لابد أنكم سمعتم عن مسلسل (Adolescence) الذي أنتجته "نتفلكس" إن لم تكونوا قد شاهدتموه. إنه مسلسل من أربع ساعات مبني على قصة درامية بريطانية صادمة تتناول جريمة، ويغوص في العلاقات الاجتماعية والعائلية التي مهدت لمقتل المراهقة كيتي على يد جايمي، زميلها في المدرسة الثانوية.
نال المسلسل إشادات واسعة لما يتضمنه من أداء تمثيلي آسر، وأسلوب تصوير يتطلب جرأة لاختياره، إذ إنه يعتمد على مشهد بلا وقفات أو نقلات يستمر من بداية الحلقة حتى نهايتها. وقد جاء توقيت عرضه مثالياً، إذ يحتدم جدل عن علاقة المراهقين بوسائل التواصل الاجتماعي، وتأثّر الفتيان بتيارات ثقافية متطرفة على الفضاء الرقمي تروّج لمفاهيم ذكورية سامة.
قابل محررا بلومبرغ بزنيسويك براد ستون وريهان هارمانجي جاك ثورن، المؤلف الشريك للمسلسل الذي أصبح مرجعاً في هذه القضايا وخبيراً في تشخيص مشاعر انعدام الأمان الاقتصادي والثقافي التي يعيشها كثير من رجال المجتمعات الغربية.
لقد عُدلت صياغة المقابلة بغرض الاختصار والوضوح.
من القضايا البارزة التي يطرحها المسلسل الشعور العميق بالغربة بين أبناء هذا الجيل وذويهم الذين يحاولون حمايتهم. وهو شعور ربما راود معظم الأهل على مرّ الأجيال، ولو تفاوتت درجاته. لكن هل انطلقتم في هذا العمل من قناعة أن التقنية وسعت هذه الفجوة على نحو غير مسبوق، خصوصاً بين الفتيان؟
لا شك في ذلك. تدور في هذا الفضاء الكثير من النقاشات التي يصعب علينا فهمها. خذ الرموز التعبيرية "إيموجي" على سبيل المثال. لقد أمضيت وقتاً طويلاً أتحدث مع الشباب عن معانيها واستخداماتها، فهي تمثل مستوى معقداً من تواصلهم البيني. أتخيل أن الأمر كان مشابهاً في ستينيات القرن الماضي، حين كانت مجموعتان من الناس تتحدثان بطريقتين مختلفتين تماماً، فكيف يمكن أن تجدا سبلاً للتفاهم؟
في المقال الذي كتبته في صحيفة "الغارديان"، قلت إن جايمي مأساة توازي مأساة كايتي. هل يمكنك أن تحدّثنا قليلاً عن أبعاد هذه المأساة؟ ما تأثير الثقافة السائدة والتقنية المعاصرة على الفتيان؟
أرى جايمي كمأساة حقيقية برغم تباينها عن مأساة كايتي، ولا شك أن خسارة كايتي أفدح. يقول المثل إن تربية طفل تحتاج إلى قرية كاملة، لكن هل يمكن أيضاً لهذه القرية أن تدمر الطفل؟
جايمي ليس مجرد نتاج لثقافة "مانوسفير" أو "إنسل"، فما ذلك إلا جانب واحد من تكوينه. هناك أيضاً والدان لا يريانه ومدرسة تعجز عن مساعدته وأصدقاء غير قادرين على التواصل معه، ثم هناك عقله وكيمياء دماغه وطريقته الخاصة في الاستجابة لما يحيط به.
