كيف أشعلت سياسات «ترامب» التوترات حول العالم خلال 100 يوم؟ #عاجل

قبل مائة يوم فقط، كان مشهد عودة دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي أشبه بعاصفة سياسية غير مسبوقة: رئيس أمريكي سابق يعود إلى السلطة بعد تغلبه على محاولتي عزل في الكونغرس وإدانة جنائية وحتى محاولتي اغتيال. في 20 يناير 2025، أدى ترامب اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة للمرة الثانية، معلنًا بداية فصل جديد مثير للجدل في التاريخ السياسي الأمريكي.

وخلال فترة المائة يوم الأولى من ولايته الجديدة، فرض ترامب إيقاعه الخاص على واشنطن؛ فمن القرارات التنفيذية المتتالية التي أمطر بها الساحة السياسية، إلى خطابه الإعلامي الناري الذي أشعل به الجدل، وجد الأمريكيون أنفسهم أمام نسخة مألوفة ومتجددة من ترامب، نسخة تجمع بين الثقة الجامحة في النفس والإصرار على قلب الأوضاع رأسًا على عقب.

ما ملامح شخصية وأداء «ترامب» خلال هذه الفترة، وما أبرز قراراته التنفيذية والتشريعية، وكيف قيّم الداخل الأمريكى أداءه من منظور الحزبين الجمهورى والديمقراطى، وكيف كانت توجهاته فى السياسة الخارجية وردود الأفعال الدولية عليها؟، فضلًا عن ملامح الانقسام أو الدعم الشعبى الذى حظى به، مع مقارنة أسلوبه ونهجه الآن بما كان عليه فى ولايته الأولى «٢٠١٧- ٢٠٢١»، هذا ما نحاول الإجابة عنه خلال السطور التالية.

ارتجالى وعنيف وكاسر للأعراف.. ويظهر كأنه مدير تنفيذى لشركة وليس رئيسًا منذ اللحظات الأولى لعودته إلى البيت الأبيض، بدا ترامب وفيًا لصورته المعهودة: زعيم بشخصية صاخبة لا تتردد في كسر الأعراف ومواجهة الخصوم بحدّة أمام الملأ. فقد حرص على العودة بقوة إلى منصات التواصل الاجتماعي بعد استعادة حساباته الرسمية، مخاطبًا أنصاره مباشرة ومثيرًا العواصف الإعلامية المعتادة حول تغريداته وتصريحاته. حتى منصات التواصل نفسها لم تسلم من إثارة الجدل؛ إذ فوجئ ملايين المستخدمين بأنهم أصبحوا يتابعون حسابات ترامب الرسمية على فيسبوك وإنستغرام تلقائيًا بعد انتقالها إليه، ما أثار استياء منتقديه ودفع شركة "ميتا" للتبرير بأن الأمر جزء من آلية بروتوكولية لنقل الحسابات الرئاسية​.

وعلى المنابر الإعلامية التقليدية، واصل ترامب أسلوبه التصادمي مع الصحافة. فهو نادرًا ما يعقد مؤتمرات صحفية رسمية مطولة، ويفضّل اللقاءات الودية مع وسائل إعلام حليفة، لكن عندما يواجه أسئلة الصحافيين الناقدين لا يتورع عن المشاكسة والهجوم. فعلى سبيل المثال، في أحد مؤتمراته الصحفية المبكرة اتهم ترامب سياسات التنوع الوظيفي (DEI) في قطاع الطيران بأنها سبب تحطم طائرة ركاب أمريكية مؤخرًا، قائلًا إن “اعتماد معايير التنوع أدى إلى توظيف طيارين غير أكفاء”، ثم وبّخ مباشرةً مراسلة شبكة CNN كايتلان كولينز عندما اعترضت على طرحه، مؤكدًا لها أنه يستند إلى “المنطق السليم” في حكمه هذا​. مشهد كهذا أعاد للأذهان أسلوب ترامب الهجومي في ولايته الأولى، حيث يصنع هو الخبر ويقود دفة الحوار عبر تصريحات مفاجئة وجدلية.

على الصعيد السياسي الداخلي، أظهر ترامب أنه ما زال اللاعب نفسه الذي يقلب الطاولة على خصومه متى شاء. لم يتغير كثيرًا نهجه في المطالبة بالولاء المطلق من فريقه وحزبه؛ إذ أحاط نفسه منذ اليوم الأول بمسؤولين ومساعدين معروفين بالولاء الشخصي لنهجه. وقد لاحظ المراقبون غياب الوجوه "المعتدلة" أو التقليدية في الإدارة الجديدة مقابل صعود شخصيات من الدائرة المقربة لترامب، حتى أن مناصب حساسة أُسندت إلى شخصيات مثيرة للجدل بسبب ولائها الصارخ له، مثل تعيين النائب المحافظ مات غويتز وزيرًا للعدل، والعضوة السابقة في الكونغرس تولسي غابارد مديرةً للاستخبارات الوطنية​.

هذه التعيينات عكست إصرار ترامب على تطهير الإدارة من الأصوات المخالفة وتأمين سيطرة تامة له على مفاصل الحكم. ومن خلال أسلوب قيادته اليومي، ظهر ترامب وكأنه مدير تنفيذي يدير مؤسسة خاصة أكثر منه رئيس حكومة تقليدي؛ يعقد الاجتماعات والاتصالات بصورة مرتجلة أحيانًا، ويصدر التعليمات المباشرة عبر وسائل غير رسمية. ورغم ذلك، لا يمكن إنكار نجاحه في فرض إيقاعه على جدول الأعمال الوطني يوميًا، إذ يجد الجميع أنفسهم، حلفاء وخصومًا، مضطرين لمجاراة عناوين ترامب وتغريداته بدلًا من التركيز على قضايا أخرى.

قرارات تنفيذية وتشريعية في 100 يوم عاصف سرعان ما ترجم ترامب شعاره الشهير "أمريكا أولًا" إلى حزمة إجراءات وقرارات ملموسة، جعلت من المائة يوم الأولى لولايته الثانية فترة حافلة بشكل غير اعتيادي. فخلال هذه الأسابيع القليلة أصدر ترامب سيلًا من الأوامر التنفيذية الرئاسية بوتيرة قياسية تجاوزت كل من سبقه في المنصب خلال نفس المدة​؛ إذ وقع عشرات الأوامر والمذكرات الرئاسية متناولًا بها طيفًا واسعًا من السياسات الداخلية والخارجية. وقد وصف مستشار مقرب منه هذه الإستراتيجية بأنها حملة "صدمة وترويع" تنظيمية تهدف لإعادة تشكيل الحكومة الفدرالية بسرعة​.

في اليوم الأول فقط، شرع ترامب في تفكيك إرث سلفه جو بايدن عبر سلسلة قرارات خاطفة. وقع أمرًا تنفيذيًا لإلغاء انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ للمرة الثانية، منهيا بذلك مشاركة أمريكا في الجهد العالمي لمكافحة الاحتباس الحراري​. كما أعلن انسحاب واشنطن الفوري من منظمة الصحة العالمية، مجددًا اعتراضه على أسلوب إدارة المنظمة لجائحة كورونا وغيرها​. وأمر بوقف تمويل عدد من البرامج الاتحادية المرتبطة بقضايا التغير المناخي، مثل حل "فيلق المناخ" الذي كان قد أُنشئ في عهد بايدن​، وتجميد صرف أموال مخصصة لمشاريع الطاقة النظيفة ضمن خطة خفض التضخم بحجة مراجعة جدواها. هذه الخطوات السريعة أكدت أن ترامب عازم على قلب سياسات حقبة بايدن رأسًا على عقب منذ اللحظة الأولى.

في ملف الهجرة، اندفع ترامب لتنفيذ وعوده بحزم غير مسبوق. فإلى جانب إعادته العمل بسياسات حظر السفر المثيرة للجدل على مواطني بعض الدول، مع توسيع القائمة لتشمل دولًا أخرى يعتبرها “عالية الخطورة”، أصدر أمرًا تنفيذيًا يسعى لإنهاء سياسة منح الجنسية بالولادة (Birthright Citizenship) للأطفال المولودين على الأراضي الأمريكية من والدين غير حاصلين على إقامة شرعية. هذه الخطوة أحدثت صدمة في الأوساط الحقوقية، إذ اعتبرها كثيرون مخالفة واضحة للتعديل الرابع عشر من الدستور الأمريكي، ما أدى إلى تعبئة سريعة للطعن بها أمام المحاكم. وإمعانًا في تشديد سياسة الهجرة، أمر ترامب بنشر المزيد من قوات الحرس الوطني على الحدود مع المكسيك ودعم توسيع مراكز احتجاز المهاجرين هناك.

كما صنّف في إجراء لافت عصابات تهريب المخدرات المكسيكية كمنظمات إرهابية أجنبية، فاتحًا الباب أمام سلطات أوسع للتعامل معها. ولم يمضِ وقت طويل حتى دفع أنصاره في الكونغرس إلى صياغة تشريع جديد صارم للهجرة: فبحلول 29 يناير، وقّع ترامب على أول قانون يُقر في عهده الثاني، وهو قانون حمل اسم "لايكن رايلي" تكريمًا لطالبة تمريض قُتلت على يد مهاجر غير نظامي عام 2024​. يُلزم هذا القانون وكالة الهجرة والجمارك (ICE) باحتجاز المهاجرين غير الشرعيين قيد الاعتقال لحين ترحيلهم أو البت النهائي في قضاياهم دون إخلاء سبيل مشروط، منهيا فعليًا سياسة “القبض والإفراج” السابقة​. وعلى نحو متصل، أصدر ترامب تعليمات لوزارة الدفاع بالعمل على توسعة منشآت الاحتجاز في قاعدة غوانتانامو لاستيعاب أعداد أكبر من المهاجرين غير الشرعيين رهن الاحتجاز إذا اقتضى الأمر​، وهي خطوة غير معهودة أثارت جدلًا حول استخدام موقع مخصص للمشتبهين بالإرهاب لإيواء مهاجرين مدنيين.

امتدت القرارات التنفيذية لترامب لتشمل السياسات الاجتماعية والثقافية داخل الولايات المتحدة أيضًا. فقد سارع إلى إلغاء مبادرات التنوع والدمج الوظيفي (DEI) التي أطلقت خلال الإدارات السابقة، وأصدر توجيهات صريحة بأن تعتمد الوكالات الفدرالية التصنيف الثنائي للجنس البيولوجي (ذكر/أنثى) فقط في كافة سجلاتها ووثائقها الرسمية، ملغيًا بذلك سياسات الاعتراف بغير الثنائيين جنسيا أو بالهويات الجندرية المتحولة في العمل الحكومي. وأردف ذلك بأمر تنفيذي آخر لحظر مشاركة الرياضيين المتحولين جنسيًا في المسابقات الرياضية النسائية على مستوى المدارس والجامعات التي تحصل على تمويل فدرالي​، مبررًا الخطوة بضرورة “حماية الرياضة النسائية”. هذه القرارات نالت إشادة المحافظين الاجتماعيين، لكنها قوبلت بانتقادات حادة من جماعات الحقوق المدنية ومجتمع الميم اللذين اعتبروها تمييزية وتقويضًا للتقدم الذي أُحرز في السنوات الماضية​.

اقتصاديًا، أعاد ترامب إشعال فتيل الحروب التجارية التي ميّزت ولايته الأولى. ففي أواخر فبراير، فاجأ الأسواق بفرض تعريفات جمركية جديدة على واردات الولايات المتحدة من عدة دول حليفة وخصمة على حد سواء. فرضت إدارته تعريفات بنسبة 10% على واردات الطاقة من كندا، ورسومًا جمركية إضافية على سلع صينية ومكسيكية، بحجة حماية الصناعات الأمريكية والعمالة المحلية​. ولم يتأخر شركاء واشنطن في الرد؛ إذ أعلنت كندا على الفور إجراءات انتقامية شملت فرض رسوم مضادة على سلع أمريكية بقيمة مليارات الدولارات​.

أثار هذا التصعيد التجاري قلق مجتمع الأعمال الأمريكي وبعض المشرعين الجمهوريين من الولايات الزراعية والصناعية التي قد تتضرر صادراتها، وإن التزم معظمهم الصمت العلني دعمًا لنهج ترامب التفاوضي الصارم. وبرر البيت الأبيض هذه الخطوات بأنها ورقة ضغط لإعادة التفاوض على اتفاقيات “أكثر إنصافًا” لأمريكا، مؤكدًا أن سياسة الرسوم قابلة للتراجع في حال “تصحيح الشركاء لممارساتهم غير العادلة.

في ميدان السلطة التنفيذية ذاته، لم يتردد ترامب في استخدام صلاحية العفو الرئاسي المثيرة للجدل على نحو حاسم منذ البداية. فوفاءً بوعد قطعه خلال حملته الانتخابية، وقع ترامب في يومه الأول سلسلة من قرارات العفو التي شملت إطلاق سراح أو تخفيف أحكام نحو 1500 شخص من المدانين في قضايا اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021​. هذا العفو الجماعي غير المسبوق عن مشاركين في أحداث وصفت بالخيانة والعنف أثار عاصفة سياسية، حيث اعتبره الديمقراطيون وعدد من المستقلين تبييضًا لأسوأ اعتداء على الديمقراطية الأمريكية في العصر الحديث.

حتى بعض حلفاء ترامب الجمهوريين أبدوا تحفظًا حذرًا؛ فنائب الرئيس الجديد ج.د. فانس نفسه (وهو سناتور سابق داعم لترامب) نصح بشكل غير علني بأن يُستثنى من العفو من ارتكبوا أعمال عنف خطيرة​. لكن ترامب مضى قدمًا دون تردد، مانحًا عفوًا كاملًا حتى لمن أدينوا بالاعتداء على ضباط الشرطة في ذلك اليوم​. برر البيت الأبيض الخطوة بأنها “طي لصفحة ماضية من اضطهاد سياسي” وإصلاح للظلم الواقع بحق “مواطنين غيورين أخطأوا التقدير” حسب تعبير ترامب، بينما حذر منتقدون من أن شمول العفو للمعتدين العنيفين قد يشجّع التطرف اليميني ويرسل رسالة تساهل مع محاولة قلب نتائج الانتخابات بالقوة.

التقييم الداخلي: مواقف الجمهوريين والديمقراطيين بعد 100 يوم من حكمه، بدا المشهد الداخلي الأمريكي منقسمًا بشدة في تقييمه لأداء ترامب. فعلى الضفة الجمهورية، يحظى الرئيس بدعم شبه مطلق من قادة حزبه وقاعدته المحافظة. أغلبية الجمهوريين في الكونغرس تبنّوا قرارات ترامب واصطفّوا خلفه علنًا، معتبرين إياه يُنفّذ برنامجًا منتخبًا من الشعب ويعيد البلاد إلى “المسار الصحيح” بعد سياسات الديمقراطيين. وروى أحد أعضاء الكونغرس الجمهوريين بصورة طريفة أن مزاج زملائه يمكن تلخيصه بالقول: "إذا قال لنا ترامب اقفزوا، نسأل: إلى أي ارتفاع؟"، في إشارة إلى استعدادهم لتنفيذ أجندته دون تردد. هذا الالتفاف الحزبي حول ترامب تعزّز بحقيقة أن الحزب الجمهوري يسيطر على مجلسي الشيوخ والنواب خلال هذه الفترة، ما أتاح لترامب تمرير تعييناته الحكومية وإقرار التشريعات التي يريدها بسرعة قياسية ودون معارك برلمانية تذكر.

وبينما عبّر عدد قليل من المحافظين التقليديين بهدوء عن قلقهم من بعض الخطوات (مثل التصعيد التجاري الذي أقلق الأوساط الاقتصادية في ولاياتهم، أو شمول العفو الرئاسي لمتورطين بأعمال عنف)، فإن أيًا من هؤلاء لم يشأ خرق وحدة الصف علنًا. على العكس، وجدنا قيادات الحزب، من زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ إلى رئيس مجلس النواب، يشيدون بقيادة ترامب “الحازمة” ويصفون إنجازاته المبكرة بأنها “غير مسبوقة منذ عقود” في إعادة تشكيل السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.

في المقابل، رسم الديمقراطيون صورة قاتمة ومقلقة لما يقوم به ترامب في السلطة. قيادات الحزب الديمقراطي ومسؤولوه، سواء داخل الكونغرس الذي صاروا أقليّة فيه، أم على مستوى الولايات التي يقودون حكوماتها، اتهموا ترامب باتباع نهج خطير وتدميري للمؤسسات والقيم الأمريكية. ففي خطاب لاذع بعد ما يقرب من 90 يومًا على تنصيب ترامب، خرج الرئيس السابق جو بايدن عن صمته ليصف ما يحدث بأنه “دمار وخراب مذهل خلال فترة لم تتجاوز المائة يوم”​. وانتقد بايدن بشدة محاولات الإدارة الجمهورية تقليص برامج الضمان الاجتماعي كالتأمين الصحي والتقاعد، قائلًا إن ترامب وحلفاءه “يستخدمون معولًا لهدم شبكة الأمان الاجتماعي” عبر تسريح الآلاف من موظفي الضمان الاجتماعي وتقليص الخدمات المقدمة لكبار السن​.

كما ندد الديمقراطيون بعملية تطهير المؤسسات الحكومية من الكفاءات المستقلة، في إشارة إلى قيام ترامب بإقالة جماعية لعدد من المفتشين العامين (مراقبي نزاهة الأجهزة الحكومية) في ما لا يقل عن 17 وكالة فدرالية دفعةً واحدة​. اعتُبر ذلك الإجراء محاولة لإسكات أصوات الرقابة الداخلية ومنع أي تحقيقات محايدة في مخالفات محتملة بالإدارة، وهو ما دفع نوابًا ديمقراطيين للمسارعة بالمطالبة بتحقيقات في قانونية هذه الإقالات​.

على صعيد الولايات والمجتمع المدني، تحرك الديمقراطيون وحلفاؤهم على عدة جبهات لمقاومة أجندة ترامب. قام عدد من حكام الولايات الزرقاء (الديمقراطية) بإصدار أوامر تنفيذية محلية تحاول التخفيف من آثار سياسات الحكومة الفدرالية، مثل إنشاء صناديق تمويل بديلة لدعم برامج الطاقة النظيفة التي قطع ترامب تمويلها، أو سن تشريعات على مستوى الولاية لحماية حقوق المتحولين جنسيًا في الرياضة والتعليم رغم الحظر الفدرالي.

وإلى جانب ذلك، لجأت شخصيات ومنظمات ليبرالية إلى القضاء لكبح ما تراه تجاوزات: ففي الأسابيع الأولى رفعت دعاوى قضائية متعددة تطعن في دستورية قرارات ترامب بشأن الهجرة والجنسية والبيئة وغيرها، وقد نجح بعضها مبدئيًا في استصدار أوامر قضائية مؤقتة لتعليق تنفيذ سياسات مثيرة للجدل (مثل الأمر التنفيذي الخاص بإنهاء حق الجنسية بالولادة، الذي أوقفه قاضٍ فيدرالي مؤقتًا بانتظار البت فيه دستوريًا).

ورغم أن سيطرة الجمهوريين على الكونغرس حدّت من قدرة الديمقراطيين تشريعيًا على عرقلة أجندة ترامب، فإن نواب الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ حرصوا على تسجيل اعتراضاتهم في كل مناسبة. لم يمرّروا فرصة إلا ونددوا فيها، خلال جلسات الاستماع أو البيانات الصحفية، بما سموه “نزعة استبدادية” في طريقة حكم ترامب، بدءًا من استخدامه المفرط للأوامر التنفيذية وصولًا إلى استهدافه العلني لخصومه السياسيين. وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز وصف نهج ترامب بأنه "حكم الشخص الواحد" محذرًا من أنه يقوض نظام الضوابط والتوازنات الذي يقوم عليه الدستور الأمريكي.

هكذا، وجدت الولايات المتحدة نفسها من جديد أمام حالة استقطاب حاد: معسكر جمهوري يرى في ترامب قائدًا يفي بوعوده ويستعيد قوة البلاد وهيبتها، ومعسكر ديمقراطي يراه خطرًا محدقًا بالديمقراطية الأمريكية ومعاييرها الراسخة. هذا الانقسام الحزبي الرسمي انعكس بقوة في الشارع الأمريكي، الذي شهد بدوره حراكًا واسعًا خلال المائة يوم، بين مظاهرات واعتصامات منددة، وتجمعات حاشدة مؤيدة، في مشهد يكاد يكرر سنوات رئاسة ترامب الأولى لكن بوتيرة أشد سخونة هذه المرة.

السياسة الخارجية: توجهات "أمريكا أولًا" وردود الفعل العالمية مع عودته إلى البيت الأبيض، أعاد ترامب إطلاق رؤيته المعروفة في السياسة الخارجية التي ترفع شعار "أمريكا أولًا" فوق كل اعتبار. تجلت هذه الرؤية في سلسلة قرارات ومواقف غيّرت ملامح انخراط الولايات المتحدة عالميًا خلال 100 يوم فقط، وأثارت ردود فعل متباينة في العواصم الأجنبية. فعلى صعيد العلاقات مع الحلفاء والمؤسسات الدولية، عاد ترامب إلى نهجه الانتقادي للصيغ متعددة الأطراف التي، برأيه، “تكبل” الولايات المتحدة. فإضافة إلى انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية كما أسلفنا​، جمد مساهمات بلاده المالية في عدد من برامج الأمم المتحدة الإنمائية والبيئية، معلنًا أنه سيعيد تقييم جدواها ويطالب الآخرين “بدفع حصتهم العادلة”​.

ولم يُخفِ ترامب ازدراءه لبعض أوجه الدبلوماسية التقليدية؛ إذ تجاهل عددًا من القمم والاجتماعات الدولية التي عادةً ما يشارك فيها الرؤساء الأمريكيون في بدايات عهدهم، مفضّلًا التركيز على ترتيب لقاءات ثنائية وصفقات مباشرة أكثر انسجامًا مع أسلوبه التجاري في عقد الصفقات. وقد نقل مقربون منه أنه كان يردد في مجالسه الخاصة أن “العالم استغل أمريكا طويلًا وحان وقت التصحيح”.

أحد أهم ملامح سياسة ترامب الخارجية في هذه الفترة تمثل في إعادة صياغة علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين في أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). فبينما جدد ترامب التزام أمريكا بالدفاع المشترك في الناتو، عاد ليُلحّ بقوة على الدول الأوروبية بضرورة زيادة مساهماتها المالية في الحلف وتقاسم الأعباء العسكرية بشكل أكثر عدالة، وإلا فإن “على أمريكا أن تفكر في خياراتها” كما ألمح​. أثارت هذه التصريحات قلقًا في العواصم الأوروبية من احتمال تراجع واشنطن عن موقعها القيادي في التحالف الغربي. وحتى يبدد بعض هذه المخاوف، قام رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر بزيارة مبكرة إلى واشنطن للقاء ترامب شخصيًا في مارس، حيث أكد الأخير مجددًا التزام بلاده تجاه الناتو لكن “بشروط أكثر إنصافًا” للحليف الأمريكي​. رغم ذلك، استمر شعور الحذر والترقب مسيطرًا على دول أوروبا الغربية، خصوصًا فيما يتعلق بموقف إدارة ترامب من الحرب الدائرة في أوكرانيا.

وفي أزمة أوكرانيا التي ورثها عن سلفه، انتهج ترامب مقاربة شخصية وفورية لمحاولة إنهاء الصراع المستمر بين كييف وموسكو. خلال أسابيعه الأولى في المنصب، أجرى اتصالات مباشرة مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عارضًا himself كوسيط “صفقة كبرى” يمكنه إنهاء الحرب سريعًا. وبالفعل، دفعت إدارته نحو تنظيم قمة مفاوضات غير مسبوقة تستضيفها المملكة العربية السعودية، على أساس جمع الأطراف المتحاربة بدعم من دول محايدة نسبيًا في الشرق الأوسط​.

وفي العلن، تبنى ترامب لهجة حازمة ظاهريًا تجاه موسكو، إذ حذر من أنه قد يفرض عقوبات قاسية جديدة على روسيا إذا لم تظهر مرونة في المفاوضات، لكنه في الوقت نفسه أثار جدلًا واسعًا بتصريحات بدت متساهلة مع الكرملين. فعندما سُئل في مقابلة عن.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الدستور المصرية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الدستور المصرية

منذ 8 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 8 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 7 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ 10 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 6 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ 17 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 11 ساعة
بوابة أخبار اليوم منذ 11 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 5 ساعات