خميس عبيد آل علي* منذ أن شنَّت حركة حماس هجومها المفاجئ على جنوب إسرائيل، في السابع من أكتوبر2023، واندلعت في إثره حرب غزة التي تمدَّدت إقليمياً إلى العديد من الساحات، تعيش منطقة الشرق الأوسط فترة من «السيولة الاستراتيجية». ويُستخدَم هذا المصطلح في حقل العلاقات الدولية لوصف الفترات التي تسود فيها الفوضى وغياب الاستقرار في البِنى الإقليمية أو الدولية، في عملية غالباً ما تفضي -كما يخبرنا التاريخ- إلى إعادة تشكيل خرائط النفوذ والتحالفات.
وبرغم أن حرب غزة شكَّلت بلا شك نقطة مفصلية كشفت عن عمق هذه الحالة في منطقة الشرق الأوسط، فإن جذورها تعود إلى ما قبل اندلاع الحرب، وتحديداً إلى التغيرات الإقليمية والتحولات البنيوية في السياسة الأمريكية المتذبذبة تجاه المنطقة، ولكن متى بدأت هذه الحالة؟ وكيف تشكلت؟ ولماذا؟
لا يختلف المراقبون للشأن الإقليمي في وصف قرارَي إدارة باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق، بدعم صعود التيارات الدينية المتطرفة إلى الحكم خلال ما سُمي «الربيع العربي»، وتوقيع اتفاق نووي «هزيل» مع إيران لا يراعي مصالح دول الإقليم، بأنهما شكَّلا منعطفاً تاريخياً أظهر ضرورة عدم التسليم الأزلي بموثوقية الشريك الأمريكي، وكذلك عدم الاستهانة بتداعيات استراتيجية «الاستدارة شرقاً» على استقرار المنطقة.
ومنذ تلك اللحظة دخلت المنطقة حالة مستمرة من «السيولة الاستراتيجية»، تراكمت فيها التداعيات الأمنية، وكان من أبرز مظاهرها: صعود تنظيم داعش الإرهابي، وسيطرته على مساحات شاسعة من أراضي الهلال الخصيب، في ظل هشاشة الهيكليات الأمنية، وتضعضع مكانة الدول الوطنية بمفهومها الدارج بعد جلاء الاستعمار.
وبرغم نجاح الأطراف الإقليمية والدولية في هزيمة تنظيم داعش، وتقليص نفوذه، فإن حالة السيولة هذه فسحت المجال أمام بروز محاور إقليمية تتخذ من الأيديولوجيات المتطرفة ومناكفة فكرة «الوطن» و«الحدود الوطنية» دستوراً لها، مثل ما يعرف باسم «محور المقاومة»، والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وقد تسببت هذه المحاور بتكريس ممارسات سياسية وعسكرية هدَّامة، أمعنت في تفكيك الهياكل التقليدية للسلطة، وأعاقت محاولات إعادة ترميم النظام الإقليمي العربي، فقد تبنّى ما يسمى «محور المقاومة» -الذي ينضوي تحت مظلته تنظيمات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، وفصائل فلسطينية في غزة- نموذجاً قائماً على عسكرة الطائفة، وتوظيف الأزمات المحلية لبناء نفوذ إقليمي واسع، غالباً خارج إطار الدولة المركزية، بل على حسابها في كثير من الأحيان. أمَّا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فقد استغل الفراغ السياسي الذي أعقب سقوط أنظمة ما قبل «الربيع العربي»، محاولاً فرض نموذج «الدولة الأيديولوجية العابرة للحدود»، التي تتقدم فيها أجندة التنظيم على مصالح الشعوب والدول.
وفي هذا المشهد المعقَّد أصبحت خريطة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الخليج الإماراتية