:
الحلقة الثالثة التي شاركتَ في كتابتها كانت تحفة فنية بكل ما للكلمة من معنى. وفيها طرحت الأخصائية النفسية على جايمي سؤالاً بدا لي كأنّه جوهر المسلسل وهو: "كيف تصف الشعور الذي يجب أن يحسه الرجل؟" أود أن أسألك لماذا ترى هذا السؤال مهماً؟ ولماذا تعتقد أن كثيراً من الفتيان اليوم قد يقدمون إجابة ملتوية على هذا السؤال؟
كان الحديث مع شبّان حول هذه القضايا مثيراً جداً، وأكثر ما لفتني فيه دعوة بعضهم إلى عدم شيطنة تيار "مانوسفير"، لأنه -برأيهم- جعلهم أقوى وأكثر تلاؤماً وجاذبيةً. ويؤكدون أنهم قادرون على تمييز المحتوى الخبيث والمؤذي وتجنّبه، فيقولون إنهم يركّزون على الرسائل التي تدفعهم للاهتمام بأجسادهم وتعزيز جاذبيتهم وعلى ارتياد الصالات الرياضية.
لكن في الحقيقة، الأمر أشبه بارتداء زيّ موحّد. المفارقة أنني، بعد ظهوري في بعض البرامج الإخبارية وتداول صورتي، علّق البعض بالقول "ليس هذا ما يجب أن يبدو عليه الرجل"، أو "هذا شخص لديه نسبة عالية من الإستروجين... لدينا تساؤلات حول رجولته ودينه ومختلف جوانبه"، وذلك كله لمجرد أنني لا أتماهى مع الصورة النمطية التي يظنون أن الرجل يجب أن يبدو عليها. قال لي بعض الناس لاحقاً: "لا بد أنه كان صعباً عليك أن تسمع ذلك"، لكن ما قالوه ليس صحيحاً، فأنا مرتاح تماماً إلى شكلي وسبق ومررت بتجربة كهذه وتجاوزتها. لكن فتح هذا النقاش مع الشباب ضروري اليوم، وكذلك التأكيد أن ثمة طيفاً واسعاً للرجولة ولما يجب أن يبدو عليه الرجال، لأن الثقافة السائدة تقيدهم بفكرة "هكذا يجب أن أكون".
هل تحدثتَ مع عدد كبير من الفتيان خلال البحث لإعداد هذا العمل؟ أشعر بالفضول بشأن التحضيرات.
نعم، تحدثت إلى عدد كبير من الرجال، بخاصة الشبّان. كما أمضيت وقتاً على الإنترنت أعدّل خوارزميتي. لقد قرأت كمّاً هائلاً من المحتوى على منصات متعددة لأحاول فهم المواد التي يتعرض لها الفتيان.
في البداية، ظننت أن بإمكاني وضع ثقافة الإنترنت في خانة واحدة والقول إن هؤلاء الأشخاص يشبهون أندرو تايت، أو "مخلوقات مختلفة". لكن تبيّن أن الأمر ليس بهذه البساطة.
أعتقد أن الفكرة الجوهرية في هذا الخطاب هي زعم أن 80% من النساء ينجذبن إلى 20% فقط من الرجال. لهذه الفكرة تأثير كبير، لأنها تتسلّل إلى صميم المشاعر التي كنت أعيشها كمراهق، مثل "لا أحد يحبني، لا أحد يجدني جذاباً، لا أحد يريد الحديث معي... كيف يمكنني أن أجد موقعاً موائماً في هذا العالم؟".
ماذا لو سمعتُ في ذلك الوقت من يقول إن ثمة سبباً لكل ما تشعر به، وهو أن العالم تهيمن عليه النساء... أنت لا تتمتع بالجمال الكافي لتنتمي إلى هذا العالم، إلا إذا جعلت نفسك أقوى وأفضل وأكثر جاذبية.
الثقافات المتطرفة موجودة منذ الأزل، ولطالما انجذب إليها الضعفاء ووقعوا ضحايا لها. ما مدى مسؤولية شبكات التواصل الاجتماعي ومقدمو البودكاست ممن يروجون لـ"مانوسفير"، والخوارزميات التي اكتشفتها خلال بحوثك لإعداد المسلسل؟ إلى أي حد يمكن تحميل شركات التقنية مسؤولية هذا الواقع؟
نظراً.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg