من أبوظبي، تتشكل اليوم مقاربة جديدة لصناعة الإعلام، تجمع شركات التكنولوجيا العالمية والجهات الحكومية وصنّاع المحتوى والفنانين وقطاع الألعاب ضمن منظومة واحدة يتفاعل فيها الإبداع والتقنيات والمنتجات، وهذا التحول يتجسّد في قمة «بريدج» BRIDGE 2025، التي لا تقدّم فعالية تقليدية بقدر ما ترسّخ موقع الإمارات كمنصة دولية لإعادة ابتكار الإعلام وأساليبه ونماذج عمله.
وفي مقابلة مع CNN الاقتصادية، قدّم كل من جمال محمد الكعبي، المدير العام للمكتب الوطني للإعلام ونائب رئيس تحالف BRIDGE، وريتشارد أتياس، المستشار الاستراتيجي للتحالف، قراءة معمّقة للدور الذي تلعبه القمة في إعادة صياغة المشهد الإعلامي العالمي ومسارات تطوره. منصة تجمع صناعات كانت متباعدة يرى جمال محمد الكعبي أن التحول الذي تقوده الإمارات في قطاع الإعلام لا ينفصل عن مسارها الاقتصادي الأوسع، فالدولة، كما يقول، تتصدر مؤشرات التنافسية العالمية وتحتاج إلى حضور إعلامي دولي يتناسب مع حجم الإنجازات المتسارعة. ويشير الكعبي إلى أن قمة BRIDGE جاءت استجابة لحاجة واضحة: تقديم منصة تربط قطاعات كانت تعمل كلٌّ في مساحته الخاصة، من الإعلام التقليدي إلى المؤثرين، ومن صناعة الألعاب إلى شركات التكنولوجيا.
ويضيف أن الفعاليات كشفت عن طلب عالمي متزايد على الوجود في أبوظبي، مع مشاركة أكثر من 36 ألف شخص يمثلون 172 دولة، بينهم صنّاع محتوى، وشركات تقنية، ووزارات، ومنظمات دولية، وهذا الزخم -برأيه- لا يعكس اهتمامًا تنظيميًا فحسب، بل يخلق فرصًا اقتصادية ملموسة عبر جذب استثمارات جديدة وتوسيع شبكات التعاون بين الشركات العالمية والمحلية.
كما يوضح الكعبي أن أحد أهداف القمة كان كسر العزلة بين القطاعات؛ فالفنانون يتواصلون مع شركات الألعاب، والحكومات تكتشف أدوات جديدة لتقديم محتواها، وصناع المحتوى يتفاعلون مع منصات وقطاعات لم تكن متاحة لهم سابقًا، وهذا الدمج يفتح الباب أمام نماذج إعلامية جديدة تستجيب لتغيرات الذكاء الاصطناعي وعادات الجمهور. رؤية تُعيد تشكيل صناعة الإعلام عالمياً من جهته، يرى ريتشارد أتياس أن اختيار أبوظبي لإطلاق منصة BRIDGE كان خيارًا بديهيًا للأطراف المشاركة في تأسيس المشروع؛ فالإمارات -كما يوضح- أصبحت موطنًا لعدد متزايد من الشبكات الإعلامية العالمية وشركات التكنولوجيا الكبرى، وهو ما منح القمة شرعية ومصداقية منذ يومها الأول. ويشرح أن صناعة الإعلام تعيش اليوم حالة «لا مكان»، فهي منتشرة في كل مكان، لكنها تفتقر إلى مساحة تلتقي فيها الجهات الفاعلة لتعيد التفكير في مستقبلها. وبحسب تصريحات أتياس، فإن «بريدج» تقدم هذه المساحة ليس فقط للنقاش بل لإعادة بناء الثقة بين صناع المحتوى، والجهات التنظيمية، والمؤسسات الإعلامية التقليدية، والشركات التكنولوجية.
ويؤكد أتياس أن هذا النوع من التجمعات يُعيد تشكيل مشهد الإعلام على مستوى عالمي، لا الإقليمي فقط، فوجود منصات ومؤثرين وشركات إنتاج وجهات حكومية وشركات ألعاب في موقع واحد يغيّر قواعد اللعبة ويوفر بيئة تعاونية تعجز أسواق كثيرة حول العالم عن توفيرها. تأثير اقتصادي متنامٍ واتفاقات استثمارية كبرى انعكس الزخم الإعلامي المصاحب للقمة أيضاً اقتصادياً، إذ شهدت قمة «بريدج» 2025 توقيع اتفاقات بقيمة 200 مليون دولار بين شركات عالمية ومحلية، في استثمارات تتركز حول تقنيات الإعلام الجديدة والبنية التحتية الرقمية وصناعة المحتوى. هذا الحجم من الاتفاقات يعكس -بحسب أتياس- قوة موقع أبوظبي بالنسبة للاعبين الدوليين، خاصة في ظل تحول المدن العالمية الكبرى إلى مراكز مكلفة أو صعبة التنظيم لفعاليات ضخمة، أما أبوظبي فيراها بيئة جاذبة بفضل بنيتها التنظيمية وسهولة ممارسة الأعمال وتكامل منظومتها الرقمية. تكامل الأجيال والمنصات.. وتحوّل في دور الإعلام أحد الجوانب التي شدد عليها أتياس هو قدرة «بريدج» على ربط الأجيال داخل الصناعة، فالمخضرمون في الإعلام -كما يقول- يجلسون اليوم إلى جانب صناع محتوى شباب؛ كل منهم يحمل فهماً مختلفاً للذكاء الاصطناعي، وللتوزيع الرقمي، ولطبيعة الجمهور، هذا التفاعل -برأيه- يعيد تعريف الإعلام نفسه ويخلق لغة مشتركة بين المدارس التقليدية وتلك التي نشأت على المنصات الرقمية. ويرى جمال أن هذا التكامل يعكس الواقع الجديد للإعلام، إذ لم يعد ممكناً الفصل بين المؤثرين والصحفيين والفنانين والألعاب وصنّاع المحتوى التجاري، فالجمهور يستهلك كل ذلك على المنصات نفسها، ومن هنا تصبح الحاجة إلى منابر تجمع هذه الأطراف ضرورة وليس خياراً. الإمارات.. من استضافة الفعاليات إلى صناعة المستقبل ما بين التحول الاقتصادي في الدولة، ودعمها للذكاء الاصطناعي، وتوسّعها في الصناعات الإبداعية، تبدو قمة «بريدج» 2025 امتداداً طبيعياً لاستراتيجية أوسع تهدف إلى جعل الإمارات مركزاً عالمياً للإعلام الجديد، لكنها -كما يوضح المتحدثان- ليست مجرد حدث بل إطار عمل يربط الصناعات والمهارات واللغات والأفكار في منظومة واحدة. هذا الدور الجديد الذي يجمع بين تنظيم الفعاليات وتحفيز الابتكار وجذب الشركات وخلق فرص اقتصادية هو ما يجعل الإمارات -وفق رؤية المشاركين- تتحول تدريجياً إلى نقطة ارتكاز في المشهد الإعلامي العالمي، وجسر حقيقي بين الصناعات والثقافات والأجيال.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية
