على مدى نحو قرن، تضافرت جهود قادة الحزبين في الولايات المتحدة من أجل ضمان استمرار تدفق سيل من السلع الاستهلاكية المستوردة بأسعار معقولة، وسط صراع ثقافي سياسي متعدد الجبهات مع الاتحاد السوفييتي، بحسب "بلومبرغ" .. لكن هل ما زالت السلع الاستهلاكية الرخيصة هي الحلم الأمريكي الحقيقي؟.

خاض الأمريكيون والسوفييت صراعاً ثقافياً وسياسياً متعدد الجبهات للفوز بـ"روح" أوروبا على مدى عقود بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.

في خضم ذلك أشهرت الولايات المتحدة سلاحاً فتاكاً قوامه أجهزة منزلية وملابس وأجهزة تلفزيون ملوّن ومعدات رياضية ومشروبات غازية معلبة.

تسويق للنموذج الرأسمالي

أطلقت الولايات المتحدة حملة إبهار استعرضت نمط حياة يقوم على سلع استهلاكية وفيرة في متناول الجميع. استهلت هذه الحملة في برلين الغربية خلال حقبة "خطة مارشال"، إذ شيّدت وزارة الخارجية الأمريكية عام 1950 جناحاً تجارياً متألقاً على اليابسة المقابلة عبر الأطلسي، ضمّ آلاف المنتجات اليومية المتوفرة للطبقة الوسطى المتنامية في الضواحي الأمريكية.

في المعرض الأول، نُقل منزل جاهز نموذجي من مينيابوليس ليُعرض أمام الزوّار. وفي العروض اللاحقة، أدّى ممثلون مشاهد مستوحاة من الحياة اليومية لعائلات أمريكية مكوّنة من والدين وأطفال، قدموا خلالها عروضاً حية للمنتجات، مثل تحضير العشاء بسرعة بواسطة فرن مايكروويف، وتنظيف الملابس في غسالات ونشافات كهربائية، ثم مشاهدة التلفاز بصحبة الأطفال.

أتت تلك المعارض في سياق حملة واسعة للترويج للنموذج الرأسمالي الأمريكي لدى الأوروبيين المنهكين من الحرب والميّالين للفكر الشيوعي. فشكلت واحدة من أنجح حملات الدعاية في التاريخ الأمريكي وحشدت آلاف الزوّار الساعين لاكتشاف نمط حياة عصري بدا مختلفاً كل الاختلاف عمّا عهدوا، بداية في برلين ثمّ في باقي أرجاء ألمانيا الغربية وإيطاليا وصولاً إلى قلب الاتحاد السوفييتي نفسه.

في أول معرض أُقيم في موسكو عام 1959، تفجر سخط الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف في وجه نائب الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون، الذي كان يرافقه في جولة على المعرض، احتجاجاً على استعراض الانحلال الأمريكي.

في السنوات التالية، سعى خروتشوف إلى مواجهة الدعاية الأمريكية، لا عبر رفض أسلوب الحياة الاستهلاكي، بل تبنياً له في الإعلام الرسمي، وتعهد بأن المنتجات السوفييتية المشابهة متوفرة أو ستُطرح قريباً (رغم عدم صحة ذلك).

كان لخطوة خروتشوف ارتداد عكسي كارثي، بحسب مقال للمؤرخ غريغ كاستيلو نُشر في 2005، فقد أكدت للمواطنين السوفييت العاديين، صحة الرسالة الأمريكية القائلة بتفوّق النظام الاقتصادي الرأسمالي. وتناول كاستيلو ذلك بقوله إن "الرغبة الاستهلاكية الجامحة أسفرت في نهاية المطاف عن إفلاس الاقتصاد السياسي للاشتراكية السوفييتية". فحين يرى الناس جلاية صحون، لا شكّ بأنهم سيرغبون باقتناء واحدة.

ضربة للنزعة الاستهلاكية الأمريكية

ما يزال الأمريكيون يرغبون بامتلاك جلايات الصحون وهواتف "أيفون" وأحذية رياضية جديدة وخزائن تفيض بالملابس، ورفوف متاجر مليئة بالفاكهة والخضار من كل الأشكال والألوان.

كان رهان "خطة مارشال" القائم على حد وصف كاستيلو على "تمكين المواطن من خلال زيادة القوة الشرائية" قد صُقل أولاً داخل الولايات المتحدة قبل أن تصدّره، وما يزال حتى اليوم أحد المبادئ الرئيسية التي تقوم عليها الهوية الأميركية وعمادها الاقتصادي. يشكل الإنفاق الاستهلاكي للأسر نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وهي أعلى نسبة بين جميع الدول الصناعية.

استلزمت تلبية هذا الطلب الاستهلاكي زيادة هائلة في المقدرات الإنتاجية حول العالم. ورغم ما يعبّر عنه الأمريكيون في استطلاعات الرأي عن تفضيلهم للمنتجات المصنوعة محلياً، فإن سلوكهم الشرائي الفعلي، وعلى مدى عقود، يثبت أن الوفرة والأسعار المعقولة تتفوّقان على أي انحياز أيديولوجي للصناعة الوطنية.

على مدى نحو قرن، تضافرت جهود قادة الحزبين في الولايات المتحدة من أجل ضمان استمرار تدفق سيل السلع الاستهلاكية المستوردة. فقد شكّل التدخّل بين الأمريكيين ومقتنياتهم أحد الخطوط الحمراء في السياسة الأمريكية. وأولئك الذين حاولوا القيام بذلك، ولو عن حسن نية، واجهوا نهاية وخيمة كانت عبرة لمن اعتبر. (الرئيس جيمي كارتر، مثلاً، حاول أن يعظ الأمريكيين حول فضائل ترشيد الاستهلاك لكن العواقب أتت وخيمةً).

إلا أن فريق ترمب لا يبدو مكترثاً بذلك. صرّح وزير الخزانة سكوت بيسنت خلال كلمة أمام النادي الاقتصادي في نيويورك في مارس بأن "الحصول على السلع الرخيصة ليس جوهر الحلم الأمريكي"، في محاولة للتقليل من المخاوف بأن تؤدي سياسة الرسوم الجمركية المتشددة التي تتبعها الإدارة الجديدة إلى ارتفاع الأسعار ونقص في مختلف أنواع السلع المستوردة، رغم أن تصريحه بدا كإقرار ضمني بإمكانية حدوث ذلك.

لكن التاريخ يثبت أن بيسنت على خطأ، رغم أن كثيراً من الأمريكيين قد يوافقونه الرأي إلى حدّ ما لأن تلك الفكرة لا تعكس صورة جيدة عن الذات الجماعية.

المفارقة هنا أن ترمب خاض حملته الانتخابية على أساس السعي لخفض أسعار السلع الاستهلاكية. إذ صرّح في تجمّع انتخابي بولاية مونتانا في أغسطس 2024 أنه "بدءاً من اليوم الأول، سنضع حداً للتضخم ونجعل أميركا ميسورة مجدداً، ونخفّض أسعار كافة السلع".

لكن إذا مضى ترمب في تنفيذ سياسات يغلب أنها ستوجّه ضربة جديدة لقدرة الأمريكيين الشرائية، فإنه بذلك يدفعهم إلى إعادة النظر في مفهوم الازدهار نفسه،.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الاقتصادية

منذ 11 ساعة
منذ 7 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 11 ساعة
منذ 8 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 9 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 5 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 6 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 14 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 8 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 11 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
قناة CNBC عربية منذ ساعة