرة غاضبة يهاجم فيها مديره السابق، ويسيء لمكان عمله، ما أعطاها انطباعا سلبيا كافيا لاستبعاده من قائمة المرشحين.
وفي قصة مشابهة، كانت رنا الطالبة الجامعية المجتهدة، قد نشرت صورة عفوية لها مع أصدقائها خلال احتفال بعيد ميلاد. بدت الصورة طبيعية بالنسبة لها، مليئة بالمرح، ولا تحمل أي محتوى خارج عن المألوف. لكنها استيقظت في اليوم التالي على وابل من الإشعارات؛ فقد أصبحت صورتها مادة للتداول في مجموعة طلابية، وانهالت عليها التعليقات الساخرة والتنمر الرقمي الذي طال شخصيتها ومظهرها وسلوكها، من دون أن تمنح فرصة للدفاع عن نفسها. مبينة أن الصورة خرجت عن إطارها، وتم تحميلها بتفسيرات لم تكن تقصدها صاحبتها.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي يؤكد أن الهوية الرقمية لا تقتصر على ما ينشره الفرد عن نفسه، بل تشمل أيضاً ما يجمعه الإنترنت عنه؛ من منشورات وصور وتعليقات وإعجابات، وحتى سجل التصفح في بعض الأحيان. فكل تفاعل، سواء كان مقصودا أم لا، يسهم في تشكيل صورة رقمية للفرد.
وما لا يتوقعه الكثير من المستخدمين هو أن بعض السلوكيات الرقمية غير المحسوبة قد تكون هي نفسها ما يرسم ملامح الطريق المهني والاجتماعي للفرد. فقد يقبل شخص في وظيفة أو يرفض بسبب منشور أو صورة، وقد يعتبر عريسا مناسبا أو يستبعد من فكرة الارتباط لذات الأسباب، وينطبق الأمر على الفتيات أيضا.
ويوضح خزاعي أن ما يجعل الأمر أكثر تعقيدا هو أن الإنترنت لا ينسى. قد تحذف منشورا أو تغلق حسابا، لكن صورة منه قد تبقى محفوظة في أرشيف، أو تلتقط لها "سكرين شوت"، أو تتداول في مكان آخر، فيتحول ما كان يظن أنه لحظة عابرة إلى أثر دائم، أشبه بندبة رقمية يصعب محوها.
ومن زاوية أخرى، تتحدث التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني عن ضغوط "الظهور المثالي"، على الإنترنت، حيث يشعر الكثيرون أن عليهم أن يكونوا ناجحين، جذابين، مضحكين، محبوبين، طوال الوقت. هذا الضغط يولد فجوة مؤلمة بين "النسخة الرقمية" و"النسخة الحقيقية" من الإنسان؛ فقد يبدو أحدهم في قمة السعادة على إنستغرام، بينما ينهار داخليا لأنه لم يعد قادرا على التوقف عن "التمثيل" أمام جمهور افتراضي.
وهنا تشير الكيلاني إلى هوية رقمية مزيفة تستهلك صاحبها، وتؤثر على صحته النفسية وسلوكياته الواقعية.
وتوضح الكيلاني أن الدعوة ليست للتوقف عن أن نكون حقيقيين على الإنترنت، بل لتذكير كل فرد بأن هذه الأدوات الرقمية أصبحت اليوم جزءا أساسيا من تشكيل حياته الحاضرة والمستقبلية، وهي بمثابة سيرته الذاتية التي يرجع إليها من يبحث عنه مهنيا أو اجتماعيا.
وتنصح بأن يكون كل مستخدم واعيا بأن ما ينشره قد يتحول إلى وثيقة دائمة، وأن الإنترنت لا ينسى بسهولة، ولا يغفر ما احتفظ به في أرشيفه.
وتقول الكيلاني: "من المهم أن ندرب أنفسنا وأبناءنا على التفكير قبل النشر، وأن نتعامل مع كل تفاعل رقمي كما نتعامل مع اللقاءات الواقعية،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية